لم يعد الكثير داخل أو خارج الوطن يدرك سببا مقنعا لهذا التعنت العجيب والمريب الذي يبديه المشترك وحلفائه أمام تنازلات لم يكونوا من قبل شهور معدودة يحلموا بها , هل هي المرونة الزائدة التي أبداها الأخ الرئيس تجاه خصومة حقنا للدماء والوقوع في شراك الفتنة ؟!...أم هي أملاءات خارجية وبالأخص إقليمية تدفع بالمشترك إلى هذا التصعيد الخطير ورفض كل المبادرات التوفيقية لانتقال السلطة في البلد بشكل سلمي وسلس ؟ أم هو العناد من اجل العناد وتصفية الحسابات القديمة حتى وان أدى ذلك إلى تدمير البلاد بمن عليها من عباد ؟!! النقاط الخمس التي طرحها المشترك سابقا لحل الأزمة السياسية وإيقاف التهييج والتثوير الحزبي في ميادين الاعتصام لم أكن أتوقع أن يوافق الأخ الرئيس عليها خاصة وهي تخالف الشرعية الدستورية ومدة الفترة الرئاسية المتبقية لفخامتة وهي الفترة الممتدة حتى العام 2013م , ولكنه الغرور والتمسك بسيناريو المحرضين التصعيدي بهدف الانقلاب على الشرعية الدستورية انتظارا لما ستفضي إليه الاعتصامات العبثية التي ابتكرها دعاة الانقسام والتمزق والفتنة بعد ان سحب البساط من تحت أقدام شباب التغيير الحقيقيين , والذين يحلمون بغد أفضل لهم ولوطنهم بعيدا عن الاستغلال الحزبي والانقلاب الفاضح على القانون والدستور الذي تمارسه أحزاب المشترك في ميادين الاعتصام تحت شعارات ومسميات مضللة ووفق أكذوبة بل وأضحوكة الشرعية الثورية في بلد ديمقراطي تعددي حتى وان طغت مظاهر الفردية والاستبداد الفردي من قبل ممارسات بعض الافراد المحسوبين على السلطة والمعارضة معا . هذه المبادرة أو النقاط التي وضعها المشترك وحملها الشيخ الزنداني ورفقائه من دعاة وعلماء حزب الإصلاح إلى الأخ الرئيس كوسطاء بين الطرفين وافق عليها فخامة الرئيس قبل أسابيع ولم تلاق أي رد فعل ايجابي من الطرف الآخر كعادة تصعيديه كما أسلفنا ساروا عليها منذ شهور بحجة عجيبة لم تتغير ولم تتبدل فكلما قدمت مبادرة للخروج من الأزمة والاحتقان والجلوس على طاولة الحوار جاء الرد سريعا وبعد دقائق معدودة : " لقد فات الوقت وهذه المبادرة لم تعد صالحة وننتظر المزيد وبالأحرى نهاية الفلم وهو الرحيل وترك الجمل بما حمل وهي بالضبط النقاط القطرية الأخيرة التي يتمسك بها المشترك ويضفي عليها مسمى المبادرة الخليجية الأولى !! " * و للتذكير فقط : الشيخ الزنداني ورفاقه من علماء ودعاة حزب الإصلاح الأفاضل وتحت التأثر الحزبي والضغوط التنظيمية لحركة الإخوان المسلمين تحولوا بين ليلة وضحاها من طرف الوسيط المصلح أو المحايد إلى طرف الخصم المنحاز بل والمشجع والداعم للاعتصامات والمظاهرات التي وصفوها بالعمل التعبدي والجهاد الأكبر على طريق الفتح الإسلامي المبين وكأننا في العاصمة الأفغانية كابول وليس في عاصمة الإيمان والحكمة صنعاء , بل وكأن " المجاهدين الجدد " مع احترامي للكثير من الشباب المعتصمين مدعوون لبذل الغالي والنفيس و الدماء الزكية المحرمة كما دعي المجاهدين العرب قبل ثلاثة عقود لإسقاط نظام " نجيب الله " باعتباره خائن وعميل لقوى الاستكبار والاستعمار الروسي مع الفرق الشاسع في الزمان والمكان والقضية فالجهاد الأفغاني آنذاك كان مشروعا ومبررا انتصر فيه الأفغان على الروس وسقط بالفعل نظام نجيب الله لان القضية الأفغانية آنذاك كانت مشروعة وكانت دعوات الجهاد مبررة ومنطقية , ولكن هذا النصر تحول إلى هزيمة بعد أن تفرق المجاهدون ووقعوا في مستنقع الصراع على السلطة ما هيئ لاحتلال بلادهم من جديد ليصعد كرازاي بديلا لنجيب الله لمرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وصعود النجم الأمريكي كقطب أوحد . لقد وصل الغرور بالبعض في بلادنا بالنظر إلى تقييمه للوضع وقرب أو استبعاد سقوط النظام من خلال قراءة وسماع " بيانات " الجزيرة " المغرضة , و" أكاذيب " سهيل الحزبية ونشرة التاسعة مساء التي تقدمها فضائية اليمن الرسمية من خلال التركيز على ملامح الأخ الرئيس ونبرة حديثة ومقاطع وجهه , فان كان مكشرا " ضابح " تصاعدت التحليلات بقرب السقوط والرحيل خلال ساعات , وان كان غير ذلك تبدأ الدعوات بجمعة الرحيل وجمعة الإنذار وجمعة الزحف إلى غرف النوم وجمعة الوداع وهكذا.... !!! يا إخواننا في الدين وفي العقيدة وفي تراب هذا الوطن العظيم والحزين في آن واحد أليس الرجوع إلى الحق فضيلة ؟ .. جربنا المظاهرات والاعتصامات وحققنا المنجز الأكبر من كل ذلك وهو اقتناع السلطة والمعارضة والحاكم والمحكوم بضرورة بل وبحتمية التغيير واقتلاع الفساد والإفساد من جذوره , بالتالي لماذا يريد هذا البعض حرف المسار وشخصنه القضية وكأن رحيل الأخ الرئيس سيحل كل المشاكل وسيتحقق بين ليله وضحاها ذلك التغيير الذي ينشده الشعب قاطبة !! ...... الاستقواء بالخارج لن يجدي , ومبادرات هذا الخارج أو تدخلاته لن تنفع وقد جرب كثيرا وفشل , وفي المقابل وساطة الأشقاء من دول الجزيرة والخليج العربي المرحب بها شعبيا باستثناء دويلة قطر العدوانية لن تخرج برؤى توافقية ما لم نجلس سويا كسلطة ومعارضة على طاولة الحوار الوطني الجاد بعد أن نخلع عن أجسادنا وعقولنا براثن المصلحة والمنفعة والطائفة والمذهب والحزب والمنطقة ونلبس ثوب وطني خالص ... مصداقا لقولة تعالى (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ... ووالله ثم والله لو حدث ذلك بصدق وإخلاص وشعور وطني حقيقي لخرجنا من أول جلسة بحلول موضوعية تقبل بها جميع الأطراف ويقبل بها الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه , فما بني على المنطق والحق سيثمر قطعا الحق والتغيير الحقيقي , وفي المقابل ما بني على باطل و أحقاد وخصومات وعصبيات لن يقود سوى إلى الباطل والمجهول والفراغ والفتنة الكبرى وهذه بديهية حياتية وسنن كونية خلقت مع الإنسان كفطرة أزلية لا تتغير بتغير الزمان أو المكان .