لم نحسّ برمضان بعد حتى وجدنا أنفسنا في خواتمه، الأيام سريعة، ورمضان أسرع كأن شفافيته تُدنيه من النور وتُبعده عن الكثافة الطينية التي نعيشها. «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» وهي ميزة تجعله شهراً آخر ولياليه من نور، إنه بوابة السماء الزمانية، فيه بركة، و«ليلة القدر خير من ألف شهر» هنا تتكثّف الأيام بليلة كلّها خير وكلّها نور؛ حتى لكأنها تعدل ألف شهر ليس كشهورنا العادية وإنما شهور نورانية خالصة مفتوحة من القلب إلى السماء، محفوفة بالروح والملائكة. لم نكمل أنشودة «مرحّب، مرحّب يا رمضان» حتى وجدنا أنفسنا نغنّي بحزن: «مودّع، مودّع، يا رمضان» وبين الترحيب والتوديع قصّة حياة وأسرار وجود للإنسان الغريب العجيب الذي يملك جسماً صغيراً، وفيه روح يزن الكون وتأمُّل يسع الكون ومسؤولية أبت السموات والأرض أن تتحمّلها. في شهر رمضان وليلة القدر فُرص ربانية ونور مشاع يتسابق عليه المؤمنون الذين امتلأت قلوبهم بحب الله والتطلُّع إلى الخلود والرغبة في الخروج من دنيا الزوال بربح مضاعف وآثام مغفورة وخواتم حسنة، وكأن هذا الزمن الرمضاني فرصة تعوّضنا عن العنف الذي يسيطر علينا والآثام التي تعادي الحب وتصادق الكراهية, هدية تقول: «كم ربنا رحيم وعطوف، تجد عطفه في كل تفاصيل حياتك، وهاهي الفرص المتاحة في رمضان يعطيك حياة مضاعفة». «ليلة القدر خير من ألف شهر» كان الناس زمان يضعون القصص الأسطورية عن «ليلة القدر» على قدر عقولهم ونيّاتهم، وكان البعض يصفها بنافذة نور تشبه نافذة الشمس تدخل إلى البيت تجري وتنتقل في الزاويا والغُرف، والسعيد من يوفّق في الدعاء، وكان الأطفال أكثر تعلّقاً بهذه القصة ومتابعة ليلة القدر، بعضهم كان يخترع قصصاً أو يتوهّم أنها دخلت بيتهم، وكيف تعامل معها. الأسطورة الشعبية تعبيرية عن نزول الرحمة على الناس في أي وقت، وعلى الاستعداد لاستغلال الفرص؛ لأن غير الموفّق كان يُقال إنه يُعجم ولا يعرف كيف يتحدّث أو يدعو، أو يدعو على نفسه, المهم أن الأسطورة كانت على هيئة نور، والحياة الأخرى هي النور، النور الذي نهرب إليه من عتمة الظلمة. هذا الإنسان مجبول على الخوف من الظلام وكثافة الطين إلى النور وشفافية الضوء، وهي أحاسيس تعبّر عن علاقتنا بالروح الأزلية نفخة الله التي جعلت من الإنسان مسؤولاً عن شرّه وخيره محاسباً عن أعماله؛ مكرّماً ولديه رسالة تراقبها السماء وتصفّق لها الملائكة. وكان «الإنسان ظلوماً جهولا» يتصرّف مع النور بلغة الطين، ويتصرّف بفرصه على قاعدة الغفلة، يرتكب الجرائم والموبقات، ويستمر في مسلسل الظلم وممارسة أبشع الجرائم التي تمثّل استباحة لدماء الناس. لا أدري كيف يمارس البعض مشروع القتل وهو يرفع عنوان السماء والادعاء بالإسلام؛ يقتل ويجهّز للقتل دون أن تهتز له شعرة ثم يقول إنه بوابة السماء وعنوان الإسلام، مع أن الرسول الكريم يقول: «لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم أمريءٍ مسلم» هناك فهم مغلوط عن الإسلام يجعل الإنسان متناقضاً جهولاً كفوراً؛ فينغمس في الدماء ويعتكف بالمسجد، يأكل الحرام ويدعو بالرحمة، إنها عنوان الغفلة وعلامة الخذلان..!!. [email protected]