قال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً} صدق الله العظيم.. آية مدلولها واضح للغاية ولا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، غير أن ما يحدث في واقعنا المشوه اليوم وبعد أن اختلط الحابل بالنابل ولُوِثَت كل المفاهيم بمعتقدات سياسية وأيدلوجية بحتة خَلَطَتْ الزبد بما ينفع الناس, صارت المساجد والمنابر توجه توجيهاً سياسياً مرعباً لا يخدم الدين في شيء بقدر ما يؤجج في القلوب الشحناء وفي النفوس البغضاء وتعلي من قيم الأنا والشر والموت. وبسماع خطبة جمعة واحدة من أي مسجد سياسي ندرك كم أصبح وطننا في خطر كبير جداً بعد أن تسيست بعض المنابر لصالح أحزاب ومذاهب وجماعات تعوث في الوطن هتكاً وتدميراً. فحين اختلطت السياسة بالدين وحين وجه الدين لأغراض سياسية حادت المنابر عن دورها وحاد بعض الوعاظ وخطباء المساجد أيضاً عن أدوارهم الصحيحة الرامية للحب والسلام والألفة ولم شتات الوطن والمواطن, وحاد خطباء المنابر عن مبادئ الدعوة الحقيقية إلى إنسانية سمحاء لا مكان فيها للضغائن، وأصبحت المنابر تصدر الناس أفواجاً إلى المقابر بسبب أدلجتها سياسياً وزرع عدائية الآخر المخالف لها حزبياً ومذهبياً وفكرياً وتجييش مبدأ الانتصار للحزب وللمذهب وتأجيج الكراهية والحقد في نفوس الناس، مما يجعلهم مهيئين لارتكاب الأعمال الإجرامية بكل سهولة ويصبحون فريسة سهلة لاستمالتهم من الجماعات الإرهابية وخصوصاً المراهقين والشباب الذين يتم تعبئتهم التعبئة الخاطئة بأن أقرب طريق للجنة هو قتل النفس وتدمير الحياة وهتك إنسانية الإنسان. للأسف الشديد صارت بعض منابر المساجد تصدّر المجرمين أكثر مما تصدر الإنسانية وأناس فيهم من روح الإسلام ومما علمنا إياه رسولنا الحبيب محمد «صلى الله عليه وسلم», مجرمين ليسوا سوى ضحايا بالدرجة الأولى لتعبئة سياسية دينية خاطئة شوهت القيم الحقيقية للدعوة الإسلامية وللإسلام بشكل عام. كيف نريد لوطننا أن يخرج مما هو فيه من محن واقتتال حين تتحول المنابر أوكاراً تدعو إلى القتل وتصدر الجثث إلى مقابر الموت وتجيش صدور الشباب والأطفال والشيوخ ويصبحوا ضحايا للغة البطش والعنف وبصرخات تنفيرية جعلت من الإسلام مرادفاً للقتل والرعب؟ كيف نريد أن نوقف جريان الدم اليمني وأنتم في منابركم تحرضون على العداء للآخر وتنفرون القلوب والعقول المتآلفة وتباعدون بين الأخ وأخيه وتوغلون في النفوس مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان؟. كيف تريدون من الناس أن تقرب الصلاة والمساجد وأنتم في منابركم حولتم الإسلام لخراب وقتل ومجانيق واخترتم من آيات الرحمن ما يتناسب مع نواياكم وتركتم آيات السلم والسماحة والأخوة والألفة. يكفينا تصديراً للموت والقتل وللأشلاء والمقابر, يكفينا إجراماً باسم الدين ويكفينا أن كل إرهابي يقتل النفوس ويحرق الأرض ويفسد فيها يقتل باسم الله والله منه بريء. يكفينا موتاً، نريد منابر تدعو إلى الحياة والسلام والنجاة، نريد منابر تدعو إلى الإسلام الحقيقي، إسلام الحبيب المصطفى وليس إسلام الأشلاء والجثث والمقابر. كل ذلك لا يتأتى إلا بعدم تسييس المنابر وجعلها تدعو إلى الله دون سواه، وأن يتقي كل واعظ وخطيب مسجد الله في هذا الوطن وهذا الشعب المسكين.