عاجل: بيان مجلس القيادة الرئاسي – 18 سبتمبر 2025م    "شبوة برس" ينشر صور ومعلومات إضافية عن قتلى القاعدة في شبوة    أزمة الشراكة: المجلس الانتقالي الجنوبي والسلطة الشرعية في مفترق الطرق    عاجل: مسيرة حوثية تنفجر في فندق بمدينة إيلات واستنفار أمني    اللجنة الوطنية للمرأة والأمن والسلام تدين جريمة اغتيال القيادية افتهان المشهري وتطالب بالعدالة الفورية    وقفة احتجاجية في المعهد العالي بالجوف تنديدا بجرائم العدو الصهيوني    تدشين بطولة سبتمبر لكرة اليد في مأرب    إصابة 4 مواطنين بنيران العدو السعودي في صعدة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    السيد القائد يوجه تحذير شديد للسعودية : لا تورطوا أنفسكم لحماية سفن العدو    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    استمرار نزوح الفلسطينيين هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزه    مقتل مسؤول محلي بمدينة تعز    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز برصاص مسلحين    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    حياة بين فكي الموت    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»محمد« سفير الله إلى الخلق...وصلاته بالأنبياء دلالة على انتقال القيادة إليه
الإسراء والمعراج تذكّر المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصى ، لمنع تهويده وتدنيس مقدساته
نشر في الجمهورية يوم 10 - 08 - 2007


قضية الجمعة:
الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله «صلى الله عليه وسلم » من مكة إلى القدس،من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..رحلة أرضية ليلية.
والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء ،من القدس إلى السموات العلا،إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل،إلى سدرة المنتهى ،إلى حيث يعلم الله عز وجل.
هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته «صلى الله عليه وسلم» وفي مسيرة دعوته في مكة،بعد أن قاسى ماقاسى وعانى ماعانى من قريش،ثم قال:
لعلي أجد أرضاً أخصب من هذه الأرض عند ثقيف،عند أهل الطائف،فوجد منهم مالاتحمد عقباه ،ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه «صلى الله عليه وسلم» ،ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه.
هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة ،الإسراء والمعراج،ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى ،تعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عزوجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء،إذا كان هؤلاء الناس قد صدوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك،ويتخذونك إماماً لهم ،كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول «صلى الله عليه وسلم» منه عزوجل وتهيئة له للمرحلة القادمة فإنه سيواجه «صلى الله عليه وسلم» العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة،ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية،الجبهة الوثنية في جزيرة العرب،والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة التي لاترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية،والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.
كان لابد أن يتهيأ «صلى الله عليه وسلم» لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات،بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة،فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء..
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق ،محمداً «صلى الله عليه وسلم» ليسري به من المسجد الحرام .ثم يعرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم،هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً.
هي معراج لكل مسلم،إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا ،فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ماشاء الله عزوجل ،بواسطة الصلاة.
قيادة جديدة
ثم لابد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،لماذا لم يعرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية،المرور ببيت المقدس،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،المرور بالمسجد الأقصى كان مقصوداً ،والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في بيت المقدس،وأنه أمَّهم،هذا له معناه ودلالته ،أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة ،إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه،هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس،رحمة للعالمين،ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان،فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة،التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذاناً بانتقال القيادة...القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.
مصير واحد
ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء ،والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان،المسجد الحرام والمسجد الأقصى ،وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله «الذي باركنا حوله» وصف الله هذا المسجد بالبركة وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة ،في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها،حتى لايفرطوا في أحد المسجدين، لأن من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام،المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج ،والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن،حينما فرضت الصلاة،كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس،كان بيت المقدس قبلتهم ،ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة،صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس،كان قبلة المسلمين الأولى،فهو القبلة الأولى،وهو أرض الإسراء والمعراج،وهو المسجد الذي لاتشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي،وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.
هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم،وفي عقيدتهم وفي حياتهم،ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.
المكان لا المبنى
إن المسجد الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد،كان هناك مكان للمسجد،كما قال تعالى «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» فقوله «إلى المسجد الأقصى» بشارة بأن المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز،ومعنى هذا أن الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية،كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع،وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى ،وقد كان..
