في كل المعمورة وبعيداً عن منطقة الشرق المجنون؛ أحسد كل من يعيش هناك على ذاك النصف البعيد عن الجنون والموت العبثي, حيث ينشغل الناس هناك كثيراً في التفكير بالمستقبل, ويعدّون له بالتخطيط والترتيب, مسخّرين وقتهم في بناء وتعمير ليجنو لاحقاً خير ذاك العمل في لحظات الشيخوخة التي أعدّوا لها مسبقاً, يؤمنون بحقيقة الموت بانتهاء الأجل لكنهم يمضون في التخطيط للمستقبل, فإن لم يكن لهم فهو بالتأكيد لأبنائهم ولأحفادهم. هذا طبعاً كان بالنسبة للطرف الآخر من المعمورة, حيث شغلهم الشاغل الحياة والإعمار, أما هنا وبعيداً جداً عن كل ذلك التفاؤل والشغف بالحياة والمستقبل, وتحديداً هنا في بلدي الذي نسي كل من فيه أمر التكليف الإلهي والحكمة من الخلق لم يعد هناك مجال للتفكير في الحياة أصلاً, ولا مجال لحسبة المستقبل مطلقاً, وربما لم يعد يعني المستقبل بالنسبة لي ولكثيرين من شباب هذا البلد سوى كيف الحصول على فرصة موت سهل وسريع غير مؤلم ولا بشع..!!. نعم ذلك هو كل ما يشغل بالي, ومثلي الكثيرون مؤخراً, خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة المُشبعة بفرص الموت البشع الذي أصبح نتيجة حتمية لبندقة كل الأطماع والقاذورات اليوم, كل شيء هنا يدفعنا إلى التفكير في النهاية والموت, لا فرصة لدى المواطن هنا للتفكير في المستقبل أو حتى الغد كأبعد مدى. كل شيء اليوم مشوّه بلغة الدم والموت, حتى الجدران غدت ساحات معارك وشواهد موتى لا أكثر, جميعها مثقلة بصور موتى, ألصق بجميعها جزافاً صفة شهيد, فذاك شهيد الغدر، وذاك شهيد الواجب, وهذا شهيد الحق, وبعيداً عنه بخطوة شهيد الوطن, ويعلوهم هناك بصورة أكبر شهيد الأمّة, حتى نحن العابرين على تلك الشواهد «الجدران» صرنا مشاريع شهادة مؤجّلة, لا نعرف متى وكيف، وإن حدث ذلك؛ ترى سندرج شهداء تحت أي مسمّى..؟!. لا تعجبوا في بلد تحكمه الرصاصة, سيكتب القتلة الواهمون بالنصر, مبتسمين على شواهد قبورنا: «شهداء حرمناهم حياة». رسالة.. إلى كل أوغاد هذا البلد.. اجمعوا أحقادكم, وانصرفوا آن أن تنصرفوا..!! واتركوا لنا ما تبقّى من هذا الدمار.. من هذا المحال..!! الذي مازلتم تصرّون الصراع عليه وحرق ما تبقّى من ضيق للعيش امضوا عنّا، انصرفوا آن أن تنصرفوا..!! دعونا نعيش بالمعدوم هذا بضيق الحال هذا وبالمجهول هذا امضوا, واتركوا لنا فرصة للموت بانتهاء الأجل بعيداً عن موت أطماعكم القذرة.. أيها القذرون.. آن أن تنصرفوا.