تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار هروب الطلاب من المدارس .. مما يؤثر سلباً على المستقبل التعليمي للطلاب بدورنا نتساءل من المسئول عن تفشي هذه الظاهرة.. هل الطالب أو المعلم، أو المدرسة، أو المنهج الدراسي، أو عدم متابعة أولياء الأمور لمعرفة الأسباب الحقيقية لتفشي تلك الظاهرة ومعرفة الحلول الممكنة لتلافيها مستقبلاً ؟ حاولنا طرح الموضوع على طاولة الحوار مع المختصين والطلاب وأولياء الأمور فتور العلاقة بين المعلم والطالب - البداية كانت مع الأستاذ أمين بجاش السروري حيث يقول : ثمة أسباب عديدة تؤدي إلى هروب الطلاب من المدارس نوجزها بالآتي: أولاً: الإدارة المدرسية: كثير من الإدارات المدرسية غير تربوية ولا علاقة لها بميدان التربية والتعليم.. فهناك إما الإفراط في العقاب والقسوة الشديدة التي تؤدي إلى هروب الطلاب وإما التفريط الشديد والتسيب في المتابعة.. كذلك غياب مبدأ الثواب في المدارس .. فأين جوائز الطلاب الأوائل والمبرزين والمبدعين والمشاركين في الأنشطة المدرسية. أيضاً ما يحدث من تمييز بين الطلاب وفقاً لمكانة آبائهم الاجتماعية مما يخلق تذمراً ونفوراً لبقية الطلبة.. أضف إلى ذلك غياب دور المشرف الاجتماعي الذي يفترض أن يكون مؤهلاً لتحمل هذا الدور. ثانياً : المعلم: للمعلم أيضاً يد في تأجيج هذه الظاهرة من خلال قسوته مع طلابه في العقوبة الجسدية أو استخدام ألفاظ غير أخلاقية. كذلك فتور العلاقة بين المعلم والطالب وعدم قدرة المعلمين على تبسيط المنهج وتذليله وتحبيبه للطلاب.. واعتمادالمعلم على الطريقة التقليدية في الإلقاء .. أيضاً إغفال مجاميع كبيرة من الطلاب أثناء شرح الدرس والتركيز على الأذكياء فقط. ثالثاً : البيئة المدرسية: حيث تفتقر مدارسنا إلى مؤهلات كثيرة تسهم في هروب الطلاب منها فمثلاً أين الملعب؟ أين المسبح؟ أين المكتبة ؟ أين الحديقة؟ أين المقاصف النظيفة؟ إذاً فمدارسنا أشبه بسجون فلا غرابة من هروب الطلاب منها. رابعاً الأسرة : هناك إهمال واضح من قبل الأسرة في متابعة أبنائها ،ويفترض أن تكون هناك علاقة وثيقة بين إدارة المدرسة وبين الأسرة لكي تستطيع كجهة أن تقوم بالدور المناط بها.. وأخيرآً أخشى أن يأتي اليوم الذي يهرب فيه المعلمون من مدارسهم. الخوف من المستقبل أما الآستاذ عبدالفتاح البذيجي .. يعتقد أن ظروف بعض الطلاب أحد الأسباب الرئيسية .. فهناك طلاب يحملون على عاتقهم جانباً من المسئولية قد تكون مسئولية شخصية وقد تكون أسرية ممايؤثر ذلك على عملية الانضباط والمتابعة. وأضاف يقول: للمعلم أيضاً دور كبير فبعضهم يمثل عقدة لدى الطالب لطريقة شرحه في الدرس أو لقسوته من خلال التعامل مع الطلاب وإما لانشغاله بأمور لا تمت بأي صلة للدرس.. وقد يكون المناخ العام في المدرسة غير ملائم للطالب أحيانآً يشعر بالنفور وعدم التأقلم.. والخوف من المستقبل المجهول لمسيرة التعليم في بلادنا. مختتماً حديثه بالقول: على الجهات المختصة تهيئة الأجواء المناسبة للمدارس وإحياء الأنشطة المدرسية والفعاليات حتى يستطيع الطالب التأقلم مع بيئة أكثر انفتاحاً. مطلوب بدائل أخرى - ويتساءل الأستاذ/ محمد الصبري عن مؤهلات المدارس فهي كما يقول أشبه بسجون.. نحن الأساتذة نشعر بالضيق والاكتئاب فما بالكم بالطلاب هل المدرسة لكي يصبح الطالب مثل الجهاز المشحون أو يفترض أن يؤهل تأهيلاً صحيحاً علمياً وثقافياً ورياضياً وفنياً.. حتى ينمي موهبته أو ربما يبدع ويصبح مميزاً.. إذاً لا توجد هناك بدائل ولا توجد وسائل ومنافذ أخرى يستطيع من خلالها الطالب حتى التنفس .. والشعور بمن حوله. تأثيرات جانبية وحول دور الجانب السلوكي للفرد في تأجيج تلك الظاهرة .. يؤكد الأستاذ محمد عبدالرحمن أستاذ علم النفس: أن للسلوك دوراً بارزاً في تلك الظاهرة من