دخل المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» رفض بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين،أبى أن يسلمها للقادة العسكريين ،قال: أريد الخليفة بنفسه،وجاء عمر في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة،وكتب عهداً الذي يسمى "العهدة العمرية» عهداً لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه ،وشرط اشترطوه ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود.
وحينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة 135ميلادية الوجود اليهودي تماماً؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود أو من الاسرائيليين إنما أخذوها من الرومان،وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين،وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من 25 قرناً،سنة 648قبل الميلاد،والآن اليهود يقولون:نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي.. فأين هذا الحق؟ نحن المسلمين أصحاب هذا الحق،القدس سكنها العرب،من القديم،اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرناً ،ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرناً،أو يزيد..فأين حقكم؟وأين ماتدعون؟ إنه لاحق لهؤلاء ولكنه حق الحديد والنار، تكلم السيف فاسكت أيها القلم، منطق القوة وليس قوة المنطق ،نحن نرفض هذا المنطق ونتمسك بحقنا،نتمسك بالمسجد الأقصى ولانفرط فيه،إذا فرطنا فيه فقد فرطنا في قبلتنا الأولى، فرطنا في أرض الإسراء والمعراج،فرطنا في ثالث المسجدين المعظمين،فرطنا في ديننا ،ودنيانا وكرامتنا وحقوقنا ولن نفرط في ذلك أبداً،سنظل نقاوم ونجاهد.
اسرائيل تريد أن ترغمنا على الأمر الواقع،هي في كل يوم تفعل شيئاً تقيم مستوطنات وتزيل بيوتاً،تهدد الناس في القدس ،تخرجهم ولاتسمح لهم بالعودة،لاتسمح لأحد أن يبني بيتاً..هكذا كل يوم مستوطنة؛ ذلك لترغمنا أن نرضى بالأمر الواقع،وهم يقولون الآن:خذوا حجارة المسجد الأقصى .سنرقمها لكم، انقلوها إلى المملكة السعودية، وابنوا ما شئتم من مسجد هناك ومستعدون أن ندفع لكم النفقات، كأن الحجارة هي المقدسة ،المكان هو الذي قدسه الله، وليس الحجارة، يمكن أن نأتي بأية حجارة إنما القدسية لهذا المكان الذي بارك الله حوله،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين لن نقبل أن يضيع المسجد الأقصى، لن نقبل أبداً ضياع المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى ملك لجميع المسلمين
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم،كل المسلمين مسؤولون عن القدس وعن المسجد الأقصى ،أنا قلت لبعض الإخوة الفلسطينيين:لو أنكم تقاعستم وتخاذلتم واستسلمتم وهزمتم نفسياً وسلمتم المسجد الأقصى ،لوجب علينا أن نقاتلكم كما نقاتل اليهود،دفاعاً عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى،المسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم ملكيون أكثر من الملك، هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين وقدسيون أكثر من القدسيين،وأقصويون أكثر من الأقصويين،هذا مسجدنا،هذه حرماتنا ،هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا سنظل نوعي المسلمين،ونقف ضد هذا التهويد للأقصى ومقدساته.
وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل،هذه القضية الخطيرة،هذه القضية المقدسة..
لايمكن أن نفرط فيها،إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم ،فعلينا أن نحلم نحن بأننا لايمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام،وينهزم هذا الانهزام،لايجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين.
يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله،وأنه ناصر الفئة المؤمنة،وكما روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين،لعدوهم قاهرين ،لايضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء ،حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك،قالوا:يارسول الله وأين هم؟قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
الإسراء والمعراج تذكّر المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصى ، لمنع تهويده وتدنيس مقدساته
قضية الجمعة:
»محمد« سفير الله إلى الخلق...وصلاته بالأنبياء دلالة على انتقال القيادة إليه
د.يوسف القرضاوي
الإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله لرسوله «صلى الله عليه وسلم » من مكة إلى القدس،من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..رحلة أرضية ليلية.
والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء ،من القدس إلى السموات العلا،إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل،إلى سدرة المنتهى ،إلى حيث يعلم الله عز وجل.
هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته «صلى الله عليه وسلم» وفي مسيرة دعوته في مكة،بعد أن قاسى ماقاسى وعانى ماعانى من قريش،ثم قال:
لعلي أجد أرضاً أخصب من هذه الأرض عند ثقيف،عند أهل الطائف،فوجد منهم مالاتحمد عقباه ،ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه «صلى الله عليه وسلم» ،ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه.
هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة ،الإسراء والمعراج،ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى ،تعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عزوجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء،إذا كان هؤلاء الناس قد صدوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك،ويتخذونك إماماً لهم ،كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول «صلى الله عليه وسلم» منه عزوجل وتهيئة له للمرحلة القادمة فإنه سيواجه «صلى الله عليه وسلم» العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة،ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية،الجبهة الوثنية في جزيرة العرب،والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله والغادرة التي لاترقب في مؤمن ذمة، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل والتي خلطت التوحيد بالوثنية،والتي تتمثل في دولة الروم البيزنطية.
كان لابد أن يتهيأ «صلى الله عليه وسلم» لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات،بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة،فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء..
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق ،محمداً «صلى الله عليه وسلم» ليسري به من المسجد الحرام .ثم يعرج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم،هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً.
هي معراج لكل مسلم،إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى السموات العلا ،فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به ماشاء الله عزوجل ،بواسطة الصلاة.
قيادة جديدة
ثم لابد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ،لماذا لم يعرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟هذا يدلنا على أن المرور بهذه المحطة القدسية،المرور ببيت المقدس،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين،المرور بالمسجد الأقصى كان مقصوداً ،والصلاة بالأنبياء الذين استقبلوا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في بيت المقدس،وأنه أمَّهم،هذا له معناه ودلالته ،أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة ،إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه،هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس،رحمة للعالمين،ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان،فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة،التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذاناً بانتقال القيادة...القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة.
مصير واحد
ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين المسجد الذي ابتدأ منه الإسراء ،والمسجد الذي انتهى إليه الإسراء، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل لما يعلمه بعد ذلك أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان،المسجد الحرام والمسجد الأقصى ،وأراد الله أن يثبت المسجد الأقصى بقوله «الذي باركنا حوله» وصف الله هذا المسجد بالبركة وهذا قبل أن يوجد مسجد رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لأن المسجد النبوي لم ينشأ إلا بعد الهجرة ،في المدينة فأراد الله أن يوطد هذا المعنى ويثبته في عقول الأمة وقلوبها،حتى لايفرطوا في أحد المسجدين، لأن من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام،المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج ،والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن،حينما فرضت الصلاة،كان المسلمون يصلون إلى بيت المقدس،كان بيت المقدس قبلتهم ،ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة،صلوا إلى هذا المسجد إلى بيت المقدس،كان قبلة المسلمين الأولى،فهو القبلة الأولى،وهو أرض الإسراء والمعراج،وهو المسجد الذي لاتشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي،وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة.
هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس في تاريخهم وأهمية المسجد الأقصى في دينهم،وفي عقيدتهم وفي حياتهم،ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم.
المكان لا المبنى
إن المسجد الأقصى حينما كان الإسراء لم يكن هناك مسجد مشيد،كان هناك مكان للمسجد،كما قال تعالى «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» فقوله «إلى المسجد الأقصى» بشارة بأن المكان سيتحول إلى مسجد وهو أقصى بالنسبة إلى أهل الحجاز،ومعنى هذا أن الإسلام سيمتد وسيأخذ هذا المكان الذي تسيطر عليه الإمبراطورية الرومية،كان هذا بشارة للمسلمين أن دينهم سيظهر وأن دولتهم ستتسع،وأن ملكهم سيمتد وسيكون هناك مسجد أقصى ،وقد كان..
