بينما يُجمعون اليوم بما فيهم المجتمع الدولي ودول الجوار والرئيس الشرعي «هادي» أن صنعاء مدينة محتلّة؛ يتغافل جميعهم أنها وقبل ذلك مدينة منكوبة إنسانياً بمشكلة نازحين توالت عليهم الأيام والسنون، ولم يكترث لأمرهم بعد أحد. هؤلاء وللأسف غض الطرف عنهم القانون, وتناستهم إنسانية المنظمات الحقوقية, وتركهم كبار رجالات الدولة بلا نُصرة أو عون، وتغافل عنهم روّاد المدنية ومنظّرو قيم المواطنة العادلة في أروقة حوارات اللا جدوى، وعميت عنهم عيون كاميرات الناشطين والإعلاميين، وبين الخيبة ومرارة اللجوء في وطن خذلهم عند الحاجة؛ مازالوا يفترشون أرصفة الحاجة ويتسوّلون حق حياة كريمة حرمتهم إيّاها أيادي الظلم والفساد الراكن على وضع اللا دولة. حقيقة مأساة النازحين واللاجئين في أوطانهم لدينا لم تكن وليدة ما بعد ثورة الحادي عشر من فبراير كما يحلو للبعض أن يحمّلها جريرة هؤلاء, ولم تكن أيضاً مما تلى فبراير فقط من مفاجآت الالتفاف المليشياوي على حلم الثورة؛ لكن المأساة سبقت ذلك بأعوام؛ ومأساة الجعاشن التي كان بطلها يرفع راية صلف الشيخ وجشعه المتحدّي للدولة التي يحلو أن يتباكى عليها البعض اليوم خير شاهد، وهي فيما يبدو لم تكن آخر الأحزان؛ إذ تلتها مأساة نازحي أبين تحت راية «نُصرة الشريعة» وبعدها دمّاج وعمران وصنعاء التي انتهت هي أيضاً تحت راية «المسيرة القرآنية». تعدّدت الرايات والمصير واحد، والأوضاع الهشّة لا تبشّر بالخير؛ بل تجعلنا جميعاً نتحضّر للحظة تشرُّد ولجوء قد تأتي فجأة تحت راية جنون وإجرام ما، فللأسف نحن مجرّد مواطنين بلا وطن، يلاحقون كذبة كبيرة اسمها «وطن»..!!. نحن مجرّد مشاريع موت عبثي ولجوء مؤجّل, ينتظر ظهور الراية لنبدأ رحلة اللجوء العبثية, ولنجني وحيدين خراب ودمار تلك الرايات الملعونة، وفي ذلك لسنا وحيدين؛ فالمنطقة بأسرها اليوم تعيش جنون اللجوء والموت العبثي تحت راية «داعش» هذا الجنون رآه الأسطورة نزار قبّاني قبل عقود وترجمه بنبوءة حملتها أبيات قصيدة ألقاها بمهرجان المربد الخامس في بغداد عام 1985م وكأن به يرى حالنا اليوم وحال العرب أجمع: مواطنون دونما وطن مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن مسافرون دون أوراق، وموتى دونما كفن نحن بغايا العصر كل حاكم يبيعنا ويقبض الثّمن من قبضة لقبضة من مالك لمالك ومن وثن إلى وثن نركض كالكلاب كل ليلة من عدن إلى طنجة ومن طنجة إلى عدن نبحث عن قبيلة تقبلنا نبحث عن ستارة تسترنا وعن سكن....... وحولنا أولادنا احدودبت ظهورهم وشاخوا وهم يفتّشون في المعاجم القديمة عن جنّة نظيرة عن كذبة كبيرة، كبيرة تُدعى الوطن مواطنون نحن في مدائن البكاء قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء حنطتنا معجونة بلحم كربلاء طعامنا، شرابنا عاداتنا، راياتنا زهورنا، قبورنا جلودنا مختومة بختم كربلاء لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء لا نخلة، ولا ناقة لا وتد، ولا حجر لا هند، لا عفراء أوراقنا مُريبة أفكارنا غريبة أسماؤنا لا تشبه الأسماء فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا ولا الذين يشربون الدمع والشقاء..!!.