يوم الخميس في مقر عملي وزّع بعض الزملاء علينا منشوراً يدعو الجميع إلى تأدية “السرخة” أو الصرخة؛ ولكن في موعد محدّد وهو الساعة التاسعة مساء الخميس ليلة الجمعة، طبعاً الدعوة موجّهة إلى الجميع رجالاً ونساءً أطفالاً وشيوخاً وأينما حلّوا وثقفوا، سواء في الشوارع أم في أسطح المنازل أو في السيارة أو في العمل؛ وذلك تعبير عن الرفض للإصلاحات والحكومة والمطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار..!!. الذي عجبني في الموضوع أن “السرخة” تتضمّن العبارات «الموت لأمريكا واسرائيل، واللعنة على اليهود» تخيّلوا أن نخرج جميعاً نصرخ داعين بالموت ومروّجين له؛ بغض النظر عن الداعي ومن المدعو عليه، فكرة الموت بحد ذاتها وتمنّيه هل هي فعلاً من أخلاق الإسلام ومبادئه..؟!. ما أعرفه أن النبي محمداً بن عبدالله "عليه أفضل الصلاة والسلام" مرّ يوماً برفقة زوجته عائشة رضي الله عنها وأرضاها بقوم من اليهود الذين كانوا جيرانه في المدينة، فبادروه قائلين: «السأم عليك يا محمد» ففهمت عائشة لي ألسنتهم بالسلام فغضبت منهم؛ لأنهم دعوا على زوجها بالموت، فصاحت بهم: “السأم والموت عليكم يا أعداء الله” فنهرها رسول الله ونهاها قائلاً: «لا تدعي عليهم يا عائشة»..!!. هذا الإسلام وهذا النبي محمد الذي نعرفه نحن المسلمين، محمد رجل السلام، رجل التعايش والمحبّة، فمن هؤلاء دعاة الموت الذين يزعمون نفاقاً وزوراً أنهم منتسبوه، وكيف يدعون بالموت على أمريكا وإسرائيل ويفتحون جبهات للموت والدماء في الجوف اليوم ومازالت دماء اليمنيين في صعدة وعمران طرية رطبة..؟!. صعدة التي استبدلوا حُمرة حبّات رمانها بدماء يمنيين يشهدون مثلهم أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قتلوهم وشرّدوهم بدم بارد وتحت شعار «الموت لأمريكا ولإسرائيل والنصر للإسلام» إن كانوا هم مسلمون أو يدعون ويقتلون مسلمين، فمن يقتل من..؟!. وكيف سيُنصر دينٌ أبناؤه يقتتلون، وكيف سيحترم الآخر ديناً كل أخبار منتسبيه “قتل، ذبح، اغتيال، تفجير، موت، اختطاف” وكل صور بلاد أهله “دموع، دماء، دمار، وذباب”..؟!. المهم في حكاية «السرخة» أن تردّد كل عبارة ثلاث مرات على أساس أن السماء سترسل جنوداً، وكلّه كوووم ومبرّر أنصار الشيطان بالدعاء بالموت على أمريكا واليهود كووووووم لحاله، حيث جاء المبرّر قائلاً: الشعار هو إرهاب للأمريكان واليهود وزعزعة أمنهم وسلامهم و....و... والله أقنعتني يا سي.دي، عن جد أقنعتني، حتى إن أمريكا وإسرائيل حياتهم الصناعية والعلمية والعملية متوقفة تماماً، الكفّار بنو الكفار قلقون وميتون رعب وجالسون في بيوتهم، وكثير منهم حصل لهم انتكاسات نفسية وأدمنوا المخدرات والخمور والقات الهمداني..!!. يكفي عبثاً بعقولنا يا هؤلاء، يكفي استخفافاً بأحلامنا وأمانينا، يكفي قلقاً، دعونا نبني هذا الوطن بالسلام بالحب بالتعايش مع الآخر حتى وإن كان يهودياً أو بوذياً، ماذا تعني الدعوة إلى الخروج والصراخ ليلاً بكلمات وعبارات كلها موت، لماذا يستخدم هذا الشعب دائماً ككرت يشبه كرت الشحن يُكشط بهاؤه وتُستغل أرقامه ثم يُرمى، لماذا يستغل معتوه مثل «السي. دي» أوجاع هذا الشعب وهمومه ومشاكله ليمرّر أفكاره ومشروعه الذي يعد امتداداً لقوى خارجية يعرفها الشعب تماماً، لماذا يقف رجل معتوه يدّعي أنه رجل مقدّس ومن عائلة مقدّسة ومن نسب مقدّس ليدفع بشعب غير مقدّس إلى متاهة الحرب الأهلية والمجاعة والفقر، ألم يكن الأولى به أن يستعين بشعب مقدّس هو أصلاً غير موجود على هذه الأرض، بل ستمدّه به السماء ليمرّر مشروعه المقدّس المتمثّل في استعادة الحق المغتصب في ولاية أمر المسلمين غير المقدّسين..؟!. أو فليستعن بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وولديه الحسن والحسين ويخرج معهم ويصرخ في منتصف الليل منادياً بالموت على شعوب تمدّه بكل أسباب الحياة، وبالمقابل يقتل شعباً لا ذنب له سوى أنه شعب به الأعمى ضليل جاهل والمبصرون به أضل سبيلا. والله نشعر بالغثيان، نشعر بالطاوي، نشعر بالغاثي، إلى متى سنتحدّث أننا شعب لا يملك سوى إنسانيته وهي آخر معاقله وقلاعه، فلماذا تحسدوننا عليها يا «سي. دي»..؟!. ونصيحة لهذا الشعب.. اصرخوا: «الموت لغادة العبسي» فلن تخسروا شيئاً إن قبلت صرختكم، كما ستخسرون إن قبلت “سرختكم” وأنتم تدعون على أمريكا ستعودون إلى العصر الكمبرحوثي مثلاً مثلاً، وبالمناسبة هذا عصر يوجد في عصر سيّدكم نصير الله.