لا شك أن التسمية الشهيرة التي أطلقت على هذا الجزء الغالي من جنوب شبه الجزيرة العربية «اليمن السعيد» أو «العربية السعيدة» ليشير بشكل قاطع إلى أن اليمن كانت منبع خير وعطاء، وأكد ذلك الرحمن الرحيم في كتابه الكريم بوصفها في قوله تعالى: «بلدةٌ طيّبة وربٌ غفور» كما كانت أرضاً للحضارات الإنسانية القديمة المزدهرة العتيدة، حضارة معين وسبأ وحمير وقتبان وأوسان، لكنها أصبحت أبعد ما يكون عن هذا الوصف جرّاء ما صارت إليه أحوالها وأوضاعها من سوء في مختلف الشؤون الحياتية؛ سواء في هذا العصر غير الميمون أم حتى خلال بعض الحقب التاريخية المتعاقبة التي كانت اليمن خلالها تشهد فترات استقرار وازدهار وأخرى فترات غير مستقرّة تضرّرت خلالها المجالات الاقتصادية والتنموية والعلاقات السياسية والاجتماعية. ذلك ما سجّله المؤرّخون وما سطّرته صفحات التاريخ عن المراحل التاريخية ليمن الحضارة على مرّ العصور حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في هذا القرن من تشرذم لأبنائها وتعدُّد للولاءات التي طغت على الولاء الأسمى والأبقى، الولاء لليمن الأرض والإنسان. فمتى تدرك كافة القوى بتعدد انتماءاتها وولاءاتها الضيّقة أهمية وسمو الولاء لوطن الحكمة والإيمان، ومتى يدرك الجميع عظمة الحديث النبوي الشريف لرسول البشرية نبي الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلّم الذي مجّد هذه الأرض وأهلها بوصفهم الخالد أنهم: «أرق قلوباً وألين أفئدة، وأن الإيمان يمان والفقه يمان، والحكمة يمانية» فأين أبناء اليمن من هذا الوصف النبوي العظيم، ولا شك أنهم لم يفقدوا تلك الصفات والمبادئ السامية..؟!. وحتماً ستتجلّى الحكمة اليمانية التي ستقلب الموازين وتخرس كل المقولات والتوقُّعات السيّئة لأعداء اليمن والإنسانية؛ بل ستخمد نار الحقد لتلك الثلّة الحاقدة والحملة الإعلامية المضلّلة التي تنفث سمومها من الداخل والخارج بين أوساط الجماهير اليمنية. فقد أدرك الشعب الأهداف الخبيثة لتلك اللعبة الدنيئة التي توظّف لتكريس التفرقة وزرع الأحقاد بين أبناء الوطن الواحد على أيدي من تجرّدوا من الشرف الإعلامي والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، الذين يدسّون السُّم في العسل لتحريض طرف على طرف، ويسعون إلى إثارة المناطقية العفنة أو إثارة الخلافات المذهبية؛ ولكن اليمنيين بعون الله سيُفشلون تلك المساعي غير النبيلة لقوى الشر سواء كانت داخلية أم خارجية، إعلامية أو سياسية. فيا أبناء اليمن من القوى الخيّرة هنا وهنالك في الداخل والخارج؛ لن يحل قضاياكم ومشكلاتكم سواكم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فاتقوا الله في إخوانكم، سارعوا إلى كلمة سواء بينكم لإنقاذ الشعب المناضل المغلوب على أمره في شتّى ربوع اليمن: من صنعاء إلى المكلا، ومن صعدة إلى المهرة، ومن ذمار إلى عدن، ومن تهامة إلى سوقطرى. لا شك أنكم تدركون خطورة المساعي الحثيثة المحمومة للقوى الإقليمية المتصارعة التي تحاول جعل اليمن ساحة لصراعاتها دون إدراك للعواقب الوخيمة التي قد تدمّر الأخضر واليابس؛ لأن وقود تلك الصراعات هم أبناء اليمن من أقصاه إلى أقصاه وأرضهم الطاهرة، فهلّا أدرك ذوو الحكمة والإيمان ما يُحاك ضد اليمن من تدبير خبيث يستخدم بعض ضعيفي النفوس من عُبّاد المال والسُلطة أدوات لتنفيذ ذلك السيناريو المدمّر..؟!. وحتماً فإن الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل الذي لا يرضى الظلم لعباده وهو الجبار المنتقم لكل من سعى في الأرض خراباً وفساداً وتجبّر وتكبّر، فالمولى سبحانه يُمهل ولا يُهمل، وربما تحدث المعجزة ويفكر أولئك بالعودة إلى الحق المبين والتراجع عن المعاصي والشرور وعن كل ما يضر بالبشرية. لم يبق سوى أخذ العبرة والعظة مما أصاب بعض الشعوب العربية من كوارث ومآسٍ إنسانية واقتصادية واجتماعية؛ حتى لا تُضاف اليمن – لا سمح الله – إلى تلك البلدان التي دُمّرت ولاتزال شعوبها تعاني الأمرّين، وكفى المواطن اليمني معاناته الشديدة في جميع شؤونه الحياتية؛ سواء في معيشته أم في صعوبة تأمين حاجاته الضرورية كالماء والكهرباء ولقمة العيش على مدى ثلاث سنوات عجاف، وقبل كل ذلك فقدان الإحساس بالأمن والأمان والاستقرار في البيت والعمل والشارع والمدرسة. حفظ الله اليمن الجرح النازف من كوارث المتنفّذين والفاسدين والانتهازيين، وحماها من المخرّبين الحاقدين، ومن شر كل مصيبة وبليّة.. وتلك هي القضية. [email protected]