ولاشك ومن منظور عين المرأة أن تدبيرها لشؤون منزلها أوفر بركة من أي عمل آخر يقوم به زوجها، ثم ومن زاوية أخرى فإن الرجل الزوج وفي نظر الزوجة لايمكن ان يؤتمن عليه بعيداً عن داره واولاده، فما بالك وسفره إلى عدن المدينة المفتوحة.. ولهذا قال المثل على لسان المرأة: على جانب الطريق تعبر الحافلة على مضض كلمات من الركاب لتغير روتين الحياة المملة، الجميع متجه نحو منطقة البساتين.. نعم انهم ذاهبون إليها فقد كان في السابق لايستطيع احد أن ينطق باسمها لما حملته من ذاكرة متعرية اليوم صارت تحتل اسماً اخر يفتخر به فلم يعد الخوف من نطق اسمها يضر بأحد، لحظات فقط لتصل الحافلة إلى سوق البساتين ولتقف في محطة بدأت أشبه بالمقبرة لأن الهدوء يعمها من كل جانب إلا من همسات يتبادلها المارون ويتحدثون لغة اخرى غير اللغة العربية. ماذا هناك ؟ للوهلة الأولى يجد القادم نفسه في حي مليئ بالبؤس أناس من الصومال بل انك تذهل حين لا تجد أمامك الاَّ أعداداً قليلة من اليمنيين القادميين من المحافظات المختلفه بحركة متواصلة كل شيء اشبه بخلية نحل الجميع يعمل بهدوء اصوات تعلو. لغة غير العربية تحتضنك وانت إذا لم تكن تجيد لغتهم حاول الصمت وإن حالفك الحظ في احدهم ليتحدث إليك بلغتك فأنت محظوظ .. اشياء كثيرة كانت موجودة في سوقهم المتواضع ، اناس يتلهفون على رزقهم كيفما كان اشياء متواجدة فجميع ما انت تريده موجود ماعليك إلا أن تفتح حقيبتك لتقديم النقود كل شيء يدل على بساطة الناس هناك.. أناس ياتون من خارج المنطقة ليبتاعوا مايريدونه من ذلك السوق الذي اشتهرت ببضاعة غير موجودة في الاسواق الأخرى وكذلك تتميز هذه البضاعة برخصها اللامعقول فالبحث عن اليمنيين ستجدهم في الصباح يمارسون طقوسات الشراء هناك رغم الأسواق العدنية الأخرى إلا أنهم لايتهاونون في زيارة سوق البساتين والتبضع منه فالقادم إلى هذا السوق يشعر انها مجرد جزيرة بل بلاد أخرى غير اليمن. دهول هادئ صابر قائد نعمان بائع الخضار للوهلة الأولى تعتقده أنه من خارج الحي المشحون بالشجن ولكنه يعبر عن نفسه بأن قادم فقط للبيع في السوق فتركناه يتحدث بنفسه عن سوق البساتين فقال سوق البساتين متواضع حد البساطة التي تتعجبون منها فحركة الشراء اليومية منذ بداية اليوم، ويوم عليك ويوم لك فأنا هنا أربع سنوات أبيع في هذا السوق الهادىء الذي يظهر بساطة اناس يعيشون بتعاون وهدوء بينهم خلال هذه السنوات جعلتني اسعد بأناس مثلهم فالجميع هنا يعمل ويعمل ليكسب قوته إلا أن الفقر يوجد في كل منزل. على قارعة الطريق هناك في ذلك الجانب الآخر من السوق تجلس آمنة مع تلك المجموعة من المقارم تمارس مهنتها اليومية دون شغب بل أنها تترزق على وجودها في عدن آمنة تزوجت من رجل تركها ورحل وهاهي اليوم تتحمل مسؤولية خمسة أولاد تؤكلهم من بيع المقارم منذ سنوات فالمشاكل التي تعاني منها في السوق لايضايقها الإَّ كلامها العربي المكسر تقول لنا: الحمدلله السوق لايوجد به اية مشاكل ولكن مشكلتي التي اعاني منها هي الفقر الذي يحاصرني من كل جانب فحياتي معلقة من دون رجل يأخذ معي مسؤولية الحياة القاسية في بلاد ليست بلادي واناس ليسوا بأناسي فالبنت الكبرى من بناتي عمرها 16 عاماً لاتعمل