منذ أن بدأت عملية التسوية السياسية التوافقية على قاعدة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أعلن الحوثيون تسميتهم الجديدة “ أنصار الله” باعتبارهم فصيلاً سياسياً مشاركاً في مؤتمر الحوار الوطني قابلاً بالعملية السياسية ومارس دوره السياسي على طاولات الحوار بتكتيك سياسي زاوج بين القوة والمرونة. وظل “ أنصار الله” يراوغون ويتكتكون، يوافقون ويرفضون لكنهم لم يخفوا خصومتهم مع فصيل سياسي آخر يتكون من جناحي «الإصلاح والسلفيين» فتحالف «انصار الله» مع القوى الأخرى التي لها خصومات مع “الإصلاح والسلفيين” وفي مقدمتها «المؤتمر الشعبي العام» ولا يخفون وقوفهم واتفاقهم مع قوى اليسار بل يسعون إلى جرّها إلى صفهم أسوة بتجربة الخميني في إيران الذي تحالف مع اليسار لإسقاط شاه إيران وبمجرد سيطرته على العاصمة طهران وبدء حكمه انقض الحرس الثوري الإيراني على فصائل اليسار وفي مقدمتها “الحزب الشيوعي الإيراني” وزجّ بقياداته وكوادره في السجون ونصب لهم المشانق في تجربة مازالت حاضرة في أذهان اليسار اليمني لم تفارقه. وفي مقابل التكتيك الناجح ل«انصار الله» بتحقيق قبولهم الرسمي والشعبي من خلال مؤتمر الحوار الوطني استمروا في الحفاظ على قوتهم “مليشيات مسلحة” وأضافوا إليها آليات عسكرية وأسلحة ثقيلة ومتوسطة من خلال سيطرتهم على معسكرات للجيش وآخرها اللواء 310 في عمران، كما أن هناك معلومات مؤكدة على حصولهم على أسلحة ثقيلة وعتاد مهم من معسكرات الجيش بطريقة التهريب والتحالف مع من تم تغييرهم من الجيش وانضمام قيادات عسكرية مجرّبة إليهم انتقاماً من خصومهم وتم رفدهم بخبرات من خارج اليمن “حزب الله في لبنان” وهذا ليس خافياً على أحد وإن أنكره “أنصار الله” باستثناء بعض كوادرهم الذين يقولون إن من حقهم أن يتحالفوا سياسياً مع إيران وحزب الله اللبناني مقابل تحالف الآخرين مع أطراف أخرى. وقبل السيطرة على عمران كان واضحاً أن “انصار الله” بدأوا في تصفية الحساب مع حزب الإصلاح والسلفيين في صعدة ودماج وعمران وتحقق لهم ذلك مما فتح شهيتهم للتمدّد بقوة السلاح والمليشيات المسلحة وخطط عسكريين مجربين سواء ممن تم أقصاءهم أو بخبرات من حلفاؤهم في المنطقة، ومن المؤكد أن دعماً لوجستياً ومالياً سخياً كان ولا يزال ينهال عليهم من إيران وأذرعها المختلفة في لبنان كما ينهال نفس الدعم على خصومهم في مشهد ينتج حروباً بالوكالة بين المتصارعين الرئيسين في المنطقة السنة والشيعة. ولم يعد خافياً أن “حزب الله” في لبنان أوكلت إليه إيران دعم ونقل خبرات لنموذج جديد منه في اليمن، ولذلك نرى تجارب الحرس الثوري الإيراني والإمام الخميني وحزب الله في لبنان تنقل بحذافيرها إلى اليمن عبر “انصار الله” برغم اختلاف الجغرافيا وتقلّب التحالفات وعدم وجود الحاضن الاجتماعي الحامي حتى لو تحولت كل مناطق قبائل شمال الشمال من صعدة إلى ذمار إلى حوثية خالصة وتخلت عن فكرها الزيدي المعتدل والمتعايش مع الآخرين فلا يمكن لحركة “انصار الله” السيطرة على العاصمة اليمنية، ناهيك عن اليمن ومقدراته بمليشيات مسلحة وإن امتلكت السلاح الثقيل بمختلف أنواعه. وهناك مواقف إقليمية ودولية معلنة ضد حشود “انصار الله” حول العاصمة وفي داخلها وأسلوب لي الذراع لفرض ما يريدون ليس على الدولة والحكومة وإنما على مختلف المكونات السياسية التي شاركت في الحوار الوطني، وبالتالي يصبح إصرار “أنصار الله” على مطالب في ظاهرها إجرائية عملية وباطنها أبعاد سياسية لا تخفى على أي لبيب ومنها الإجهاز على التوافق السياسي السلمي والتأسيس لمرحلة جديدة مقرونة بقوة السلاح والمال تنتج نموذجاً شبيها ل «حزب الله» في لبنان دولة داخل دولة وهو أمر سيدخل اليمن بنموذج خطير نراه في العراق وسوريا. وإذا سارت الأوضاع وفق هذا السيناريو الذي يحوّل اليمن إلى ساحات صراع إقليمي ساخن بين إيران وحلفائها في المنطقة ودول الخليج وحلفائها في المنطقة وهذا ما أشار إليه الرئيس عبدربه منصور هادي في حديثة عن مقايضة صنعاء بدمشق وبغداد.. سيجعل المجتمع الدولي ينقسم لاحقاً حول أي إجراءات دولية بخصوص الوضع في اليمن وستفقد اليمن ميزة توحيدها للمجتمع الدولي لقربها من خزان النفط العالمي «منطقة الخليج». ومما سبق لن يتراجع “انصار الله” عن طموحهم بالتحوّل إلى مكوّن سياسي عسكري يكون لهم الدور الأبرز في الحكم والسلطة كشركاء أقوياء مثلهم مثل مكونات أخرى زاوجت بين السياسة والعسكرة خلال عقود سابقة لكن هذا الأمر سيعيد اليمن إلى فوهة بركان عاشتها بعد تحقيق الوحدة اليمنية واستمرت حتى انفجار حرب 94م الظالمة ضد الحزب الاشتراكي والجنوب للقضاء على القوة العسكرية التي كانت تشكّل عامل رعب وخوف لقوى الحكم فيما كان يُعرف بالجمهورية العربية اليمنية، فكانت الحرب قاصمة الظهر للحزب الاشتراكي والجنوب كشريك في الوحدة. وأخيراً: هل تتخلّى الأطراف السياسية والمكونات السياسية التي مازالت تزاوج بين العمل السياسي وعسكرة مكوناتها عن اللجوء إلى القوة لحسم الخلافات وإقصاء الخصوم بعيداً عن الشراكة الوطنية؟، أم تواصل عنادها وتلج اليمن حرباً أقوى وأشرس من حرب 94م وهذه المرة لن يسيطر «أنصار الله» ولن يضعف “الإصلاح والسلفيون” بل ستُدمر اليمن لأن الجميع معاندون والجميع مدعومون من قوى متناقضة، حفظ الله اليمن شعباً وأرضاً من الاقتتال والحروب والتمزّق. [email protected]