استفزتنى كثيراً الصور التي نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لفتاة سيئون التي قيل عنها الكثير والكثير وساءني منظر الجنود في قسم الشرطة، الذين استغلوا حالة الفتاة بحيث لم يكونوا آدميين معها كما يجب، ولم يمنعهم الضمير ولا الأخلاق في التعامل معها بلا إنسانية.. وهم الآن وكما قيل تمت إحالتهم إلى النيابة.. مع رجائي أن تتم معاقبتهم حتى لا تكون أقسام الشرطة وكراً للسيئات. - القصة الناقصة والمثيرة لهذه الفتاة أخذت حيّزاً من اهتمامي وصادف أن جاءت إلى صنعاء إحدى الصديقات من حضرموت (صابرين الكربى) وهي مهتمة ومختصة بحقوق الإنسان وقد تابعت مع فرع اتحاد نساء اليمن فرع سيئون موضوع الفتاة واسمها (هبة) وقد أحال الفرع هبة إلى اتحاد نساء اليمنبصنعاء وهنّ بدورهن لم يقصرن فريق العمل بقيادة الرائعة الأستاذة فتحية محمد عبدالله، رئيسة الاتحاد النسائي وجهت بعمل كل ما يلزم لهذه الفتاة التي كانت تتقمّص شخصية رجل يُدعى الشيخ راشد مما أوحى بأن هبة تعانى من انفصام في الشخصية أي حالة ذهانية حادة.. مكثت هبة يوماً واحداً في مستشفى الأمل واتضح أنها لا تعاني من انفصام أو ذهان وأودعت دار الاتحاد النسائي للتأهيل والتدريب كمرحلة هامة لاستعادة توازنها وهدوئها النفسي. - قرّرنا زميلتى صابرين وأنا زيارة هبة بالتنسيق مع الاتحاد، قابلنا فتاة أخرى غير الشيخ راشد غابت ملامح الفتاة المسترجلة وظهرت أمامنا فتاة مكتملة ترتدي النقاب والبالطو، تحمل شنطة بها بعض أشيائها، تتحدث كثيراً في محاولة منها لإقناعنا أنها مظلومة ولا تريد البقاء في صنعاء بل تريد العودة إلى حضرموت أولاً لرؤية ابنها ذي الأربع سنوات الذى لم تره منذ عامين (مع أنها كانت في سيئون، أي في نفس المدينة التي يسكنها ابنها!!) وثانياً بحجة أن لديها أغراض و ملابس وأشياء تود أخذها من هناك، وثالثاً لأنها مريضة وملفها في المكلا ترغب في مواصلة العلاج في نفس المستشفى في المكلا.. كلها أسباب ومبررات للفكاك من البقاء في دار التأهيل التي تصفها بأنها دار بلا تغذية جيدة بلا فاكهة ولا رحلات للترفيه! - الفتاة ضحية أسرة ومجتمع،وقد وقعت بين فكّي مجموعة مدمنة للحبوب والمخدرات وبيع الخمور و...إلخ تعترف بأنها كانت تتعاطى الحبوب وأنها كانت تنام في الشوارع وأنها كانت في وضع صعب مما جعلها تسلّم نفسها لقسم الشرطة بسيئون، وها هي الآن تقول: إذا عدت إلى حضرموت سوف يتغيّر حالي.. ليس لديها سكن ولا عائل ولا مصدر دخل.. إلى أين ستعود؟ إلى الشارع وإلى الإدمان ثانية؟ إن بقاءها في دار التأهيل في صنعاء للعلاج النفسي والاجتماعي وتحت نظر الأخصائيات العزيزات من الاتحاد هو الوضع الأنسب والأفضل لها حتى لا تعود إلى وكر المجرمين مروّجي المخدّرات الذين قادوها إلى الحرام ومازالوا يلاحقونها ويعملون المستحيل لعودتها اليهم.. إنها ضحية من نوع خاص أسرة لفظتها وتبرّأت منها وقالت لها وهى في سن التاسعة (أنتِ لستِ ابنتنا) فوقعت في أحضان من لا يرحم. - إن التحدّث إلى هبة ومع هبة يكشف عن عوالم غاية في الوحشية واللا إنسانية، فتارة تبكى وتارة تضحك وتارة ترمى بحكِم وأمثال، سوية في كلامها وحاضرة الذهن، تحن إلى حياة التشرّد وتحزن كثيراً على زوجها الثاني ووالد ابنها الذى تركته بعد عشرة ثمان سنوات أشعرها خلالها أنها امرأة لها مكانة في حياته، وكان حامياً لها بعد أن انتشلها من واقع آسن.. إن معاقبة الجنود الذين اعتدوا على هبة لا يكفى فهناك من ينتظر هبة بفارغ الصبر ويحتفل بعودتها إلى عالم الضياع!! إننا نؤمن أن هبة معدنها طيب وأن وجدت رعاية وعلاجاً ستكون إنسانة أخرى. [email protected]