خلال التأثيرات الجانبية المحيطة بالفرد.. والتي تؤثر بشكل مباشر على الشخصية فمثلاً الشخص الطبيعي من الناحية السلوكية قد لا يقدم على ممارسة ذلك الأسلوب الذي لا ينطبق على مميزاته الأخلاقية.. بعكس الشخص الذي يعاني انهياراً أخلاقياً يؤثر سلباً على سلوكياته تجعله يتصرف بطرق وآساليب خاطئة معتقداً أن ذلك التصرف يلبي رغباته الجامحة. سجون طلابية ويشخص الأستاذ عبدالعزيز القاضي أستاذ علم الاجتماع تزايد انتشار ظاهرة هروب الطلاب من المدارس بعدم توفر أنشطة مدرسية داخل المدرسة.. للأسف تحولت بعض المدارس إلى سجون للطلاب.. فالمدرسة يفترض أن تمارس فيها العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية والمهنية لتكون مثل صقل أولي للطالب يستطيع من خلالها اكتشاف موهبته أو توجهه في المستقبل القريب .. تلك العوامل وغيرها تجعل الطالب يتمرد بسهولة عن السور أو الحاجز الذي وضع بداخله باحثاً عما يشبع رغباته وميوله الذاتية لذلك غياب الأنشطة المدرسية عن معظم المدارس أمر مؤسف جداً تنبغي على الجهات المختصة إعادة النظر في هذا الجانب لخلق مناخ ملائم للطالب يستطيع من خلاله التأقلم مع المناخ داخل الحرم المدرسي. شهادات النجاح - الأستاذ/ محمود أحمد خالد.. وكيل مدرسة الشعب الثانوية : يعتقد أن من أسباب تفشي ظاهرة هروب الطلاب من المدارس هو الظروف المعيشية الصعبة التي تجبر بعض الطلاب للهروب من المدرسة بغية الحصول على مصاريف تلبي مطالبه وربما مطالب أسرته. ويضيف: للأسف الشديد نجد أن بعض إدارات المدارس تمنح بعض الطلاب شهادات النجاح آخر العام.. بمقابل مادي وبالتالي لاداعي لأن يفكر الطالب بالدراسة والانضباط مادامت طرق وسائل النجاح ممكنة بتوفر المال.. للأسف العملية التعليمية بتدهور مستمر إذ ليس هناك متابعة مستمرة من الجهات المختصة ومن أولياء الأمور. أضف إلى ذلك مايمثله المنهج الدراسي من عقدة لدى الطالب من حيث الفهم والاستيعاب فعلى الوزارة المعنية إعادة النظرفي ذلك بدلاً من إضاعة الوقت وجعل الطالب مثل حقل تجارب لسياسة تعليمية عقيمة داعياً في ختام حديثه تحمل كل جهة مسئولياتها تجاه كل ما يضر بمستقبل العملية التعليمية. عدم تعاون أولياء الأمور - ويعترف وكيل مدرسة ناصر الأستاذ خالد أسعد: بوجود تلك الظاهرة بالمدرسة ولكن ليس بالصورة المقلقة ويشخص أسبابها إلى عدم تعاون بعض الأساتذة مع إدارة المدرسة في جانب الحزم والانضباط والمتابعة.. لأن الأستاذ بإمكانه أن يلعب دوراً بارزآً في هذا الجانب.. ويواصل حديثه بعدم تعاون أولياء الأمور مع المدرسة في إطار متابعة أبنائهم أولاً فأولاً حتى يتم تلافي مثل تلك الظاهرة. وحول اتهام أولياء الأمور لإدارات المدارس بالتسيب وعدم فرض النظام أفاد بأن عدم تعاون أولياء الأمور مع المدرسة هو أحد الأسباب الرئيسية في تفشي تلك الظاهرة .. تمر السنة لم نسمع بحضور أحد من أولياء الأمور إلا في حالات استثنائية نحن كما تعلم في مجتمع نسبة الأمية فيه مرتفعة وخاصة عند الآباء والأمهات وبالتالي يؤثر هذا الجانب على عملية المتابعة والاهتمام من قبل الأسرة. توجهت إلى مدرسة الشعب بتعز.. المدرسة التي كنت في يوم ما أحد طلابها.. أجدني اليوم زائراً لها بحثاً عن الحقيقة الغائبة. التاسعة صباحاً ومجاميع من الطلاب مازالوا خارج المدرسة.. سألت أحدهم عن سبب وجوده خارج المدرسة في وقت الدوام..؟ أجاب : أن لانية له للدراسة وبأسلوب يائس أفاد: ندرس ونخرج للشارع. مكانة التعليم - أما بسام عبدالخالق فيقول: شخصياً أشعر بالاكنئاب داخل المدرسة أحياناً يكون السبب هو الأستاذ بطريقة شرحه للمادة وأحيانآً ينشغل بأشياء أخرى لا تخص موضوع الدرس بشيء ..