إن الخطاب الديني المتعدد في مجتمعنا قد احدث تبايناً واضطراباً في الساحة، وأصبح المتلقي يعيش حالة من الشد والجذب بين هذه الجماعة وتلك، غير قادر على الفرز أو النقد خوفاً من ردة الفعل وما يترتب عليها من سلوكيات قد تصل إلى حد التهديد بالقتل. متناقضات الخطاب المتعدد والمتنوع في الطرح والتفاعل الاجتماعي والشراكة السياسية التي أخذت تتبادل المواقع والأدوار، الإشكالية الناتجة عن هذا الصراع تتسبب في تعميق الخلافات وتصدرها القائمة الاجتماعية، نظراً لتعدد وتطور المصالح المرتبطة بكل طرف من تلك الأطراف وأهمية وفاعلية تأثيره في العلاقات والمصالح الكبرى. مازال الخطاب الديني في مجتمعنا يعاني حالة من التشظي بين مجاميع ومدارس ومرجعيات صارت تكتنز التنافر والتضاد الفكري ، أكثر من اختزالها للتوافق والالتقاء عند المتفق عليه ، وتجاوز المختلف فيه سعياً إلى تقريب وجهات نظر المرجعيات والمتلقين معاً. الأمر الذي يسهم إلى حد كبير في عدم قدرة المجتمع على بلورة خطاب إسلامي وسطي يتفق عليه الجميع، وتسهم في تغذيته وتجديده وتطويره كل المدارس الفكرية والفقهية في مجتمعنا. ثمة ما يساعدنا على تحقيق هذا المنجز الاجتماعي والديني يتمثل في توحيد الإطار الذي يجمع علماءنا بحيث تصبح تلك المكونات المتعددة في مكون واحد، بمعنى توحيد صف العلماء أنفسهم والذي مازال يتوزع بين جمعية العلماء وهيئة العلماء وربما وجدت مسميات أخرى تتوزعهم. علماً بأن كل فصيل قد نسب جموعه وأتباعه في هذا المكون أو ذاك ، استباقا لأي ظرف قد يتطلب الحشد والمناصرة، في وقت لم يتم فيه استيعاب شخصيات أكاديمية متخصصة في هذا الفرع أو ذاك، لتساعد في إنضاج وبلورة الخطاب الإسلامي الوسطي المعتدل القابل للتشكل في الوعي والسلوك الاجتماعي. الصراع الحزبي والتسابق بين الجماعات والتوجهات كل يريد السيطرة وإقصاء الآخر وتمرير الخطاب الديني الذي يحلو له ويخدم مصالحه والمصالح التي يرتبط بها في الداخل و الخارج، كل طرف همه الأكبر هو دعم مواقفه وسلطته وسطوة جماعته. حالة التأزم التي يعيشها الخطاب الديني في مجتمعنا تحتاج إلى توحيد المكون الذي يضم العلماء، لأن ذلك سيحقق توحيد المرجعية، من ثمة تأصيل الخطاب الذي سيكون إفرازا طبيعيا لهذا المكون الذي سيسهم الحوار الوسطي الجاد والهادئ بين أعضائه إلى بلورة خطاب إسلامي أكثر نضجاً وصحة وقوة وتأثيراً. دعونا نوحد كيانات العلماء التي توزعتهم وجعلتهم شيعاً وأحزابا، وكان يفترض بهم أن يبقوا فوق هذه المسميات وخارج تلك الدوائر الضيقة التي سعت للتأثير عليهم وسلبهم قوة وقدرة الرأي الذي هو رأس مالهم وعلامة جودتهم. [email protected]