توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    الخدمة المدنية توقف مرتبات الموظفين غير المطابقين أو مزدوجي الوظيفة بدءا من نوفمبر    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تُنظم فعالية خطابية وتكريمية بذكرى سنوية الشهيد    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»محمد« سفير الله إلى الخلق...وصلاته بالأنبياء دلالة على انتقال القيادة إليه
الإسراء والمعراج تذكّر المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصى ، لمنع تهويده وتدنيس مقدساته
نشر في الجمهورية يوم 10 - 08 - 2007


قضية الجمعة:
الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله «صلى الله عليه وسلم » من مكة إلى القدس،من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..رحلة أرضية ليلية.
والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء ،من القدس إلى السموات العلا،إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل،إلى سدرة المنتهى ،إلى حيث يعلم الله عز وجل.
هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته «صلى الله عليه وسلم» وفي مسيرة دعوته في مكة،بعد أن قاسى ماقاسى وعانى ماعانى من قريش،ثم قال:
لعلي أجد أرضاً أخصب من هذه الأرض عند ثقيف،عند أهل الطائف،فوجد منهم مالاتحمد عقباه ،ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه «صلى الله عليه وسلم» ،ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه.
هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة ،الإسراء والمعراج،ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى ،تعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عزوجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء،إذا كان هؤلاء الناس قد صدوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك،ويتخذونك إماماً لهم ،كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول «صلى الله عليه وسلم» منه عزوجل وتهيئة له للمرحلة القادمة فإنه سيواجه «صلى الله عليه وسلم» العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة،ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية،الجبهة الوثنية في جزيرة العرب،والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة التي لاترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية،والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.
كان لابد أن يتهيأ «صلى الله عليه وسلم» لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات،بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة،فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء..
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق ،محمداً «صلى الله عليه وسلم» ليسري به من المسجد الحرام .ثم يعرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم،هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً.
هي معراج لكل مسلم،إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا ،فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ماشاء الله عزوجل ،بواسطة الصلاة.
قيادة جديدة
ثم لابد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،لماذا لم يعرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية،المرور ببيت المقدس،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،المرور بالمسجد الأقصى كان مقصوداً ،والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في بيت المقدس،وأنه أمَّهم،هذا له معناه ودلالته ،أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة ،إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه،هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس،رحمة للعالمين،ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان،فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة،التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذاناً بانتقال القيادة...القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.
مصير واحد
ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء ،والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان،المسجد الحرام والمسجد الأقصى ،وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله «الذي باركنا حوله» وصف الله هذا المسجد بالبركة وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة ،في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها،حتى لايفرطوا في أحد المسجدين، لأن من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام،المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج ،والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن،حينما فرضت الصلاة،كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس،كان بيت المقدس قبلتهم ،ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة،صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس،كان قبلة المسلمين الأولى،فهو القبلة الأولى،وهو أرض الإسراء والمعراج،وهو المسجد الذي لاتشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي،وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.
هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم،وفي عقيدتهم وفي حياتهم،ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.
المكان لا المبنى
إن المسجد الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد،كان هناك مكان للمسجد،كما قال تعالى «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» فقوله «إلى المسجد الأقصى» بشارة بأن المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز،ومعنى هذا أن الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية،كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع،وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى ،وقد كان..
دخل المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» رفض بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين،أبى أن يسلمها للقادة العسكريين ،قال: أريد الخليفة بنفسه،وجاء عمر في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة،وكتب عهداً الذي يسمى "العهدة العمرية» عهداً لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه ،وشرط اشترطوه ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود.
وحينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة 135ميلادية الوجود اليهودي تماماً؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود أو من الاسرائيليين إنما أخذوها من الرومان،وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين،وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من 25 قرناً،سنة 648قبل الميلاد،والآن اليهود يقولون:نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي.. فأين هذا الحق؟ نحن المسلمين أصحاب هذا الحق،القدس سكنها العرب،من القديم،اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرناً ،ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرناً،أو يزيد..فأين حقكم؟وأين ماتدعون؟ إنه لاحق لهؤلاء ولكنه حق الحديد والنار، تكلم السيف فاسكت أيها القلم، منطق القوة وليس قوة المنطق ،نحن نرفض هذا المنطق ونتمسك بحقنا،نتمسك بالمسجد الأقصى ولانفرط فيه،إذا فرطنا فيه فقد فرطنا في قبلتنا الأولى، فرطنا في أرض الإسراء والمعراج،فرطنا في ثالث المسجدين المعظمين،فرطنا في ديننا ،ودنيانا وكرامتنا وحقوقنا ولن نفرط في ذلك أبداً،سنظل نقاوم ونجاهد.