كل غرضه هو كيف تنتهي الحصة.. فالأستاذ إما أن يكون عامل جذب ومساعداً للطالب وإما أن يصبح أحد وسائل النفور. للأسف لم يعد للتعليم مكانته .. لا أحد يسمعك إذا صرخت أو اعترضت على شيء الإجابة ستكون أنت تعلم المعلم.. أتمنى أن تعود هيبة التعليم وقيمته. مبررات وهمية - ويختلف رمزي محمد علي بالرأي حيث يقول: نحن الذين نهرب من المدرسة لأنه لايوجد من يتابعنا ويسأل علينا.. وأضاف متسائلاً لماذا بقية الطلاب يدرسون بانضباط وبدون الهروب من المدرسة؟ هل المنهج يختلف عما ندرسه نحن؟ هل الأستاذ مختلف أيضاً؟ دائماً العجز يولد المبررات.. صحيح قد تكون هناك أسباب وراء تفشي تلك الظاهرة إلاأنه في الأخير الخاسر الوحيد هو الطالب. ويرى أنس ذياب.. أن أصدقاء السوء هم الذين يؤثرون على الطالب وعلى مستقبله التعليمي.. أنا الآن في المرحلة الثانوية لا أذكر أنني هربت من المدرسة.. هناك طلاب يضطرون لترك الحصة إمابسبب ظروفهم الصعبة ويخرجون للعمل وإما لغرض اللعب في الشوارع وأماكن التسلية. العلة عند الأولاد - ولأن أحد أسباب هذه الظاهرة هو عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم ارتأينا أن نأخذ بعضاً من آرائهم يقول محمد أحمد حيدر: لدي أولاد وبنات ملتحقون بالمدارس .. كنت دائماً أتذمر من هروب الأولاد من المدرسة ... عندما أسألهم كانوا يتعللون بأسباب عديدة وغير منطقية.. كنت أتساءل بيني وبين نفسي لماذا البنت تواظب على دراستها بعكس إخوانها؟ هل الدراسة في مدارس البنات تختلف عن الدراسة في مدارس الأولاد؟ ذهبت إلى المدرسة فوجدت أن مدة الغياب قد تجاوزت الحد المعقول وأن الإدارة قد طلبت حضوري لكن لم يقم أحد بإبلاغي فعرفت أن العلة هي عند الأبناء لعدم رغبتهم في مواصلة الدراسة.. لدرجة أنني يئست في إقناعهم.. وأضاف متسائلاً هل أجبرهم على مواصلة الدراسة مادام ليس لديهم استعداد؟ مسئولية الجهات المختصة أما الحاج عبدالله القرشي .. فيحمل إدارات المدارس المسئولية حيث يقول لماذا نجد الانضباط والمتابعة حاضرة في مدارس البنات وتكاد شبه معدومة في مدارس البنين؟ على مكتب التربية متابعة ما يحدث في المدارس أولاً فأولاً.. وتغيير الإدارات التي مضى عليها فترة من الزمن وأضحت غير قادرة على تحمل مسئولياتها بالشكل المطلوب.. فهناك العديد من القامات التربوية المشهود لها بالنزاهة والكفاءة إلاأنها خارج نطاق الخدمة.. أين الدور الإشرافي لمكتب التربية والتعليم؟ وأين دور المجلس المحلي بالمحافظة والمديرية؟ فالمسئولية هنا تقع على الجميع لاحتواء تلك الظاهرة وحتى لا يصاب المستقبل التعلبيمي بشلل تام. غياب دور الأسرة أما سعيد محمد علي فيعتقد أن هناك إهمالاً كبيرآً من قبل أولياء الأمور في متابعة أبنائهم.. فالكثيرون منا منشغلون بأعمالهم اليومية.. التي تجبرهم على عدم التفكير بمتابعة الأبناء ومستقبلهم التعليمي شخصياً لدي خمسة أبناء وثلاث بنات الحمد لله يدرسون بالمدارس ونتائجهم كلها مطمئنة إلى حد كبير.. لم أر أي منهم يشكو دراسته بل هناك اهتمام واضح من قبلهم .. أتمنى من الآباء والأمهات تخصيص ولو يوم واحد لمتابعة أبنائهم وحل مشاكلهم. - ختاماً نقول: ربما من الصعب تغيير مفاهيم خاطئة ترعرعت مع الزمن في نفوسنا .. وباتت تمثل جدارآً مانعاً أمام أي تداخلات افتراضية .. فرضتها تداعايات المرحلة.. فمثلت عتمة قاتمة بددت معها كافة ثقوب النور المتلألئة في ثنايا الروح.. وبات من الطبيعي أن نستسلم بسهولة لتلك الهواجس التي تجسدت ومثلت عائقاً أمام أي تفكير ثانوي. فمع تطور العلم.. واتساع رقعة التعليم أصبحت المشاكل تحل والمعوقات تذلل فالعقول تفكر والأيادي تبدع.. فالمسئولية بمدلولها الإيدلوجي تتطلب جهداً وحرصاً كبيراً ونظرة لدقة مفهومها وخطورة أبعادها إذا أسيء تسخيرها في الطريق الصحيح.. فظاهرة هروب الطلاب من المدارس بحاجة إلى وقفة جادة من الجهات المختصة وتعاون مثمر من قبل الجميع.