«سدرة آزال» باقة شعرية متعددة الأشكال والألوان للشاعر محمد نعمان الحكيمي، يبدو من خلالها الشاعر معتزاً بالكلمة، ومؤمناً بدورها في الحياة، لأن الحياة بدون الأديب فضاء جاهم حيث يقول في قصيدة «غياب»: وهل الحياة سوى فضاء جاهم يشقي النفوس ويقتل الألبابا مالم يكن فيض الأديب على المدى يجري فيملأ أفقها إعجابا ولأن الأمر كذلك، فإن القصيدة عند الشاعر الحكيمي تكاد أن تكون كل شيء في حياته والدليل على ذلك ثلاثة أمور: الأول: عشق الشاعر للشعر إلى درجة كبيرة، فأنت حينما تلتقي بالشاعر الحكيمي تجد جل حديثه عن الشعر، وتجده كثير الإنشاد لشعره وشعر غيره وتراه منتشياً عند الإنشاد وكأنه يقرأ صفحات من كتاب الغيب وعندما يمر بصورة شعرية جميلة أو معنى نادر يكاد أن يحلق بجناحين من سرور وإعجاب. والأمر الثاني: حب الشاعر للشعراء، فعندما يسمع الشاعر الحكيمي بشاعر ناشئ أو شاعر بعيد عن الأضواء، فسرعان مايعمل على تشجيعه أو إخراجه للضوء، فتجده يقطع المسافات البعيدة من أجل الوصول إلى شاعر، أو يعمل على استضافته في منزله، فيذكرك بعهد التدوين. والأمر الثالث: كثرة المفردات التي تدور في فلك الشعر في ديوانه، فكلمة الشعر ذاتها ترد في أول قصيدة في الديوان وبالتحديد في البيت الأول، بل هي الكلمة الثانية في البيت: يكون الشعر أشبه بالظلال إذا مالاح طيفك أو بدا لي وكلمة الشاعر تتردد في أكثر من قصيدة، ففي قصيدة «غياب» يقول: ياشاعر الحب الأصيل إلى متى تمضي بعزفك صامتاً منسابا ومفردة الأديب التي تضم في طيها الشاعر ترد في أكثر من موضع، كقوله في قصيدة «أحد أحد»: يا للقصيدة هل ترى بركانها يبقي على جسد الأديب الملهم والقصيدة من الكلمات المحببة لدى الشاعر الحكيمي، فقد ترى في القصيدة أكثر من مرة وفي أبيات متقاربة، أنظر إلى قوله في قصيدة «أحد أحد»: يا للقصيدة هل ترى بركانها يبقي على جسد الأديب الملهم الله يشهد أن كل جوانحي نزافة لعذاب طفل مسلم وأخال نازعة القصيدة أنطقت كل الضلوع وكل عضو أبكم الله من وهج القصيدة حينما أجد انبلاج مخاضها كالبلسم وكلمة القريض لها نصيب في الديوان، كقوله في قصيدة «خندريس الغيم»: لا أظن القريض أدرى بوجدي وحده الغيم بالمواجيد أخبر ومفردة الأبيات تحضر أيضاً، كقوله في قصيدة «ظلل»: تراودني الأبيات بالسبك ذاته وماكان ضر الشعر لوكان أجودا ولفظة القوافي أيضاً أثيرة لدى الشاعر كما في قصيدة «ظلل»: وتبقى القوافي منتهى حلم عاشق فلو لم يجد إلا القصيدة لافتدى بل إن الشاعر قد يذكر مفردتين من هذه المفردات في بيت واحد، كقوله في نفس القصيدة: وأي قريض يسعف الشاعر الفتى لينظم في الأحباب شعرا وينشدا وقد يذكر معظم هذه المفردات في قصيدة واحدة، كما في قصيدة «ظلل» حيث ذكر فيها الكلمات التالية: قصائد، قريض، الشاعر، شعر، الأبيات والقوافي. ذكرنا هذه المفردات على سبيل التمثيل؛ لأن الهدف من هذه السطور هو الإشارة وليس الاستقصاء. تلك هي الأمور الثلاثة التي تعد دليلاً على أن القصيدة هي الحياة عند شاعرنا. وللمرأة حضور ملفت للنظر في ديوان «سدرة