تمر الأيام والسنون مر السحاب.. وما الأعمار إلا دقائق وثوانٍ.. فعمر الأوطان لا يقاس إلا بإنجاز ما يقدمه الشرفاء والعظماء من مآثر عظيمة.. ومنجزاتٍ خالدة.. ومكاسب سياسية ووطنية لا تجارى ولا تبارى، ولكن وراء كل منجزات خالدة متآمرون حاقدون.. إنها سنة من سنن الحياة الحافلة بقوى الخير وقوى الشر.. فالصراع أزلي سرمدي بينهما.. منذ أن خلق سيدنا آدم عليه السلام.. فالحركة الكونية تدور بين محوري الثابت والمتحول.. وحركة الحياة تدور بين محوري البقاء والفناء. ولذلك فالذين لم يستوعبوا تلك الدورات الكونية والحياتية في هذا الوجود الشاسع الواسع هم أكفاء في الدنيا.. وفي الآخرة أضل سبيلاً.. فالجزاء من جنس العمل.. فالذين مازالوا في غيهم وعنادهم وعتوهم وفسادهم فليتأملوا ويتدبّروا قوله تعإلى: «وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوعِ والخوفِ بما كانوا يصنعون».. سورة النحل- الآية: «111». علينا أن ندرك أن شمس الماضي لن تعود.. وأن ضوء الشمس مهما كان ساطعاً وقوياً لابد له من لحظة كسوف كلي.. لأن حركة الكون في دورانٍ مستمرٍ إلى أن يشاء الله.. لذا على الذين يفكرون بعقلانية الماضي أن يثوبوا إلى رشدهم.. وأن يدركوا أن دورة الحياة من المستحيل أن تعود إلى الوراء.. فزمن سَوق الشعوب إلى المراعي كقطعان الماشية قد ولّى ورحل إلى الأبد.. فهل يستوي رجلان مصداقاً لقوله تعالى: «وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم».. سورة النحل- الآية «57».. فعلى الذين فاتهم قطار الحياة الناعمة، والأيام الخوالي، وسويعات الاستمراء والاسترخاء على الفُرش المخملية الغضة.. وتناسوا أو تجاهلوا أن :«للأوطان في دم كل حر.. يد سلفت ودين مستحق».. إنه حب «الأناء».. والشر السياسي.. والجوع السلطوي القاتل الذي لا يفكر إلا في إشباع نزواتهم وشهواتهم.. وغرائزهم البهيمية حتى لو أدى الأمر إلى بيع أوطانهم وشعوبهم على مرأى ومسمع من العالم من أجل اعتلاء كرسي العرش.. إنهم أناس في قلوبهم مرض السلطة.. يتعلّقون بأوهام الماضي.. وأحلامه الوردية، وسويعاته البضة.. يحنون إلى مخادعهم الناعمة.. وأرائكهم الوثيرة.. وأحاديثهم المعسولة.. حتى تمادوا في غيهم وعتوهم وفسادهم، وتناسوا في زخم إسرافهم وترفهم أن الله يملي لهم ليزدادوا إثماً وظلماً وجوراً.. حتى إذا أخذهم أخذ عزيز مقتدر.. هكذا ناموس الحياة الأزلي.. وجدلية الكون التي تسير وفق إرادة الله العلي القدير.. مصداقاً لقوله تعالى:«ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار».. سورة إبراهيم- الآية «14». فالصراع بين قوى الحق وقوى الشر أزلي سرمدي إلى أن يشاء الله.. ولذا عليهم أن يدركوا أن الحقائق لا تموت بموت نهارهم.. أو بموت ليلهم ولا بإشعال فتنهم وجرائمهم أو أزماتهم.. وان لكل نهارٍ شمساً.. وان لكل ليلٍ قمراً.. فلا داعي للمكابرة والعناد وأنتم تعلمون علم اليقين سوف تُسألون عما كنتم تعملون آجلاً أم عاجلاً.. فأفيقوا من سباتكم العميق قبل فوات الأوان.. واعلموا أن الحياة دقائق وثوانٍ.. وما فات من أعمارنا وحياتنا وشبابنا وصحتنا لن يعود أبداً.. وقفات رومانسية مع شاعر اليمن الكبير لطفي جعفر أمان: أخي.. كبّر الفجر في أرضنا.. وأجلى الزمان لنا يومنا.. أخي.. بشّر النور أنا التقينا.. وقد وحّد الحق ما بيننا.. فقل للزمان: حصدنا الحياة.. بيومٍ يغنّي بأعيادنا.. أخي.. جمع الحب في المجد شعباً.. توحّد قلباً.. فأنت أنا..