دخل المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» رفض بطريرك القدس سيفرنيوس أن يسلم مفتاح المدينة إلا لخليفة المسلمين،أبى أن يسلمها للقادة العسكريين ،قال: أريد الخليفة بنفسه،وجاء عمر في رحلة تاريخية شهيرة مثيرة وتسلم مفتاح المدينة،وكتب عهداً الذي يسمى "العهدة العمرية» عهداً لهؤلاء أن يأمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم ومعابدهم وشعائرهم وكل ما يحرص الناس عليه ،وشرط اشترطوه ألا يساكنهم فيها أحد من اليهود.
وحينما دخل المسلمون إلى القدس لم يكن فيها يهودي واحد فقد أزال الرومان من سنة 135ميلادية الوجود اليهودي تماماً؛ ولذلك لم يأخذ المسلمون القدس من اليهود أو من الاسرائيليين إنما أخذوها من الرومان،وقبل ذلك زالت الدولة اليهودية على يد البابليين،وبعد ذلك زال الوجود اليهودي نفسه على يد الرومان وزالت الدولة اليهودية منذ أكثر من 25 قرناً،سنة 648قبل الميلاد،والآن اليهود يقولون:نحن أصحاب القدس ولنا حق تاريخي.. فأين هذا الحق؟ نحن المسلمين أصحاب هذا الحق،القدس سكنها العرب،من القديم،اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثين قرناً ،ثم أخذها المسلمون من أربعة عشر قرناً،أو يزيد..فأين حقكم؟وأين ماتدعون؟ إنه لاحق لهؤلاء ولكنه حق الحديد والنار، تكلم السيف فاسكت أيها القلم، منطق القوة وليس قوة المنطق ،نحن نرفض هذا المنطق ونتمسك بحقنا،نتمسك بالمسجد الأقصى ولانفرط فيه،إذا فرطنا فيه فقد فرطنا في قبلتنا الأولى، فرطنا في أرض الإسراء والمعراج،فرطنا في ثالث المسجدين المعظمين،فرطنا في ديننا ،ودنيانا وكرامتنا وحقوقنا ولن نفرط في ذلك أبداً،سنظل نقاوم ونجاهد.
اسرائيل تريد أن ترغمنا على الأمر الواقع،هي في كل يوم تفعل شيئاً تقيم مستوطنات وتزيل بيوتاً،تهدد الناس في القدس ،تخرجهم ولاتسمح لهم بالعودة،لاتسمح لأحد أن يبني بيتاً..هكذا كل يوم مستوطنة؛ ذلك لترغمنا أن نرضى بالأمر الواقع،وهم يقولون الآن:خذوا حجارة المسجد الأقصى .سنرقمها لكم، انقلوها إلى المملكة السعودية، وابنوا ما شئتم من مسجد هناك ومستعدون أن ندفع لكم النفقات، كأن الحجارة هي المقدسة ،المكان هو الذي قدسه الله، وليس الحجارة، يمكن أن نأتي بأية حجارة إنما القدسية لهذا المكان الذي بارك الله حوله،في هذه الأرض التي بارك الله فيها للعالمين لن نقبل أن يضيع المسجد الأقصى، لن نقبل أبداً ضياع المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى ملك لجميع المسلمين
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم،كل المسلمين مسؤولون عن القدس وعن المسجد الأقصى ،أنا قلت لبعض الإخوة الفلسطينيين:لو أنكم تقاعستم وتخاذلتم واستسلمتم وهزمتم نفسياً وسلمتم المسجد الأقصى ،لوجب علينا أن نقاتلكم كما نقاتل اليهود،دفاعاً عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى،المسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم ملكيون أكثر من الملك، هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين وقدسيون أكثر من القدسيين،وأقصويون أكثر من الأقصويين،هذا مسجدنا،هذه حرماتنا ،هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا سنظل نوعي المسلمين،ونقف ضد هذا التهويد للأقصى ومقدساته.
وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل،هذه القضية الخطيرة،هذه القضية المقدسة..
لايمكن أن نفرط فيها،إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم ،فعلينا أن نحلم نحن بأننا لايمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام،وينهزم هذا الانهزام،لايجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين.
يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله،وأنه ناصر الفئة المؤمنة،وكما روى الإمام أحمد والطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين،لعدوهم قاهرين ،لايضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء ،حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك،قالوا:يارسول الله وأين هم؟قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.