كانت القبيلة قد قطعت شوطاً لا بأس به في الوعي بمفاهيم التمدن بانخراط عناصرها في صفوف الثورة السلمية قبل ثلاثة أعوام لكن : من سيترك للقبيلة أن تنجز رغبتها في قطع الصلة بماضيها المثقل بالمساوئ وأن تفتح نوافذها على نسيم الحياة بعيداً عن صيحات الموت ولهفة الشوق الغريب لعناصرها للقضاء قتلاً أو نحرا تحت رمال الصحاري المخيفة ؟ في غضون أشهر قليلة استطاعت جماعة الحوثي أن تمحو كل ما علق في ذهن القبيلة من مفاهيم عن الحياة ,والحب ,والسلام والتآخي .. ما غرسته ساحة التغيير بصنعاء في رأس قبيلي ارحبي من ثقافة مغايرة لما نشأ عليها تنسفه دبابة وحش مران إذ تمارس الاستفزاز بالقبيلة ودهس سكينتها بشره مسفوح ! القبيلة اكبر مكون اجتماعي عرضة لعقاب التخلف بما ينتجه من مفاهيم لعينة عن الدين ,والصراعات ,والعرف ,والخصام .. لدى القبيلة من تشوه المفاهيم من يمكن اعتباره عقابا تاريخيا لها لانغلاقها على نفسها ولفظ كل عوارض التجديد والتحديث بوصفها سلسلة من المؤامرات التي يتحالف فيها الشيطان مع الخصم الأجنبي لإفساد حياة القبيلة , وفكفكت سلطتها القوية على أفرادها ومن ثم تركها عرضة لمختلف العوارض المستبيحة ! سيغدو من السخف إغفال القبيلة للاعتقاد بأن الشيطان يتحالف مع الحوثي في صورة أخرى لوأد سكينتها, وإفساد هدأتها , وضرب الحراب في نحر استقراراها . تاريخ القبيلة حافل بالتضحيات, ولا أحد سيندب ضحاياها ولا حظها في الموقع المحاذي لمضارب الوحش.. كل هذا الغبن الصاعد ناجم فقط عن كارثية الشعور بغياب الدولة عن مساحة الصراع وصمتها إزاء مجازر الوحش وجرائمه بحق القبيلة ! لا تتحرج القبيلة في ارحب وحرض وكتاف ومختلف مناطق الصراع من العمل لخلق تعبئة شاملة في صفوف مناصريها ,وإحداث حالة من الاستنفار بين قواعدها لتهيئة مناخات الموت باعتباره الشرف الأكثر إلحاحا عليها بعد اشهر طويلة من الهدوء الحذر .. تجزم القبيلة أنها تخوض ملحمة مصير, الوحش الذي يخصب الموت منذ سبع سنوات في شمال الشمال يريد أن يجهز على القبيلة ويجعل من جثث أبنائها سلما لمعانقة قصور صنعاء حيث الغاية المطلقة من كل هذه الشراسة وهذه الحروب وهذا الكم من جثث عناصره وعناصر القبيلة وحفنة المواطنين المحشورين عنوة على رؤوس النصال ! نعم, ليست القبيلة غاية الوحش الاسمى, هي من منظور حدسه الرث مشروع حربة في مواجهة مد مسيرة فتوحاته التي تبتلع الجغرافيا والجماجم كما يبتلع حيوان بري طعامه. على أنه من المهم أن نشير هنا إلى انعدام الخشية من مطامح الوحش الجامحة لدى القبيلة ولدى معظم اليمنيين لو لم تكن وسيلته المدفعية الثقيلة وحصيلة مسيرته حتى اللحظة كومة جثث متعفنة وماسي دمار مادي ومعنوي رهيب! ثمة صورة تتمايز مع ما يخالها الوحش انتصارات متوالية على جبهات القتال, صورة تلخص مشهدا مفخخاً بسقوط القيم ومواراتها رمال الصحاري إلى جانب الجماجم المتساقطة من أعناق المحشورين على خطوط اللهب ! باستثناء تآكل المزيد من صورته كإنسان وإنسان فقط لم يعد لدى الوحش من شيء سيخسره بعدما خسر الناس والقبيلة والوطن, ولذا يبدو من الصعب ترويض وحش يعتقد في قرارة إعماقه انه خرج نهائياً من معادلة الكسب. وفقاً لأقل التصورات مأساوية فإن حرب الوحش والقبيلة لن تفرز ما هو افظع من الذي هو حاصل الآن, قد يعد هذا التصور بمثابة مبدأ هشاً لمخيال شعبي يحاذر الماّل الفنائي لأحد طرفي الحرب ؛ بيد أن الوطني الحقيقي هو من يجزم بأن انتهاء الصراع عند بتر ذيل القبيلة أو قطع رأس الوحش يمثل انتكاسة مؤلمة للتعايش الإنساني وخسارة فادحة للوطن !