تتبدّى النوايا تباعاً، وتتكشّف الوجوه عن غايات متناهية الوضاعة، متناهية الانحلال الوطني والأخلاقي، وحدها الأيام كانت كفيلة بتجريدها وهميات الشعارات الزائفة وادعاءات الحرص الثوري إياه..!!. تختزل حادثة قناة «الساحات» مثلاً حكاية التوغُّل الصريح واللعب السافر بالشأن اليمني، وتعرّي في الوقت ذاته هواة التمظهر واقتناص الفرص السانحة ممن تروق لهم مسألة التمسُّح باليسار لأداء مهمّات ثأرية انتقامية بعيدة كل البعد عن المشروع الوطني لليسار. على أن التواري خلف ضوئية القيم والمبادئ الوطنية النبيلة لحزب سياسي عريق بعراقة الاشتراكي لا يبدّد إطلاقاً ظلامية الجماعة التي يروّج لها هؤلاء، ولا يلغي فلسفتها المرتكزة على التجهيل والعنف والاستعباد مهما كان حجم التمادي في استهلاك مدنية الاشتراكي لتلميع نازية هكذا مشاريع طائفية أو هكذا مكاسب ظهور بخسة الثمن انطلاقاً من أن “ما لفظه الماضي لا يمكن أن يكون صالحاً للمستقبل”. جوهر القضية يتمحور حول مدى أهمية الحفاظ على سمعة اليسار النظيفة وتاريخه النضالي والوحدوي الطويل في منأى عن توظيفات قوى الصراع ونزقيات المتسلّقين على ظهره، ليس حرصاً على اليسار وحسب بل حرص على القيمة المدنية والحضارية التي يمثّلها اليسار بالنسبة لبلد مكتظ بالعصبويات القبلية والمذهبية، ومفتوحة على كل احتمالات التدخُّلات الإقليمية، وهي في رأيي مسؤولية كل يساري على وجه الخصوص وكل وطني على وجه العموم. نريد لليسار فكراً ومشروعاً أن يكون منصّة انطلاق إلى الغد الذي يتطلّع الشعب إليه، لا مطية لجحافل وصنميات الماضي، نريد له أن يكون رهاناً رابحاً لدولة حقيقية ضامنة لحقوق وحريات الجميع دون استثناء، لا مجرد أداة لجس نبض قبول الشارع من عدمه لهذا المشروع أو ذاك، نريد منه أن يتنفّس برئة الطموح الجمعي والمأمول العام، لا أن تتنفّسه رئة سيد أو شيخ أو زعيم..!!. عليه بصورة عاجلة أن يوقف فوضوية الاحتساب عليه والارتماء في غيره، أن يكبح لجام هذه الانتهازية المستشرية التي تستغل فضاء الحرية التي تحكمه في مقابل تضخُّم مشاريع رجعية مجرّبة، خطوة كهذه لا تتناقض مع شمولية الاشتراكي ومنطلقاته التقدُّمية؛ لكنها متطلبات الحفاظ على ثبات المسار في الاتجاه الصحيح.