آزال»، فإذا كانت تشكل نصف المجتمع فإنها تكاد تشكل نصف الديوان، وشاعرنا فنان في تعامله معها، فهو محب لها متفان في حبها، كما في قصيدة «سماهر»: وجدتك أنت كنز بني تميم وشمس شموسهم بدءاً وآخر تجدد في هواك ربيع عمري وغنت لي المقاصد والمصائر مكانك في صميم شفاف قلبي لغيرك ليس يصلح يا «سماهر» وهو معترف بإشغالها له عن البحر، بعد أن قطع المسافات الطويلة؛ من أجل الوصول إليه وليس إليها، وهذا الاعتراف في قصيدة «بدمع بنات ياتو»: تشغلني المرأة الفارهة عن البحر أليس هذا المقطع بقصيدة مكتملة؟! وهو مشفق عليها، ومتضامن معها، وطالب لخفض الجناح لها إذا كانت تستحق ذلك، كما في قصيدة «ناشئة الوفاق»: هون على القلب المتيم سيدي وارفق بنازعة الهوى المتجدد واخفض جناحك راضياً متوسلاً لمن اصطفتك بحبها المتفرد وهو ناصح لها ومرشد، أنظر إليه وهو يدعوها إلى التأني في قصيدة «لاتركبي الغيم». استقرئي الآن قبل الخوض في الآتي لاتركبي الغيم رجماً بالنبوءات خاصة وقد مزجت البن الحمادي بالصبابة: طَلَعْت لي من «بني حماد» عاشقة بالبن مازجة كأس الصبابات إن امتزاج البن بالحب إيذان بثورة غرامية لاتحمد عقباها،وهذا هو الذي جعل الشاعر ينصح «الحّماديّة» باستقراء الحاضر قبل الخوض في المستقبل،وبعدم ركوب الغيم رجماً بالنبوءات. وهو رافض لها إن كانت داعية إلى السقوط في الهاوية،كما في قصيدة «كرتين تفوتين»: قلت لك: لا اااااااا أشتهيك وليس بوسعي أن أطيق الملتقى العدني بكل تفاصيله «التمبل» و«الشيذر» و«المبخرة» الحمراء والسحر الممتد من رأس النجم حتى قاع «كريتر» وأحياناً يرفضها لكنه لايغلظ في رفضه، بل يرشدها إلى البحث عن آخر،كما في قصيدة «تراودني»: فأنشدها:ابحثي لك عن «غريم» يماثلك الصبابة أو يجانس ألم أقل إن الشاعر فنان في تعامله مع المرأة؟! ومما يلفت النظر في «سدرة أزال»،استخدام بعض المفردات والتراكيب العامية،وإيراد بعض الأمثال الشعبية،أوالإشارة إلى بعض الأمثال، ولسنا هنا بصدد تتبع واستقصاء تلك المفردات والتراكيب والأمثال،وسوف نكتفي بمثال واحد لكل واحد مما ذكرنا،فمن المفردات العامية مفردة «زقوة» في قصيدة «غياب» حيث يقول في معرض حديثه عن الأصدقاء: وعهدتم إما صديقا «زقوة» أو واعيا متزلفا نصابا ومن التراكيب العامية هذا التركيب الذي ورد في قصيدة «وماهي إلا المواجيد لك»: يهيمون شغلا وأنت لا «طه» «سعيدك مابوش مويشغلك» ومن الأمثال الشعبية ماورد في قصيدة «خندريس الغيم» حيث يقول: فلتدعهم على هواهم يهيموا «سرحة الجن يجزعوا مع ورور» وقد يشير إلى المثل الشعبي،كما في قصيدة «كرتين تفوتين»: أقول:كرتين تفوتين وماكان من «بسباس أمل» لوأشعلته على شفتين خاسرتين ياااااا «طير البلح»؟! فطير البلح إشارة إلى مثل شعبي يقصد به الشخص عديم الخيرين. وهناك أشياء أخرى في الديوان كانت بحاجة إلى التوقف عندها،لكن الكاتب آثر أن يكتفي بهذا القدر؛كيلا يشغل القارئ عن قراءة الديوان،وودع،الشاعر والديوان وهو يردد قول الشاعر الحكيمي: وتبقى القوافي منتهى حلم عاشق فلو لم يجد إلا القصيدة لافتدى