حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباهوت .. كون من الوجد يذوب في يفرس
آلاف المحبين جاءوه لإحياء ذكرى الإسراء والمعراج في حضرته العلوانية
نشر في الجمهورية يوم 12 - 08 - 2007

لبيك ياباهوت.. عبارة كتبت على الشارات الصفراء بعضها طوق الجباه ومنها التف مائلاً على صدور الشباب.. عبارات أخرى وأبيات من الشعر عشقاً لهذا الباهوت الرهيب المدفون منذ قرون في يفرُس مكتوبة على اللافتات القماشية تشدها العصي من الجانبين وسواعد الناشئة من المتصوفين تمضي بها فوق العمائم المكسية بالورود والرءوس العارية
أيضاً من المحبين والعاشقين لابن علوان،وإن تجاوزت أعدادهم آلافاً لكن هذا المسجد الصغير قد استوعبهم وكاميرة القناة الفضائية الأولى قد احتوتهم أيضاً من عليّة بجانب المنبر العريض ،وكاميرتي التهمت أجزاءً منهم،لقد شدوا الرحال من قرى تعز ومن بعض المحافظات للاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في رحاب ال (باهوت)،وخلال ( تدخيلة ) التأهب لدخول الجامع الباهوتي ،كانت الدفوف تصدح والعمائم الخضراء تترنح وتهيم صبابة في الذكرقبل وبعد دخول الجامع وعند المساء أزمعت اللحاق بتلابيب بعضهم وشيخهم الجنيد قبل أن يأسرهم التجلي والوجد وقبل أن يلفض النهار أخر أنفاسه لأجري هذا التحقيق وأحصد ما تيسر من آراء وانطباعات حول شد الرحال إلى ابن علوان في ذكرى الاسراء والمعراج ومناسبات أخرى وسلطت الأضواء على بعض مواطن الخلاف بين الصوفية ومعارضيهم كالاستغاثة بابن علوان وزيارة وتقبيل ضريحه فتعالوا معي
مراحل ومدارس الصوفية في اليمن
عن السيرة والمراحل والمدارس التي مر بها الفكر الصوفي في اليمن تحدث الشيخ محمد يحيى عبدالمعطي الجنيد قائلاً :
لقد كان فضيلة طريقتي الشيخين محمد بن الحسين البجري وأبي بكر الحسن تعد أشهر المدارس الصوفية وكان كل شيخ في اليمن يمثل مدرسة ،وكذلك الشيخ محمد بن عمر النهاري يمثل مدرسة ثالثة في ريمة ،وكان الشيخ سلطان العارفين عفيف الدين العقيلي يمثل طريقة في اللحية ،أما الشيخ أحمد بن الخير الصياد له طريقة في زبيد،والشيخ أبي الغوث بن تميم في بيت عطاء ،وكان للشيخ أحمد الباهوت مدرسة في يفرس الغراء وما والاها من صبر وزخر حتى جبل صيت المسمى حالياً جبل سمارة ،وانتشرت هذه المدارس انتشاراً واسعاً ووقفت لها الأوقاف لذلك الغرض،وكان من الناحية الأخرى يوجد في جبل صبر الشيخ علي بن أحمد الرميمة وكانت مرتبته بعد مرتبة الشيخ الباهوت وكان مابينهما أو معهما الشيخ سفيان بن عبدالله الأبيني وهذا انتشرت طريقته في لحج وما والاها .
