من منّا لا يحب أن يبدأ يومه بذكر وتسبيح وحمد وتهليل؟! من منّا لا يحب أن يُثقل ميزانه بالخير من كل ما يمكن أن يكون خيراً، وينقّي قلبه من كل ما يمكن أن يكون شراً؟! لا تكتمل الحياة إلا بحصول هذا، لأن فيه إحياءً للسكينة والطمأنينة التي يذبل غرسها كلما ابتعد الإنسان عن هذا المزن السكيب، فالذكر عطر الحياة الذي تتنشّقه الروح وتتلذّذ به الحواس بل وتخضع له أيضاً، ومثل عطر الحياة هذا عطر الجسد أيضاً، فالنظافة والطهارة والطيب أشياء محبوبة للنفس والروح أيضاً، فبدون رشّة عطر هادئة أو لاذعة “حسب الذوق” لا يمكن أن نشعر بذلك المرح والتفاؤل كل صباح، ونحن نحاول أن نضع اللمسات الأخيرة من زاد الأناقة الذي لا يمكن الاستغناء عنه. نعم العطر لمسة ناعمة وعبقة نضيفها إلى هالتنا الجاذبة للأمل والتفاؤل والخير والفلاح، هو لا يجوز أن يكون لافتاً لحواس الرجال بالنسبة للمرأة، لكن هناك عطور خفيفة توضع مباشرة على بشرة الجسم بعد حمّام الصباح تمنع التعرُّق، وتُضفي على مسامنا شيئاً من الانتعاش دون أن تلامس فضول الآخرين، لأنها تختفي مباشرة حين نغطيها بأثواب الستر منطلقين نحو يوم عمل مشحون بالطاقة. العطر “الطيب” بشكل عام من أدوات الزينة التي لا غنى لنا عنها سواءً كنا رجالاً أو نساءً، ولكم أصبح من السهل اليوم أن نصنع لأنفسنا عطراً متفرّداً بعد وجود المواد الخام والزجاجات الأنيقة المترفة بالفخامة. وليتخيّل قارئي الكريم رشّة عطر صباحية من خشب العود وماء الصندل ونكهة من بهار الشرق يستفتح بها صباحه ممتطياً صهوة الانشراح والدلال، وماضياً بحواسه نحو حلم جميل كل تفاصيله ملموسة. ولتتخيّل قارئتي الكريمة رشّة عطر هادئة عبقة بنكهة الورد والفواكه الاستوائية تضع منها فقط ما يوقظ مسامها من النوم! قد يتهمني البعض بما اتهمت به الملكة “ماري انطونيت” من قلة الإحساس بأمور الناس وأحوال الرعية، لكنني لست ملكة، وإنما امرأة من تلك الرعية، إنما الفرق بين من يستطيب علقم الدنيا، ومن يلفظ نعيمها هو تلك الروح التي تستتر بين ضلوعنا، فما المانع أن نعيش بأحاسيس مترفة؟! ما المانع بأن نمارس الأناقة كسلوك وليس كتقليد سرعان ما ينتهي؟.. ما المانع من إضفاء ذلك الألق الذي تحيطنا به رشّة عطر برذاذها اللذيذ؟!... تطيّبوا وأحسنوا اختيار الطيب الذي يجعلكم أقرب إلى قلوب من تحبّون، فالطيب من الأشياء التي أحبّها رسولنا الكريم “ص” خاصة ما كان أصله من الطبيعة، كالمسك والعود والعنبر والورد. من الجميل أن الكثير من الدراسات العلمية تؤكد هذه النظرية حول العطر، وما يحدثه من انتعاش للحواس والجسد والقبول لدى الآخر، وأذكر أن جدتي رحمها “الله” كانت تقول: “الخُمرةْ عُمرةْ” بضم الخاء في الكلمة الأولى والعين في الكلمة الثانية، وكانت تفسّر لنا معنى هذا بأن الرائحة الزكية تُطيل العمر، والمقصود عمر الإحساس أو الحواس بكل تأكيد.