اسرائيل تريد أن ترغمنا على الأمر الواقع،هي في كل يوم تفعل شيئاً تقيم مستوطنات وتزيل بيوتاً،تهدد الناس في القدس ،تخرجهم ولاتسمح لهم بالعودة،لاتسمح لأحد أن يبني بيتاً..هكذا كل يوم مستوطنة؛ ذلك لترغمنا أن نرضى بالأمر الواقع،وهم يقولون الآن:خذوا حجارة المسجد الأقصى .سنرقمها لكم، انقلوها إلى المملكة السعودية، وابنوا ما شئتم من مسجد هناك ومستعدون أن ندفع لكم النفقات، كأن الحجارة هي المقدسة ،المكان هو الذي قدسه الله، وليس الحجارة، يمكن أن نأتي بأية حجارة إنما القدسية لهذا المكان الذي بارك الله حوله،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين لن نقبل أن يضيع المسجد الأقصى، لن نقبل أبداً ضياع المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى ملك لجميع المسلمين
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم،كل المسلمين مسؤولون عن القدس وعن المسجد الأقصى ،أنا قلت لبعض الإخوة الفلسطينيين:لو أنكم تقاعستم وتخاذلتم واستسلمتم وهزمتم نفسياً وسلمتم المسجد الأقصى ،لوجب علينا أن نقاتلكم كما نقاتل اليهود،دفاعاً عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى،المسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم ملكيون أكثر من الملك، هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين وقدسيون أكثر من القدسيين،وأقصويون أكثر من الأقصويين،هذا مسجدنا،هذه حرماتنا ،هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا سنظل نوعي المسلمين،ونقف ضد هذا التهويد للأقصى ومقدساته.
وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل،هذه القضية الخطيرة،هذه القضية المقدسة..
لايمكن أن نفرط فيها،إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم ،فعلينا أن نحلم نحن بأننا لايمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام،وينهزم هذا الانهزام،لايجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين.
يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله،وأنه ناصر الفئة المؤمنة،وكما روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين،لعدوهم قاهرين ،لايضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء ،حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك،قالوا:يارسول الله وأين هم؟قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
الإسراء والمعراج تذكّر المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصى ، لمنع تهويده وتدنيس مقدساته
قضية الجمعة:
»محمد« سفير الله إلى الخلق...وصلاته بالأنبياء دلالة على انتقال القيادة إليه
د.يوسف القرضاوي
الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله «صلى الله عليه وسلم » من مكة إلى القدس،من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..رحلة أرضية ليلية.
والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء ،من القدس إلى السموات العلا،إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل،إلى سدرة المنتهى ،إلى حيث يعلم الله عز وجل.
هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته «صلى الله عليه وسلم» وفي مسيرة دعوته في مكة،بعد أن قاسى ماقاسى وعانى ماعانى من قريش،ثم قال:
لعلي أجد أرضاً أخصب من هذه الأرض عند ثقيف،عند أهل الطائف،فوجد منهم مالاتحمد عقباه ،ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه «صلى الله عليه وسلم» ،ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه.
هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة ،الإسراء والمعراج،ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى ،تعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عزوجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء،إذا كان هؤلاء الناس قد صدوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك،ويتخذونك إماماً لهم ،كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول «صلى الله عليه وسلم» منه عزوجل وتهيئة له للمرحلة القادمة فإنه سيواجه «صلى الله عليه وسلم» العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة،ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية،الجبهة الوثنية في جزيرة العرب،والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة التي لاترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية،والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.
كان لابد أن يتهيأ «صلى الله عليه وسلم» لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات،بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة،فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء..
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق ،محمداً «صلى الله عليه وسلم» ليسري به من المسجد الحرام .ثم يعرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم،هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً.
هي معراج لكل مسلم،إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا ،فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ماشاء الله عزوجل ،بواسطة الصلاة.
قيادة جديدة
ثم لابد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،لماذا لم يعرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية،المرور ببيت المقدس،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،المرور بالمسجد الأقصى كان مقصوداً ،والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في بيت المقدس،وأنه أمَّهم،هذا له معناه ودلالته ،أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة ،إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه،هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس،رحمة للعالمين،ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان،فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة،التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذاناً بانتقال القيادة...القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.
