( اغنوهم عن ذُلِّ المسألة ...) حديث نبوي صحيح . عجبتُ لمعشرٍ صلوا وصاموا عواهر خشيةٍ وتقى كُذابا وتلفيهم حيال المال همّاً إذا داعي الزكاة بهم أهابا وقد منعوا نصيب الله منه كأن الله لم يُحص النصابا أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله. يرى فقهاء ومفكرون أن الزكاة هي صوة من صور التأمين ، فالغني في هذا اليوم قد تأتيه جائحة – كارثة – غداً فيصبح معدماً – يستحق الزكاة. انطلاقاً من النص النبوي – الفقرة رقم (1) أعلاه ، - أغنوهم أي الفقراء عن ذُلِّ المسألة ..) يقول الشافعي رحمه الله يجب على أهل الحي : أن يجمعوا زكاتهم لواحد ، بحيث يستغني بها- يعمل بها عملاً تجارياً وبالتالي : في القادم يُصبح مستغنياً عن الأخذ ، بل ربما قد يكون في مرتبة المعطي ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أغنوهم .... وإذا أخذنا يقول الشافعي الآنف : نكون قد وجهنا هذا الركن الإسلامي إلى دائرة التأثير – أعني تحويل أولئك البؤساء المستهلكين إلى أدوات إنتاج قوية في البنية التحتية للاقتصاد. إن تقديم الزكاة بطريقة مفتتة – على الصفة التي نشاهدها اليوم، فإننا نكون قد ساعدنا بطريقة أو بأخرى على زيادة المتسولين والكسالى ؟! وهذا أدى إلى انقلاب مقاصد التشريع الإسلامي! وشيء آخر ( أسوأ ) هو أن بعض التجار – كثيرين ، يقدمون الزكاة – أكثرها هبات وهدايا للوجاهات و..و..و الأقل جداً للبؤساء. وهؤلاء صاروا بعيدين عن مجالي التأثير ومجال الاهتمام – فلا هم أغنوا فقيراً يصبح غنياً – وهذا هو المجال الأهم – مجال التأثير.. ولا(هم ) قدموها مجزأة لأكبر عدد من الفقراء ليستعينوا بها على حاجاتهم الظرفية – وهذا مجال الاهتمام ، بل لستُ مبالغاً إن تصدق هذا النوع من التجار غارق في مقت الله وغضبه لأنه (مراءٍ) بامتياز. إعادة نظر ...حاجتنا ماسة جداً: لإزالة النص الدستوري الذي تضمن تسليم الزكاة لله وله . فهذا النص ناجم عن قصور فكري أولاً: وتقليد فقهي أعمى لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة صحيحة. وإنما هو قول لإبن عمر أجاز فيه تسليم الزكاة للحجاج اتقاءً لشره وظلمة – فتوى – طوارئ ، وأخذ بها الفقه الزيدي من منظور سياسي ، ليستعين بها الأُمراء المنقلبون على الخليفة العام أو على بعضهم . أما النص – خذ من أموالهم صدقةً، فليس نصاً عاماً في الزكاة وإنما هو من قضايا الأعيان التي لا تعمم ولا يُبنى عليها . بل إن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم والراشدين تدل على العكس تماماً حيث يُرسل مشرفاً من قبله فقط – تؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم . والفائض يتم التصرف به – إما إلى مراكز الدولة – العاصمة – أو يبقى في الإقليم إذا كان عُرضة لهجمات الخصوم أو يتم تقسيمه بين حاجات الإقليم وعاصمة الدولة. هذا هو تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم والراشدين في قضية الزكاة ، لكن المحنة – التقليد المذهبي قدمها (باردة ) للظلمة يعبثون بها كيف يشاؤون. زكاة البترول ...العقلية التقليدية متخبطة متناقضة نظرا ً لغياب منهج المقاصد عند المقلدين فهذه العقلية ....في الوقت الذي تفتي وتجالد على النص الدستوري بتسليم الزكاة لولي الأمر ، فوجئنا بها تُفتي مطالبة الدولة بتسليم زكاة البترول للشعب ؟! أياً كانت الدوافع وراء هذه الفتوى فإنها قد أعطت الدولة كامل التملك بثروات البترول والمعادن ...طالما وقد أخرجت الزكاة ؟ هكذا فتوى غير مسؤولة ينقصها الرشد الفقهي . بل أبسط مقدمات الفقه الدالة على أن الزكاة فرع عن التملك، وهذا يعني أن البترول وغيره ليس ملكاً للدولة باتفاق وإنما ملك عام . لكن غياب منهج المقاصد ،وغياب الثقافة لدى أصحاب هذه الفتوى أدى إلى تغول السلطات المستبدة – وكذا يفعل التقليد بأهله.