رحل عنا المطرب الكبير والإنسان المكافح واليمني الغيور مجدد التراث الغنائي محمد حمود الحارثي ذلك الرجل الذي أفنى حياته من أجل اسعاد الآخرين ، ادخل البهجة والسرور إلى كل قلب ظل طوال سنوات حياته يبحث عن التراث الغنائي الشعبي وقدمه إلى الجماهير في صورة رائعة ألحاناً وغناءً فقد نهج نهج السيد درويش واشتهر المرحوم الحارثي غنائياً بعد جهاد طويل ومرير ومضنٍ وليعلم الجميع بأن المطربين في الماضي كانوا يحاربون ولايجدون من يدعمهم أو يقدم لهم المساعدة اشتهروا بامكاناتهم الذاتية وذاقوا اصناف العذاب في حياتهم المعيشية ، وقد عرفت المرحوم محمد حمود الحارثي بعد عودتي من الدراسة العليا في القاهرة في أواخر عام 64م موظفاً في مكتب الاذاعة وبجانبه الأخ يحيى الشمسي وهما فقط اللذان يعدان جدول الفترات التي تبث الاذاعة فيها البرامج والاغاني في الصباح والظهيرة والمساء وقد عملت في الاذاعة وفي جريدة الثورة فور وصولي من القاهرة وتعاملت مع الزميل المرحوم محمد حمود الحارثي إذا سند إليّ تقديم برامج يومية مثل صوت الشعب ، وجولة المكرفون ورأي مواطن وبرامج اسبوعية مثل نسهر معاً ، وبين اسرة الشفاء ، وعادات وتقاليد ومن التلفون إلى المكرفون. وكان المرحوم يختار لي الأشرطة السليمة للتسجيل عليها بعد تسليمه لاذن التسجيل وهو موافقة إدارة البرامج كما يجهز لي الفواصل والاغاني التي نحتاجها في البرامج وكان احياناً يختار لي شعار البرامج لأنه ذواق ومتذوق وأي شعار يختاره يجد قبولاً عند المستمعين وكانت البرامج التي اقدمها متميزة بمضامينها وبشعاراتها وعندما انتدب لحضور احتفالات أو مؤتمرات في الداخل أو الخارج اقوم بتسجيل الحلقات مسبقاً واجهزها وأطلب منه أن يدرجها ضمن الجداول وكان يفعل وأحياناً ارسل إليه بأشرطة مسجل عليها مقابلات وكان يشرف على المنتجة هو والزميل المرحوم عبدالله بن علي السرحي الذي انتقل إلى جوار ربه قبل أيام من رحيل العزيز المرحوم محمد حمود الحارثي ، كما تعاون معي المرحوم الحارثي عندما اشرفت على البث التجريبي للاذاعة الجديدة في الحصبة وقد عمل معي باخلاص وكان يستضيف الفنانين المطربين لنجري معهم مقابلات على الهواء ، وكان يهتم بالناشئين والأصوات الجديدة ، وكان يسهم أيضاً في المقابلات وكان مدرسة غنائية تخرج منها الكثير حتى أنه كان يعزف بعوده مع أي فنان ناشئ مجرد من الانانية والغرور وهو من ضمن أوائل المطربين اليمنيين الكبار ، متميز في عزفه على العود وما أشد إعجاب الراقصين بعزف الحارثي ودقات عوده ويملك حنجرة ذهبية كما أنه في بعض الأغاني المطولة ينفرد هو وحده بأدائها ولا يستطيع أي مطرب أن يؤديها عزفاً وغناءً مثل الحارثي يوم رحيله واذكر هنا بأنه لقى تشجيع كبير عندما ذهبنا إلى السعودية لإحياء الاسبوع الثقافي الأول وقد شرف اليمن بأغانيه واحب هنا أن اذكر موقفاً معه عندما احتفلت بأول زواج لي ارسلت إليه شقيقي علي وطلبت منه أن يحضر الزفاف وبالفعل ذهب أخي إلى منزله في حارة عابدين والتقى به وأبلغه طلبي ورحب ولكنه همس في اذن اخي وبحياء وقال للأسف العود حقي مرهون عند الوزيزه بخمسمائة ريال ، وعاد أخي وأبلغني فأعطيته المبلغ وذهبا سوياً إلى عند الوزيزة ودكانها في سوق البقر وأخذ العود واصطحبه شقيقي إلى منزلنا ونفس اليوم هو يوم الزفاف وقد تناول طعام الغداء معنا ولم يغادرنا إلا بعد انصراف المعازيم بينما كان هناك مطربون حضروا الزفاف مثل الفنان فرسان خليفة وأحمد أحمد السنيدار ومحمد أحمد الخميسي والثلاثي الكوكباني ورشيد الحربي ومحرم والحرازي وعلي حسين حنش وأحمد تكرير مع فرقته الموسيقية وكانت امنيتي أن يحضر المطرب الكبير زفاف أصغر أولادي وهو الولد عبدالله عبدالكريم الذي سنحتفل به إنشاء الله يوم 2/8/2007م لا ليغني وإنما يحضر كسائر المعازيم الذين سيشاركوننا في هذه الفرحة لكن القدر فارق بيننا وبينه كما لا أنسى صحبته عندما قمنا بجوله في المعسكرات العسكرية ومعنا مجموعة من الفنانين والراقصين وقد استمتعوا الضباط والجنود بغناء الفنان الحارثي والمعطري وقد شملت الجولة جميع المعسكرات من كمران إلى المخا إلى البيضاء عزائي لأنجاله عبدالغني وعبدالباسط وجميع افراد أسرته وزملائه المطربين والمطربات الذين يذرفون الدموع عليه وعيوننا إلى الآن تنهمر دموعاً كالمطر حزناً على الراحل المطرب الكبير فنان الشعب محمد حمود الحارثي أسكنه الله فسيح جناته إنا لله وإنا إليه راجعون.