مصير واحد
ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء ،والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان،المسجد الحرام والمسجد الأقصى ،وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله «الذي باركنا حوله» وصف الله هذا المسجد بالبركة وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة ،في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها،حتى لايفرطوا في أحد المسجدين، لأن من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام،المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج ،والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن،حينما فرضت الصلاة،كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس،كان بيت المقدس قبلتهم ،ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة،صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس،كان قبلة المسلمين الأولى،فهو القبلة الأولى،وهو أرض الإسراء والمعراج،وهو المسجد الذي لاتشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي،وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.
هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم،وفي عقيدتهم وفي حياتهم،ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.
المكان لا المبنى
إن المسجد الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد،كان هناك مكان للمسجد،كما قال تعالى «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» فقوله «إلى المسجد الأقصى» بشارة بأن المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز،ومعنى هذا أن الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية،كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع،وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى ،وقد كان..
دخل المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» رفض بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين،أبى أن يسلمها للقادة العسكريين ،قال: أريد الخليفة بنفسه،وجاء عمر في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة،وكتب عهداً الذي يسمى "العهدة العمرية» عهداً لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه ،وشرط اشترطوه ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود.
وحينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة 135ميلادية الوجود اليهودي تماماً؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود أو من الاسرائيليين إنما أخذوها من الرومان،وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين،وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من 25 قرناً،سنة 648قبل الميلاد،والآن اليهود يقولون:نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي.. فأين هذا الحق؟ نحن المسلمين أصحاب هذا الحق،القدس سكنها العرب،من القديم،اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرناً ،ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرناً،أو يزيد..فأين حقكم؟وأين ماتدعون؟ إنه لاحق لهؤلاء ولكنه حق الحديد والنار، تكلم السيف فاسكت أيها القلم، منطق القوة وليس قوة المنطق ،نحن نرفض هذا المنطق ونتمسك بحقنا،نتمسك بالمسجد الأقصى ولانفرط فيه،إذا فرطنا فيه فقد فرطنا في قبلتنا الأولى، فرطنا في أرض الإسراء والمعراج،فرطنا في ثالث المسجدين المعظمين،فرطنا في ديننا ،ودنيانا وكرامتنا وحقوقنا ولن نفرط في ذلك أبداً،سنظل نقاوم ونجاهد.
اسرائيل تريد أن ترغمنا على الأمر الواقع،هي في كل يوم تفعل شيئاً تقيم مستوطنات وتزيل بيوتاً،تهدد الناس في القدس ،تخرجهم ولاتسمح لهم بالعودة،لاتسمح لأحد أن يبني بيتاً..هكذا كل يوم مستوطنة؛ ذلك لترغمنا أن نرضى بالأمر الواقع،وهم يقولون الآن:خذوا حجارة المسجد الأقصى .سنرقمها لكم، انقلوها إلى المملكة السعودية، وابنوا ما شئتم من مسجد هناك ومستعدون أن ندفع لكم النفقات، كأن الحجارة هي المقدسة ،المكان هو الذي قدسه الله، وليس الحجارة، يمكن أن نأتي بأية حجارة إنما القدسية لهذا المكان الذي بارك الله حوله،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين لن نقبل أن يضيع المسجد الأقصى، لن نقبل أبداً ضياع المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى ملك لجميع المسلمين
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم،كل المسلمين مسؤولون عن القدس وعن المسجد الأقصى ،أنا قلت لبعض الإخوة الفلسطينيين:لو أنكم تقاعستم وتخاذلتم واستسلمتم وهزمتم نفسياً وسلمتم المسجد الأقصى ،لوجب علينا أن نقاتلكم كما نقاتل اليهود،دفاعاً عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى،المسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم ملكيون أكثر من الملك، هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين وقدسيون أكثر من القدسيين،وأقصويون أكثر من الأقصويين،هذا مسجدنا،هذه حرماتنا ،هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا سنظل نوعي المسلمين،ونقف ضد هذا التهويد للأقصى ومقدساته.
وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل،هذه القضية الخطيرة،هذه القضية المقدسة..
لايمكن أن نفرط فيها،إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم ،فعلينا أن نحلم نحن بأننا لايمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام،وينهزم هذا الانهزام،لايجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين.
يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله،وأنه ناصر الفئة المؤمنة،وكما روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين،لعدوهم قاهرين ،لايضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء ،حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك،قالوا:يارسول الله وأين هم؟قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.