من يتأمل في مقاصد تصرفات الرسول في الزكاة يجد أنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الزكاة ولا قام بتوزيعها، وإنما كانت تصرفاته على النحو التالي: 1 - في الجانب النظري (قال لمعاذ) لما أرسله إلى اليمن [تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم]. 2 - على الجانب التطبيقي نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل السفراء الذين أرسلهم إلى الأقاليم فقط [مشرفين ] والذي كان يقوم بجمع الزكاة هم وجهاء القبائل ويتم توزيعها على الفقراء وسفراء الرسول يشرفون . والدليل على هذا: 1 - في كتب السنة أن أهل اليمن بعد ما تم توزيع الزكاة وبقي فائض سيتم إرساله إلى الدولة المركزية – المدينة – فقال لهم معاذ بن جبل: أرى أن أهل المدينة بحاجة إلى خميص أو لبيس – ملابس جاهزة أو ثياب منسوجة غير جاهزة للباس، ولأن اليمن كانت يومها كلها مصانع للغزل والنسيج، قال معاذ: خذوا هذا الفائض من الحبوب وأعطوني ما يعادله [ملابس] ففعلوا وأرسلت الملابس إلى المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا التصرف. 2 - وفي قصة أخرى أن إحدى القبائل فعلت نفس الفعل لكن وجهاء القبيلة رفضوا تسليم الفائض إلى المدينة أيام خلافة الصديق واحتجوا بأمور منها أن منطقتهم معرضة للكوارث وسيحتفظون بالفائض لمواجهة طوارئ بلدهم وهناك دلائل كثيرة على ما سبق. التعليق: - الرسول لم يقبض الزكاة ولا كلّف سفراء بقبضها. - الفائض: يتم إرساله إلى الدولة المركزية إذا كانت الأقاليم غير حدودية مع أقاليم غير مسلمة، وكذا إذا كان الإقليم غير منطقة كوارث. - النص القرآني :[خذ من أموالهم صدقة] للفقهاء فيه أقوال مختلفة أهمها: إن الآية نزلت خاصة في إحدى القبائل التي أسلمت مؤخراً وهذا قول ابن عمر وغيره، القول الثاني: أن الأمر في الآية [خذ...] يعني يتم التوزيع تحت إشرافك. - قلت والروايات التي ذكرناها آنفا ً معاذ وغيرها تؤيد القول الثاني، بل ويؤكد أن الآية الآنفة جاءت تعالج قضية خاصة [من قضايا الأعيان] كما يقول علماء المقاصد وقضايا الأعيان لا يُقاس عليها ولا يُبنى عليها. هذه هي نظرة التشريع الإسلامي العادل في التوزيع للمال ، وجعل للعاملين عليها نصيباً فيها. المذهبية السياسة.. بعد انتهاء الحكم الرشيد – الخلفاء الراشدين – انقلب الأمر واضطربت التصرفات إلى حد عجيب، فكان الأمراء في الأقاليم يوردون الجميع مركزياً بل وصل الحال عند نقصان الغلول بسبب قحط أو غيره كان الأمراء لا يطلبون الزكاة الشرعية حسب ناتج المحاصيل، وإنما يفرضون شيئاً محدداً على الإقليم سواء ًجادت الأرض أو قحطت، وهذا أدى إلى ثورات. جاءت الفتوى الفقهية تعالج الظرف المعيش فقال ابن عمر سلموها للحجاج وتسقط عنكم سواء ً صرفها الأمراء في مصارفها أم لا، وهذه الفتوى دافعها الخوف على دماء الناس من ظلم الأمراء، وبمرور الزمن أصبحت هذه الفتوى هي الإجماع الذي لا يجوز المساس به ولا مناقشته.نكمل في الحلقة القادمة بمشيئة الله.