لا يستطيع أحد أن ينكر بأن انتفاضات الربيع العربي الشبابية التي انطلقت بداية 2011م كان هدفها ولا زال تحقيق حلم المشروع الحضاري الديمقراطي والذي يمثل أحد سمات العصر الحديث ولولا سيطرة واحتواء القوى الحزبية لثورات الربيع العربي لكانت هذه الثورات قد نجحت وحققت اهدافها في تحقيق الدولة المدنية الحديثة المنشودة لكن وبعد استحواذ القوى السياسية الانتهازية على القرارات المصيرية لثورات الربيع العربي غيرت مساراتها لما يخدم مصالحها في الوصول الى السلطة واستخدام هذه الثورات الشبابية مجرد مطية من قبل هذه القوى السياسية الانتهازية الامر الذي مكنها من أن تتخذ من كل مكونات الدولة المدنية مجرد شعارات فحسب كما أن غول الوساطة والمحسوبية هذا الورم السرطاني الخبيث الذي انتشر في جسد المجتمعات العربية فجعلها عليلة بمرض ثقافة الفساد الذي طال اليوم كل الجهاز الإداري والمالي للدولة ، وبالتالي فإن كل محاولة التغيير في عملية الإصلاحات الإدارية والمالية في ظل بقاء كابوس الوساطة والمحسوبية لن يجدي نفعاً وستبقى عملية التغيير والإصلاح مجرد حبر على ورق ليس إلا. ولا ريب إذا ما قلنا هنا إن الوساطة والمحسوبية هي أحد أعمدة الفساد الإداري والمالي الحاصل في بعض مؤسسات الجهاز الإداري للدولة. وينبغي علينا جميعاً كمجتمع ودولة في اليمن خصوصاً والوطن العربي بشكل عام أن نعمل بروح فريق العمل الواحد لمحاربة ظاهرة المحسوبية والفساد وتكوين جبهة ثقافية موحدة ضد هاتين الظاهرتين وتخطي كل المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام صناعة اليمن الجديد الخالي من الفساد والمفسدين ، وهو ما نأمل تحقيقه من مخرجات الحوار الوطني اذا ما وجدت طريقها للتطبيق خلال المرحلة المقبلة . كما أن الوساطة والمحسوبية تلعب دوراً جوهرياً ومحورياً في وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب مما ينتج عنه مخاطر عديدة في وقف عملية الإنتاج وتحقيق التنمية الشاملة الحقيقية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووضع الجهاز الإداري للدولة بيد أيادٍ لا تتمتع بالخبرة والكفاءة المطلوبة في الأداء مما سينعكس بمزيد من سيطرة الفساد والمفسدين على العديد من المرافق الخدمية والتنموية ذات الصلة بخدمات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وتعطيل عجلة التنمية الشاملة على المديين البعيد والقريب للوطن. الأمر الذي يجعلنا هنا نسلم بأهمية وضرورة تكاتف وتعاضد كل القوى والفعاليات الجماهيرية والحزبية والسياسية والثقافية والإعلامية لاستئصال ظاهرتي الوساطة والمحسوبية وجعل مكافحتها قضية رأي عام من أجل إيجاد الحلول الناجعة لمثل هذه الظاهرة. وإذا كنا نسلم هنا أن الوساطة والمحسوبية هما ظاهرتان سلبيتان تعاني منهما كل دول ومجتمعات العالم الثالث عموماً والعالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص وأنهما ليستا حكراً على اليمن فحسب وإنما هما مشكلتان فرضت تحدياتهما على كل حكومات ومجتمعات عالمنا العربي وكانتا أي الوساطة والمحسوبية هما العاملان الأهم في معادلة الفساد والإفساد في وطننا العربي والذي بدوره وقف اليوم حجر عثرة أمام تطور وتنمية مجتمعات شعوبنا العربية والإسلامية واللحاق بعجلة التقدم الحضاري التي تسير بسرعة الضوء في عالم القرن الواحد والعشرين الحالي. إلا أننا ورغم ذلك ندعو صناع القرار في الجمهورية اليمنية الجديدة بأن يجعلوا من أولويات مهامهم هو القضاء على ظاهرتي الوساطة والمحسوبية واستئصال هذا الداء الخطير الذي يهدد كيان الدولة المدنية الحديثة المنشود تحقيقها وإرساء دعائمها من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي مثل أعضاؤه ال 565 عضواً كل الأمة اليمنية ويعول على تطبيق وتنفيذ مخرجات الحوار فعلاً لا قولاً العبور الآمن بالشعب اليمني إلى المستقبل الآمن وإخراجه من دوامة كل هذه الأزمات الراهنة . والله من وراء القصد. [email protected]