لا يختلف اثنان على التغيُّر الملحوظ في شوارع صنعاء، لا يذهب بكم الخيال بعيداً؛ فليس تغيُّراً جيداً على كل حال، التغيُّر الذي أقصده ليس في زيادة قذارة هذه المدينة حيث النفايات وروائحها التي تزكم الأنوف؛ فهذه المدينة عرفت النظافة فقط في عهد أمين العاصمة أحمد الكحلاني، أما ما قبله وما بعده فتلك المدينة لا تنفع للسكن الآدمي، حيث لا أمان ولا نظافة ولا ماء، وطبعاً لا كهرباء وهذه الأخيرة لها «حزاوي» كتلك التي تحكيها الجدّات..!!. الجديد في الأمر هو استيلاء بعض المسؤولين والمشائخ على مساحات واسعة من الشوارع العامة التي تقع فيها منازلهم؛ وهذا من سوء حظ جيرانهم وسكان الشارع والمارّين فيه، حيث الخرسانات والمطبّات والمرافقين بأسلحتهم ومناظرهم المستفزّة. البعض من المشائخ تحديداً استولوا على مناطق بأكملها وكأننا عندما ندخل تلك المنطقة كأنما ندخل ممتلكات للشيخ فلان أو الشيخ علان، المصيبة الكبرى هي أن مرافقي بعض المشائخ صاروا يتصرّفون مع المواطنين الساكنين في تلك المنطقة بطريقة غريبة وبلطجة مخيفة؛ قتل واعتداء وسرقة من المحلات بقوة السلاح، وزج من يتدخّل لدرء مصيبة قادمة منهم في السجون، بل التلاعب بالتحقيقات وتهديد الشهود، أفعال وتصرُّفات لا تتفق مع المطالبة بالدولة المدنية التي طالب بها مشائخهم أثناء ثورة الشباب السلمية. يتجوّل أولئك المطالبون بالدولة المدنية بمواكب مخيفة تسابق الرياح في شوارع لا تجوز فيها السرعة نظراً لوجود مدارس ومنشآت، سيارات معاكسة تحيط بها سيارات محمّلة بالمسلّحين؛ وذلك تحت ذريعة أن الشيخ مستهدف. كل المشائخ مستهدفون، والوزراء والمسؤولون مستهدفون؛ ولكن الواقع أن الوطن بأكمله مستهدف، الضابط والجندي مستهدفان؛ تشرب دماءهما الأرض بشكل مفزع شبه يومي، عندما يأتي الموت لا تعيقه المواكب المسلّحة ولا تستطيع السيارات المعاكسة بسرعتها الرهيبة الهروب منه. احتلّوا الشوارع والأحياء وأزعجوا وهدّدوا الناس؛ فقط لأنهم مستهدفون، ولكن لماذا هم مستهدفون، هل لأنهم طالبوا بالدولة المدنية وهم لا يستطيعون العيش فيها..؟!. لماذا لا يحقّقون في الجرائم التي يرتكبها مرافقوهم ضد الناس الذين لا حول لهم ولا قوة؛ بل لا يردوّن على الناس الذين يلاحقون الشيخ لحل مشكلة ابن أو أخ أو أب زجّ به في السجن ظلماً وبطريقة عبثية وهمجية..؟!. انتهى الأمر وانقسمت المدينة بين المسؤولين والمشائخ، ولم يبق للمواطن العادي فيها سوى التأقلم والتعايش والرضا بالمستعمرات الجديدة، والخضوع والخنوع للمستعمرين الجدد بسطوتهم وقوّتهم وجبروتهم. هكذا أمست صنعاء لا مكان فيها سوى للفاسدين والعابثين والجهلة من المشائخ وغيرهم من المسؤولين والأفّاقين من المتاجرين بالدين، حملة الشعارات الزائفة، العاصين لله والعاقين للوطن. [email protected]