أجزم أننا لن نجد إجابات للسؤال اليمني »ماسبب تخلفنا العلمي وسنظل نعجن ونعجن أعواماً وأعواماً.. نبحث فيها عن إجابات.. وسيظل ذلك السؤال فاغراً فاه.. إذا لم نضع حداً لجريمة »الغش المنظم« داخل البلد. بالتأكيد، الوطن العربي فيه أمية، وفيه تخلف، وفيه غش، لكن اليمن تعيش خصوصية متفردة في الغش بشكل عام والتعليمي بشكل خاص. وهو أمر لاتخطئه عين مراقب ولاينكره خبير تربوي فإلى جانب أن التعليم لايتناسق في مبانيه ومقومات المدارس الحديثة، يستوي في ذلك (الحكومي والأهلي).. وإضافة إلى أن توصيات الندوات التعليمية وقرارات المؤتمرات التربوية حبيسة أدراج وزارة التربية ومكاتبها.. فإن الغش التعليمي بهذه الصورة الفاضحة والمشينة داخل المراكز الامتحانية سيظل ينخر كالسوس في جسمنا التعليمي معمقاً الأمية والتخلف في أجيالنا الحاضرة والمستقبلية. عندما نقول إن هناك غشاً منظماً، فنحن نعي مانقول فالاختبارات الموحدة للصفين: التاسع والثالث الثانوي تسير بشكل متوازٍ مع غش محميِ مجتمعياً ونخبوياً وبشكل فاضح يصل في بعض الأماكن حد طرد «نزهاء المراقبين» وحل الاختبارات وطبعها وبيعها داخل قاعات الامتحانات. مشكلة الغش لدينا أنه أضحى (ثقافة وعلماً وحقاً)، ثقافة تسود الشارع العادي والثقافي، سلوكاً يومياً؛ انتصاراً لشعار »دبر حالك.. خليك شاطر«، وفي كل مكان أصبح الذي يلف ويدور ويغش، في البيت، في المدرسة، في الشارع، وحتى في السياسة والثقافة.. »رجالاً وسبعاً«.. والغش أيضاً أصبح علماً، فالمناهج التعليمية تقول للطلاب إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: »من غشنا فليس منا«، إنما يقصد الغش التجاري فقط.. وهذا الكلام موجود بالنص في منهج طلاب الصف التاسع الذين يمتحنون اليوم بهذه الثقافة، ولذا تراهم يتفننون في »تحديث طرق« الغش بصور تكنولولوجية موقنين أن ذلك ليس حراماً شرعاً. ووصل الأمر إلى أن الغش حق من حقوق الطالب سيدافع عنه بالدم، بالاعتداء على المراقب الذي يريد أداء الواجب الوطني، فيمنع الغش، نعم الغش حق للطالب، تحميه بعض الأسر، تناصره ثقافة الناس وتعاضده خيانة بعض المدرسين المراقبين من أجل بضع مئات أو آلاف الريالات. وعندما يصبح الغش (ثقافة وعلماً حقاً) لن تفلح جهود الدولة ممثلة بالتربية والسلطات المحلية وإدارات الأمن في محاربة الغش... لأن هناك بالمقابل جهوداً مضادة من بعض رجال السلطة المحلية وضباط الأمن ومشائخ وأعيان وبدرجة عضو مجلس نيابي .. ينزلون كالمظليين ميدانياً لإنقاذ أقربائهم من فشل محتمل بوجود مراقب عفيف أو لجنة نزيهة.. ثم بعد ذلك نولول من عنف بعض الطلاب الذين ليس لهم عضو مجلس محلي ولانيابي مع احترامي للضمائر الحية. في ظل هذا الوضع فإني أدعو لإصدار قرار وطني لإلغاء اختبارات المراحل (التاسع الأساسي والثالث الثانوي). القرار وحده سيحفظ المال الوطني المهدر بما لايجدي والاستفادة منه لصالح قنوات تعليمية خصوصاً وأن الغش في اختبارات النقل أقل خطراً وانتشاراً.. أضع الدعوة بين يدي دولة رئيس الوزراء ومعالي وزير التربية.. مع خالص التحية.