ما حدث بالباكستان في أبريل 1974 لم يكن أعمال شغب عابرة بين جماعة الإسلام السلفية الوهابية والجماعة الإسلامية الأحمدية من التيار السنّي الوسطي، لقد كان إبريلاً كارثياً بأكثر مما تعنيه الكلمة. كان الإعلان الذي انبثق عن المؤتمر السنوي لرابطة العالم الإسلامي الذي انعقد حينها في مكةالمكرمة فتوى سياسية بامتياز، شارك في المؤتمر 140وفداً، ممثّلين عن الدول الإسلامية، وخرجت الفتوى الكارثة بجلبابها السلفي المتزمّت لتستبيح دماء الأحمدية حتى آخر قطرة دم في حرب دينية معلنة. كانت الباكستان - وربما مازالت - مزرعة خصبة للفكر السلفي القادم من أرض الحرمين، على أن هذا القادم لم يكن ليرتقي بأي حال إلى وصفه فكراً. وقبل صدور الفتوى الكارثة لابد من التعريج أولاً وبشكل خاطف على الجماعة الأحمدية التي انعقد المؤتمر لإبادتها عن بكرة أبيها. المؤسّس ميرزا غلام أحمد الذي أعلن عن جماعته 1889بصفته المسيح الموعود والمهدي المنتظر وقد تم حظر هذه دستورياً. تؤمن الأحمدية بأركان الإسلام وأركان الإيمان التي تمثّل أصول الدين الإسلامي، وتعتبر نفسها حركة إسلامية تجديدية مهمّتها الأساسية هي إزالة الغبار الذي تراكم عبر قرون على جوهر الدين الإسلامي، وأفعالها على أرض الواقع لا تذهب بعيداً عن هذه المهمّة. ففي حين تقدّم الجماعة تفسيراً عقلانياً للقرآن الكريم وتعمل على نشره عالمياً بكل اللغات الكونية وقد ترجمته حتى الآن إلى ما يزيد عن 54 لغة؛ تؤمن الجماعة بأن كثيراً من الأحداث والتفسيرات التي مثّلت خلال أكثر من عشرة قرون مسلّمات لا جدال فيها في مورثات الذهنية الإسلامية، طالها الكثير من التشوّه والأسطرة التراثية تلبية لحاجات سياسية ودينية في فترات تاريخية ملتبسة. ولم يأتِ مؤسس الجماعة بجديد فيما يخص أصول الإسلام المتفق عليها لدى كل الطوائف والجماعات والمذاهب والفرق الإسلامية التي تعدّدت وتفرّعت من النقطة الإسلامية الأصلية والصحيحة، ناهيك عن تلك الجماعات التي تدّعي إسلاميتها وتمثيلها جوهر الدين وهي لا تمت إليه بربع صلة..!!. الجماعة الأحمدية دفعت ثمن تحرُّرها من البوتقة الفلكلورية للإسلام الذي هو الديانة السماوية الخاتمة للبشرية جمعاء، وليس في ما قدّمته من تجديدات في إطار الفكر الديني ما يستدعي إصدار فتاوى وتكفير واستباحة لأفراد الجماعة وقياداتها الذين قُتلوا بالآلاف في لاهور ومدن الباكستان بعد أن تحوّلت فتوى مؤتمر مكة إلى قرارات سياسية سارية المفعول ومن اليوم الأول بعد إعلان الفتوى القاتلة. هُدمت مساجدهم وأحرقت بيوتهم بمن فيها، ومارست جماعة الإسلام التي هي بذرة تنظيم «القاعدة» الوهابي السلفي ضد الأحمديين وبمباركة السلطة السياسية لإسلام أباد وفتاوى الفقهاء المدجنين وأجهزة الأمن الباكستانية وبتمويل عربي سخي ومباشر. قُتل الآلاف من الأحمديين، واعتقل الآلاف ورُجم علماؤهم وسُحلوا في الشوارع كما يكشف عن تفاصيل هذه المأساة الكاتب الأردي مستنصر حسين تارار في روايته «الرماد». ذلك شيء وتحوّل الفتوى القاتلة إلى قرارات سياسية ومواد وتعديلات دستورية ومراسيم رئاسية ولحى انتحارية، وضع الأحمديين تحت طائلة أبشع عنف ديني وقمع سياسي وتمييز عنصري وطائفي ممنهج شيء آخر. لقد تم إلحاق بند رسمي في هيئة الجوازات والأحوال المدنية الباكستانية فيما يخص الديانة: «مسلم» التي لا يجوز لمسلم أياً كان أن يحصل عليها كهوية دينية في البطاقة أو الجواز إلا بعد أن يقسم ويبصم بكفرية الجماعة الأحمدية وهرطقتها ويسب مؤسّسها ويبصق على صورته. بشاعة المشهد تستدعي مقالاً قادماً، إن شاء ربي.