ولاتدرس بل انا التي أعمل لكي اكسب قوتي فأولادي الباقون صغاراً ولايتعلمون ولم تخطوا أقدامهم المدارس فالدخل الذي اجده يعول المصرف اليومي.. هذا ما تجده وتعانيه كل شيء يتعبها الفقر الجوع الذي صار يدخل في اعماق منزلها البسيط انها تحارب لأجل البقاء والبقاء هو همها الأول والأخير والطعام لخمسة أولاد في حجرها.. في المساء تلملم أمنة ذلك المفرش الصغير لتعود في صباح الغد حاملة معها هماً آخر من هموم الحياة. صور أخرى غير آمنة كثيرات توسدن الأرض وافترشنها لكي يكسبن قوتهن، جوهرة لم تكن بعيدة عن مثيلتها آمنة فهي تبيع في كشكها الصغير الذي بنته من الخشب لتبيع السمك المجفف بكل فخر لايندهش احد لماذا كشكها مزدحم بالزبائن فهي استطاعت أن تأسر الجميع بحديثها الجميل عن الحياة في الصومال والحياة في عدن لهذا الزبائن يحاولون البحث عن ذكرياتهم من خلال صوتها الذي يسرد افراحهم السابقة قبل أن يغادروا وطنهم ويأتون إلى مدينة عدن. على الهواء صديق كان يعمل بنشاط يجيد عمل المكرونة منذ أن حضر إلى عدن وهو يزاول هذه المهنة لايخجل منها لانها مصدر رزقه اثنى عشر عاماً وصديق يزاول هذه المهنة في سوق البساتين فمنزله قريب من ذلك المحل الخشبي الذي نصبه على مضض ليكسب قوته.. فالجميع في البساتين يعمل ويعمل ولاعيب يمنعهم، المرأة لها نصيبها في هذا المكان المكلل بالجهد.. والذي يدخل السوق يجده يختلف عن اسواق اليمن.. نعم اليمن وخصوصاً عدن ماتزال مدينة مفتوحة تستقبل الآف الاجناس كما كان لهؤلاء الصومال الذين جاءوا يعملون منذ سنين إلى مدينة عدن. هامش آخر نعمة كانت رفيقتنا في تلك الجولة إلي هذه المنطقة تترجم ما يستعصي علينا من لغة هؤلاء الصوماليين تروي نعمة هامشها الآخر عن هؤلاء الأشخاص الذين يحملون معاناة اللحظة واليوم تقول بكل الم الناس هنا عاديون جداً ابواب منازلهم مفتوحة لكل محتاج الرحمة تسكنهم فلا حقد يدخل قلوبهم أو غل. الجميع يساعد الآخر فإذا حدثت أية مشكلة لفرد فإن جميع الجيران يقفون لجانب بعض فالحنان هو السائد في قلوبهم رغم أن سكان عدن لايعترفون بهم ابداً.. هم يحاولون البحث عن حق البقاء بهدوء .. تواصل نعمة حديثها قائلة: في عدن الصوماليون بالنسبة لهم اجناس أخرى عنهم برغم أن اغلبية الصوماليين هم من اليمن ولكن لا أحد يعترف بهذا اخبرك عن نفسي أنا ولدت في اليمن ولدي شهادة ميلاد يمنية ولكنني تربيت في الصومال وكنا في الصومال يعاملوننا على أننا أغراب بنا فلم نجد إلا الرفض نعم هذا الوطن يرفضنا لايعترف بنا وبوجودنا وانتمائنا لم يسمحوا لنا بدخول المدرسة على أننا يمنيون بل على أننا صوماليون.. حتى عندما نريد أن نخرج بطاقة شخصية فإننا نواجه صعوبات كثيرة. مساعدة أخرى إحدى الاخوات تقول عن سكان البساتين وتروي موقفاً حدث لها قائلة العيش في حي البساتين شرف كبير فنحن هنا نعيش على قدرنا وكل واحد يعمل لأجل أن يكسب قوته ولكننا نكسب بشرفنا وأنا فخورة أنني اعيش بين هؤلاء الناس فقد حصلت لي حادثة وهي لقد احترق مطبخي وقد حضر الجيران واطفاؤا الحريق وعندما اطفاؤا الحريق وجدت أن كل شيء في المطبخ قد صار رماداً ولكن الجيران تكفلوا بكل شيء وعوضوني فهل بهذا الزمن اناس كهؤلاء برغم انهم