رغم مرارة الخذلان العربي, والصمت المشين لشعوب شغلتها اليوم حروب المصلحة, والعمالة, والالتفاف على الثورات, تبقى غزة هي بصيص الأمل الوحيد, ودرس الشرف, والبطولة, برغم تآمر, وخذلان الأخوة, المنشغلين بحروب السلطة, وماراثونات سقوط الأقنعة. على أضواء القصف, و قنديل انطفأ لاحقاً بعد نفاد الزيت جلسوا جوارها يودّعون آخر أنفاس ضوء قنديلهم الجائع مثلهم, ليحاصرهم بعدهُ الخوف, والظلام, الذي تكسرهُ بين الفينة والأخرى ألسنة النار المشتعلة في الحي.. تحجرت أعينهم, وخوفاً يرتعدون بفعل طلعات القصف المستمرة منذ ما يقارب الأسبوعين، التفوا حول ذاك القنديل المنطفئ يحتضنون أمهم المذعورة، تحت سلالم الدرج, يأملون منها أن تلتمس لهم نوراً.. لكن لا نور هناك، فقد نفد الزيت ولم يعد هناك شيء منه في السوق؛ بفعل الحصار الخانق لم يتمكنوا من النوم منذ بدء العدوان الغاشم.. كانوا متعبين وأصوات الانفجارات تطرد النعاس, وتباشير أحلام السلام من أعينهم، وعيون أمهم التي لم يكن في حسبانها ،إنها وصغارها على موعد مع نوم أبدي في تلك الليلة المباركة.. ليلة استشهادهم, عائلة أبو جامع، وغيرها كثير من العائلات، كانوا وكامل أفراد عائلتهم في موعد للقاء الرحمن، لقاء الراحة الأبدية, لقاء من أحب لقاءهم، فأخذهم إليه لينهي عذاباتهم المستمرة, من خنوع, وذل أُمة كانت يوماً ما تجيّش الجيوش وتسيّرها حتى آخر الدنيا لصرخة إمرأة (وامعتصماه). ترتكب إسرائيل اليوم وبأريحية تامة, وكعادتها الجبانة حين تشعر بمرارة الهزيمة, أمام عظمة المقاومة, مجازر إبادة جماعية بحق أبرياء القطاع المحاصر من نساء, وأطفال, في محاولة منها للضغط على المقاومة, للقبول بمبادرة معدة مسبقاً بمطابخ العدو, والنيل منها, لكن هيهات, فالمقاومة هناك وبرغم وجع الفقد المؤلم, والحصار, والخسائر الفادحة في الأرواح, والدماء مازالت ونيابة عن كل العرب, والصمت يقاومون وبشراسة ليعلّمون العدو, ومن قبله الإخوة المتخاذلون دروس النصر, والتضحية, ويبلسمون جراحات غزة, وأمة بأكملها مثخنة بجراح الخيبة, والانقسام, بخبر أسر الجندي الصهيوني لتعلو زغاريد النصر القطاع, ولتعتلي محيا أسر الشهداء ابتسامات فخر, وارتياح بأن التضحية كان لها ثمن يستحق, وهو تمريغ وجه الكيان الصهيوني المغتصب في تراب عار الهزيمة, الانكسار, تحت أقدام المقاومة الباسلة, رغم التفوق العسكري, والدعم الأمريكي, والعربي المبارك لذلك العدوان للأسف كما يظهر في قنوات إعلامية تابعة لخريف السقوط. إن الموقف العربي الرسمي, والشعبي اليوم من العدوان يكشف وللأسف حقيقة المؤامرة التي تعيشها ثورات المنطقة, ومائلات تلك المؤامرة على الشعوب العربية كافة, وعلى قضية كل العرب, القضية الفلسطينية بشكل خاص. فلا مجال حقيقة للمقارنة بين شرف الموقف العربي, والمصري بشكل خاص في عدوان 2012م في عهد حكومات الثورات العربية, و الموقف العربي الرسمي, والشعبي اليوم, من العدوان على غزة في عهد الالتفاف على الثورات, لكن وبرغم كل هذا الوجع, والتيه الذي يعيشه جسد الأمة العربية المثخن بجراح الفرُقة, والتشرذم تبقى غزة, هي بصيص الأمل الوحيد المتبقى لهذه الأمة, وهي وحدها وسام الشرف, والعزة, والفخر, بين كل هذا الغثاء..فيارب كن معهم, وأحفظهم, وسدد رميتهم, وانصرهم ،إنك القادر على كل شيء !!