الشعور بالآخر، الوجع الذي ينخر في عظام الفقراء، والقهر المرتسم في ملامح الثكالى بالحرمان من فلذات أكبادهن، ليس بالموت ولكن بالبعد القسري، والطفولة المصلوبة على أسفلت الحياة المدثّرة بالأنين، كلها تعلن عن توديع الإنسان للإنسانية. صقيع الحياة الممتد في حياة كثير من اليمنيين منذ النشأة الأولى لطفولتهم، الرجولة الموهومة في خيال طفل، والجلد الذاتي لمشاعره «لا تبكي – لا تتألم – لا ترحم – أنت رجال» كلمات تفوق تحمله، هو طفل ككل أطفال الدنيا، لماذا لا يعيش طفولته من غير تلك الشحنة السلبية، وإجباره على أن يكون شيئاً أكبر منه في مرحلة غير مرحلته. هذا الطفل المشحون بالسلبية والانتقامية والوهم والقوة المصطنعة ،سيكون أباً يوماً ما، سيكون له أطفال، ولكن عالمهم لا يشبه عالمه، تختلف لعبهم عن لعبه، تختلف هواياتهم عن هوايته، وتختلف قصص الأطفال عن القصص التي شاهدها إن كان شاهدها أصلاً. هذا الطفل الذي أصبح رجلاً بالفعل، ما عاد في قلبه إنسانية تراعي طفلاً كان يوماً هو، كان يوماً يحتاج فيه إلى والدته بجواره، وإلى الاختباء خلف جدته، رباه أبوه على التجبّر، وشحذت فيه أمه رجولة أبيه المتسلطة وتسلط العائلة بالوراثة، فأصبح من حقه أن يكون كل شيء. هذا الطفل أصبح لديه الزوجة والأبناء، وأصبح لديه المال وجواز السفر، لكن هناك شيء يفتقده، شيء لم يغرسه فيه أبوه ولم ترضعه إياه أمه، لم يزرعا في قلبه الإنسانية. ما معنى أن يعذب الأب ابنته أو ابنه، ما معنى أن تُحرق طفلة في وجهها، وتُعذب وتقتل، وترمى في الجبل من قِبَل أبيها، ما معنى أن تحرم أم من ابنتها، ما معنى أن يحرم الطفل من الحنان، ما معنى أن تُسلب من الطفل طفولته، معناها أنك سلبت منه الحاضر والمستقبل يا هذا. ألا يكفي أن يعيش طفل، بعيداً عن حنان أمه ليرث في قلبه كل جروح الأرض، ثم يأتي الأب ليكمل رحلة الخوف والقلق، يا إلهي! بمَ سيشعر كل الأطفال الذين يعرفون تلك الطفلة التي قتلها أبوها ورمى بجسدها النحيل في جبل سمارة!؟ ماذا سيرسمون في مخيلتهم عن عالم الكبار، وكيف سيكبرون، وبمَ سيحلمون، وهل سيؤمنون بشيء اسمه إنسانية؟؟. ودعنا جزءاً كبيراً من إنسانيتنا ونحن نودع عام 2014م ، ودعناها منذ هوى جسد تلك الطفلة على أرض أرحم عليها من قلوبنا، ودعنا إنسانيتنا يوم سمحنا لأطفالنا بأن يشاهدوا دماء أقرانهم على صفحات التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزة، ليس لشيء سوى لأن الأطفال ضحايا صراعات الواقع السياسي والاجتماعي، أطفالنا، فلذات أكبادنا يدفعون ثمن أخطائنا. [email protected]