في العام 1972 كانت هناك عصابة تقطع في منطقة (العماقي) جوار مطار تعز الحالي اليوم، كان يقودها شخص يدعى (أمين فيصل) اتخذت من المسافة الفاصلة بين مدينة (القاعدة) وضاحية (الحوبان) مكانا لاصطياد فرائسها من المسافرين والعابرين، ورغم موقع هذه المنطقة بين مدينتين هما تعز والقاعدة إلاّ أن تلك المنطقة بمقياس تلك الفترة كانت تعتبر مقفرة من السكان والمارة، وعدد السيارات التي تعبر الطريق في اليوم بعدد الأصابع، وكانت الطريق ممهدة ترابيا وغير معبدة بالإسفلت لا تعبرها سوى بعض السيارات من طراز (اللاند روفر) الشهيرة في ذلك الزمن أو بعض الشاحنات القديمة المتوسطة الحجم المحملة بالبضائع القادمة من عدن. في تلك الفترة كانت باكورة صناعتنا الوطنية الأهلية الوليدة تدفع إلى الأسواق بأول منتجاتها من أول مصنع أقيم في اليمن لصناعة البسكويت والحلويات على مسافة ثلاثة كيلومترات فقط من منطقة عمليات تلك العصابة التي جعلت الناس يطلقون على تلك الرقعة ب(برمودا) الجند، على غرار مثلث (برمودا) المرعب في البحر الكاريبي . زعيم تلك العصابة ونظرا لمحدودية السيارات العابرة التي كان يتقطع لها في وضح النهار والدولة والحكومة مشلولة وعاجزة عن اتخاذ أي تصرف حازم ضده كما هو الحال والواقع في أيامنا هذه مع (كلفوت وهلفوت وشلفوت ) وكأن التاريخ يكرر نفسه أو نحن من نكرر غباءنا. ونظراً لغياب الدولة حينها تجرأ هذا الشخص أكثر، وجاء ذات يوم إلى بوابة المصنع الوليد والوحيد في الحوبان وسلم حراسة المصنع رسالة يطلب منهم تسليمها للحاج هائل سعيد أنعم يرحمه الله، الحراسة يومها لم يكونوا على معرفة شخصية بهذا الكائن رغم أنهم يسمعون مع الناس عن جرائمه فأخذوا الرسالة منه بعفوية وسلموها كما هي إلى الحاج هائل سعيد الذي كان يتردد بشكل شبه يومي على المصنع ، وعند قراءة الرسالة وجد فيها أن الرجل يطلب منه مبلغا كبيرا من المال بمقاييس تلك الفترة .. ومالم يتم الاستجابة لطلبه فهو يهدد بنسف المصنع بمن فيه !! فرد عليه الحاج هائل سعيد خلف الرسالة ذاتها قائلا: الولد أمين فيصل هداه الله ((قرأنا رسالتك وعرفنا مطلبك وتهديدك ونحن والله نشفق عليك بما أنت عليه من الحال ونرجو الله لك الهداية والعودة إلى الصواب، ونحن يا ولد أمين لا نخضع لغير الله ولا نعطي أموالنا إلا في سبيل الله ومن أجل ابتغاء مرضات الله، أما الحياة والموت فهما بيد الله وهذا المصنع فتحناه لمن أراد الرزق الحلال والكسب الشريف والمشاركة في بناء الوطن فإن أردت العمل معنا فبادر بالتوبة إلى الله أنت ومن معك، وأن أردت الفساد في الأرض فان الله يمهل ولا يهمل والأعمار بيد الله لا بيدك وهذا المصنع سيدافع عنه كل من يعمل فيه لأنه ملكهم ومصدر رزقهم الحلال وحسبنا الله ونعم الوكيل والسلام ختام)) بهذه الكلمات البسيطة في تركيبها والقوية في معناها وإيمانها المطلق بالله الذي بيده الأمر من قبل ومن بعد، ثم بثقته بأبنائه العاملين الذين فتح المصنع أمامهم فرصا للكسب الشريف الحلال رد عليه ولم يخضع للتهديد والابتزاز . ولأن الله يدافع عن أوليائه الصالحين الذين يتوكلون عليه حق التوكل فقد أعمى الله بصيرة هذا المفسد وتمادى في فساده ووصل به الحال أن يقتل ذات مرة بعض المسافرين الذين رفضوا إعطاءه أموالهم وعندها حرك القاضي عبد الرحمن الأرياني رئيس الجمهورية والذي كان متواجداً في تعز يومها حملة عسكرية إلى المنطقة اشتبكت معه وقتلته ورفاقه شر قتلة وكفى الله العباد شره وطهر البلاد منه. تذكرت هذا وأنا اقرأ مطالب خاطفي الولد (محمد منير احمد هائل) فقلت في نفسي ما أشبه الليلة بالبارحة، هذه الأسرة لن تخضع ولن تركع لغير الله وستلجأ إلى شعبها وناسها ومحبيها ولن تخضع للابتزاز اليوم وسترفضه كما رفضته بالأمس ولن يخيب الله ظنها به في حسن التوكل عليه، وفعلاً رأيناها التجأت إلى شعبها تحتمي وتستعين به بعد الله ورأينا كيف بادلها الناس الوفاء بالوفاء من ناحية، وتعبيراً عن رفضهم لهذه الظاهرة غير الإنسانية وغير الأخلاقية وغير الرجولية التي لا يقدم عليها سوى بعض الأنذال وعديمي الرجولة والمروءة والشرف. ومالا يعلمه الكثير من الناس أن هذه الأسرة الكريمة تعرضت كثيرا للابتزاز في مراحل مختلفة منذ العام 1938م وحتى اليوم كان أولها من قبل الاحتلال البريطاني بتهمة تمويلهم للأنشطة المعادية للوجود البريطاني في عدن ثم من قبل (الرفاق) أنفسهم بعد خروج بريطانيا منها عام 1967م بتهمة (الامبريالية والكمبرادورية) وهذه كان يرددها (الرفاق) من بعض المسئولين من أبناء (البدو والرّحل) بدون وعي ولا حتى فهم لمعناها اللهم لغرض الابتزاز. فتركوا لهم (الجمل بما حمل) كما يقول المثل وخرجوا إلى تعز واستعادوا نشاطهم التجاري مع العالم بأفضل مما كانوا عليه بسبب ثقة الشركات الأجنبية بهم من خلال تعاملهم في عدن. ثم خلال فترة ما سمي بترشيد الاستيراد في الشطر الشمالي يومها منذ العام 1984م إلى العام 1990م تعرضوا للكثير من المتاعب في الحصول على تراخيص الاستيراد للمواد الخام لمصانعهم فتجاوزوها بحكمة وروية ، وخلال رحلتهم المباركة في مسيرتهم التجارية والصناعية صمدوا وقاوموا الابتزاز بصبر وثبات وإيمان وانتصروا على من بغى عليهم وذلك وعد الله لعباده الصالحين بقوله ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا والذين اتقوا والذين هم محسنون)). رابط المقال على الفيس بوك