- محمد علي الجنيد .. الشاعر الباحث/عبدالجبار نعمان باجل يأتي في إصداره الجديد ليعلن لنا كيف غنت تهامة؟! في ضوء الحياة وتوهجها أملاً وحيا واصراراً، بلغة شعرية تتمسك بأصالة العمود الشعري التهامي لكنها تنتمي إلى تجربة تعي خصوصيتها وذاتها، جاءت القصيدة الشعبية في تهامة لتجسد جدلية العلاقة وحميميتها بين الإنسان وبيئته وبينها وبين مفرداتها الدالات عليهما والدالان عليها.. هناك الفرساني والطارق والشرجي والوزبة التي اشتهرت بها تهامة الشام ويطلقون عليها في تهامة اليمن «الشعر الشامي» وهناك الحميني والمزدوج والمطوه والوعواع وغيرها من الأصناف التي تميزت بها تهامة اليمن أي الجهة الجنوبية من تهامة ويطلقون عليها في تهامة الشام «الشعر اليماني» والشعر اليماني هو مايعنينا في مجموعته الشعرية الموسومة ب «سفور الحبيب» هذا الديوان الذي يضم بين دفتيه عدداً من ألوان الشعر اليماني في تهامة وهي باكورة وعيه الشعرى الشعبي منها موشح ومبيت حميني ومنها يماني مزدوج وأزيب ومطوه و....الخ. الديوان من سلسلة ابداعات يمانية الصادرة عن مركز عبادي للدراسات والنشر ويحوى 40 قصيدة شعبية عمودية. فالشاعر الشعبي/عبدالجبار نعمان باجل يجد مجالات رحبة للتنفيس عن معاناته في الحياة ومشاقها واقتداره على التعبير عما يجد في نفسه بوسائل تعبير متنوعة لايخفى، فالكلمة أداة واللحن أداة والانشاد أداة ولعله لشيء من هذا تراءى نتاجه الشعري محدوداً. وتجده في قصيدة «وهج الاشواق» يقول:- شكتب على صدرك عتابي واسحاب وساحملك شوقي تبلغ لي امغياب ماراقلي عيشي ولاوقتي استطاب لاجا رسول منهم ولاجاني كتاب توشيح ياحذاتاً لمركايب بلغوا عني امحبايب إن لكم في الخير جانب على أن الحياة في وجدان الشاعر «باجل» أوسع من حبيب دنا أو حبيب نأى ومن هنا تتسع التجارب وتتعدد فلقد تكون حنينا يملأ الصدر شجناً وشجاً كما في قوله:- هذا رسول المحبة اليوم أتى بالبشارة سر النهاري وصل به يحمل طيوب الاشارة بهاتف قد هتف به أدرك قبيل الخسارة واجمع شتات الاحبه يابن النهاري بكارة وتكون التجربة التي يصفها عزاء للنفس من أوجاع الحياة وآلامها وهنا تتجلى رؤية «باجل» للحياة، والفلسفة التي يؤمن بها، وخلاصتها قصيدته «سفور الحبيب» :- ونأخذ منها:- ياوسيع المفاتن والمجال أنت في الحب قامة سامية يابديع المحاسن والدلال مالغواني إلاّ بجنبك حاشية بيت الشباب فرصة فاغنم ياوصول ما الحياة إلاّ التقاء وانسجام والجمال إذ لم يكن أعظم رسول للتداني والوفى طول الدوام لاتعد أهله من أصحاب الاصول منبت السوء لايرعى الذمام إنما حاشاك من هذي الخصال معدنك في الأصل نقوه ناهية وفي قصيدة «اشعلت قلبي» يماني مزدوج يقول:- اشعلت قلبي بنار حبك وقلتلي واجيبي باي حرام عليك خاف من ربك كثر النوى قد قلبلي امراي يامستريح بامتحان صبك صبك مصاب بك يامولاي قضى زمانه يفخر بك ياغصن أصله من بمباي سلك بقلبه شعاب دربك وماهمشي امليل واملواي صبحه وليله يحلم بك صابر على الآه وقولة أي هذا جزا حب من حبك ياغارة الله هل في سواي إن كان بقتلي حكم قلبك ما الذنب ما اللي جرا ماالراي؟! أفتراه لهذا امتلأ قلبه مودة للآخرين فلم يرفيهم جحيماً لايطاق وفاضت الرحمة من قلبه عليهم فتألفهم على كثرة ماكابده منهم؟! ربما وعلى أية حال فهذا مستوى من الحب لايدركه غير من ارتقى مرتقاه وما أصعبه!! وقد يجي بالأغنية في هيئة «المسّرحة» وشكلها فينظم ايقاعها في نغم واحد.. واحياناً يبدو هذا النمط من التشكيل هيناً وسهلاً مناله واشطار الشعر في ديوان «باجل» متنوعة فتارة يجيء بها موشح حميني كما في «قمرية» و«واحب حبك» حميني مبي رباعي واحياناً لقاع منصري كمافي «شاعيش انا بقربك» ويماني مزدوج وهكذا تنوع قصائده وتتراسل مع اللحن وهذه النزعة التشكيلية الاشطار القصيدة عائدة إلى ثلاثة بواعث ولها حس «باجل» الموسيقى، ورهافة فؤاده، فتراه يتعلق باللحن العذب الشجي ويتحدى موهبته في التلحين لتصوغ بدائع مترفة ومن اللحن ينبثق الوزن الشعري للقصيدة ويتراسل مع عروضها وثانيها سر الصناعة في فن الشعر التهامي. وتتبعه الدقيق والواعي للتجارب العرضية في ذلك وثالثها نضج الشاعرية وتمكنها من تصريف اشطار الأبيات على أشكال متنوعة وإنما يؤتاها الشاعر الموهوب حين تنضج تجربته في الشعر. ويمتلك دُربة واسعة بها تعمق الشاعرية وتخصب ولقد تلقاها «باجل» من منابعها فحق له الظفر. وقد غنى له العديد من الفنانين أبرزهم/الفنان/ حمدون علي هبيت، الفنانة/محاسن الكردي، الفنان/علي عبدالكريم الشميري والمنشد/محمد سعد جعدول وهناك في الديوان أوبريت موسوم ب «سر التوحد» يحكي نضال الشعب اليمني من أجل تحقيق وحدته منذ فترة مابعد الملكة بلقيس 950 ق م حتى التاريخ المعاصر في عهد الرئيس/علي عبدالله صالح حفظه الله كان تحقيقها على يده في 22 مايو 1990م. وختم ديوانه بقصيدة «كل امزخامه في بوأحمد»: كل امزخامة في بواحمد أصيل من نسل جده أسعد إيوه على عين من يحسد نديم من جالسه يسعد حكيم في جزره والمد حليم عواقبه تحمد شكيم كمسيل لاكدهد كم منجزات تنمية شيد كم ياطرق شق وكم أوجد صحه وتعليم وكمنَّ سد وأخيراً أيها القارئ العزيز قد أطلت وامللت ووقفت حاجزاً بينك وبين الاتصال بقصائد عبدالجبار نعمان باجل لتنعم بما تضمنته من اقاويل شعرية تفوح فناً وتشرق إبداعاً فمعذرة إليك ومحبة للشاعر باجل الذي علمني الكثير من ابجدية الحياة والادب وعذراً إن اخطات أو قصرت في هذه التناوله فما أنا إلاّ قارئ بسيط حاولت طرح شيء مما لمسته في «سفور الحبيب»!!