بسيطون وحالهم يرحم فكل واحد لايملك إلا قوت يومه فقط ولكن الرحمة ماتزال في قلوبهم. لقاء عابر عندما كنا نلتقي بأناس ذلك الحي والذي كان معظم ساكنيه من العدنيين ولكنهم صاروا يتحدثون اللغة الصومالية بسبب احتكاكهم بالمجموعة التي جاءت من الصومال ليصيروا بعد ذلك محسوبين من بلاد الصومال اليمنيين .. فهل اللون الأسود صار محسوباً من بلاد الصومال كل من جاء وسكن في منطقة البساتين هذا ما يعتقده سكان حي البساتين ولكن هناك مشكلة يعاني منها الحي وسكانيه وهي امر انتقالهم إلى السوق الجديد نعم هناك سوق نظيف ومرتب تم افتتاحه من قبل المحافظ قبل اشهر وجيزة ولكن معظم البائعين يرفضون الدخول إليه كنا قد ذهبنا إلى السوق وسألنا الحارس صائب حسين والذي قال يقولون إن الايجار الذي قلنا لهم عليه أنه غال ونحن قلنا لهم سوف نضع لهم 300 ريال ايجار اليوم إلا أنهم رفضوا وبعد ذلك اتفقنا على أن نخفض لهم قيمة الايجار إلى 150 ريالاً وقد وضعنا لهم شهراً أو شهرين مجاناً ولكنهم غير راضيين على دخول السوق الجديد إلا امرأة واحدة وقد حصلت من قبل المحافظ عندما جاء وافتتح السوق على ايجار لمدة سنة ولكنها مرضت ولها مدة لاتحضر وقد كانت تعمل في السوق وقد تم افتتاح السوق اكثر من شهر ونصف وقد قلنا لهم ادخلوا السوق ولكنهم غير مصدقين أننا خفضنا لهم قيمة الايجار إلى 150 ريالاً وقلنا لهم تعالوا اعملوا مجاناً لانريد الآن منكم ايجاراً إذا رأيتم العمل هنا يناسبكم أولاً وبعد ذلك ادفعوا الايجار ولكنهم رفضوا. قضية إذا كان البائعون في السوق سيستمرون في الرفض فإن الأمراض ستنتشر لأن كثيراً من السكان صاروا يستشعرون بحجم المخلفات التي تكون في المساء بعدما تخف حركة الشراء ولكنهم ينتظرون هل سيتغير الوضع أم سيستمر على ماهو عليه فلقد صارت المخلفات تعيق الحركة في الحي لهذا كانت الفكرة لعمل سوق منظم من قبل المحافظة إلا أن البائعين يرفضون ترك تلك الاكشاك الخشبية والانتقال إلى السوق النظيف والمرتب الذي يبعد عن المنازل حتى تكون هناك نظافة تامة ولاتسبب المخلفات أي امراض. في الطرف الآخر اغلقنا الصفحات على عجل وتركنا البؤس كما هو مآس وآهات تزفر، امراض جمة أحلام مبعثرة هنا وهناك ، فهذا الحي لايذكر إلا بالسوء ولكن الآهات والمآسي فيه أكبر من حجم المساحة التي تحتضن تلك المنازل التي تبعثرت هنا وهناك وبطريقة غير متناسفة.. تركنا الحي لنصعد الحافلة لنفتح كل آلام من هناك ومن لم نلامس آلامة لنكتبها على هذه السطور ولكننا استوقفتنا احدى الاخوات وتدعى مارينا.. نعم مارينا تبلغ من العمر 20 عاماً كانت تاركة الحي لتذهب إلى منطقة الشيخ عثمان سألناها ماذا تعملين اجابت امد يدي للخلق لكي يتحسنون علي.. جوانب اخرى غائبة هناك من يقول إن الصوماليين يتطاولون على اشياء وممتلكات الاخرين فهل هذا صحيح ؟ إن كان صحيحاً كيف يتم التعامل معهم.. احدهم يقول لا رحمة عند اليمنيين فهل فهمنا قضية هؤلاء السكان الوافدين إلى المدينة. زاوية توشك الشمس أن تغرب على ذلك الحي والآهات ماتزال تسمع ولكن لا احد يستطيع إزالة الآهة عن الجميع إلا من رحم ربي هناك قضية تعج بالصمت فهل هناك حديث حول هذا الآلم الذي ينتظر أناساً جاءوا وافدين الى اليمن.