ويضيف الشيخ الجنيد القول : كانت اليمن تزخر بالقادمين إلى طريق الله ،ولم يكن التصوف حركة أو مذهباً أو نظرية تنتهي بانتهاء أهلها بل كان امتداداً حقيقياً وجاداً لمتابعة سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم متابعة حثيثة،ولقد أجمل بعضهم عندما قال : الشريعة إصلاح الظواهر والطريقة إصلاح الضمائر والحقيقة إصلاح السرائر,وكما لاتنفك هذه الدوائر فكذلك لاتنفك الصوفية عن الشريعة ولا عن مدلولاتها وحقائقها ،وكان الشيخ الباهوت يربط كل سلوك بكتاب الله وسنة رسوله ،فكل صوفي عند ابن علوان اذا لم يكن متتبعاً مطلعاً لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لايعتبر صوفياً ،وهو الذي جاء بطريقة جديدة حارب فيها العقائد الزائفة وادعاءات بعض الفقهاء والقول المنتحل من غير وجه النبوة ،كما أنه رد على الفلاسفة الذين خرجوا عن نطاق الحكم الشرعي ،أما الطرائق في اليمن بعد هذه الطرائق التي ذكرتها أصيبت بالركود في مجال التصوف ،خاصة مع الحملات التركية الأولى ،فخرج الشيخ علي القرشي الشاذلي المتوفى في القرن التاسع وكان أول من أخرج الطريقة الشاذلية إلى اليمن ثم انتشرت في أرجاء اليمن مزاحمة للطرق التي أمامها بأسلوب عجيب وغريب وقريب أيضاً ،ثم حصل ركود فيها فظهرت الطريقة النقشبندية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري ،وبعدها الطريقة التيجانية على يد مؤسسها في تعز واليمن عامة هو المقدم علي مقبل الشيباني وهي آخر طريقة ظهرت إلى اليمن قبل ثلاثين عاماً وما تزال إلى الآن ولها رواج في تعز غالباً وفي صبر وذخر .
ما ألصق بالصوفية
وعن هذا الشأن تحدث الشيخ الجنيد قائلاً:
الله سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته: «ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا .... »الآية ،سواء جاءنا هذا النبأ بشريط أم بكتاب أم برسالة أم بجريدة أم .. إذا جاءنا خبر عن شخص ما على هذا النحو فلا ينبغي أن نصدّقه إلا إذا تأكدنا من مصداقية الخبر ،حتى لانصبح على مافعلنا نادمين،لقد ألصقت أمور كثيرة بالصوفية ،مثلاً كقولهم بأن الصوفية يقولون بوحدة الوجود ،ونحن نقول لهم: من منكم يعرف وحدة الوجود حتى نجيب عليه ،لم نجد إلى الآن أحد،من عمر فروم أو إحسان عبدالقدوس إلى أحمد بدوي والعقيلي ،كلهم ماكتبوا عن وحدة الوجود ولكنهم كتبوا عن صور الحلول التي يقولها بعضهم ،إلا ابن رشد فقد كتب عن وحدة الوجود من ناحية واحدة وهي مامعنى وحدة الوجود في المنطق الفلسفي ,هذا ما ألصق بالصوفية دون أن يعرف الناس مامعنى وحدة الوجود ,
الدراويش
ويستطرد الشيخ الجنيد قائلاً : أما النقطة الثانية فإن بعضهم يرجع مايرتكبه البعض من الدراويش والمندسين في صفوف الصوفية عن جهل وعدم بصيرة ،فيظن الناس أن هكذا هي الصوفية ،وهذا مجال بريئة منه الصوفية وبرييء منه الشرع ،لأن الصوفية لايمكن أن تكون خارج الشرع لأنها في الحقيقة هي خلاصة الشرع،ولايمكن إطلاقاً أن تكون خارجة عنه ،فإذا ماتحدث بعض الصوفية عن بعض أذواقهم وأشواقهم فإننا ننزل هذا الأمر منزلة الحقيقة ،وما ألصق كذلك بالصوفية بعض الحركات التي تخالف الشرع ،كقول الشيخ الباهوت كرّم اللّه ثراه : أنكرتم الرقص والتصفيق. وهو هكذا عند المشائخ ،إلا حال من غلب ،أيضاً الجذب والطعن ليس من الصوفية في شئ وإنما سلوك ومهارات هندية ،لاتمت إلى الصوفية أو إلى الإسلام بصلة ،فكل سلوك يخالف أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم لايمكن أن يكون من التصوف .
شد الرحال
سألت الشيخ الجنيد عن موقفه وأتباعه من الحديث النبوي الشريف ( لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... الحديث) حيث يستند إليه معارضو الصوفية في رفض شد الرحال إلى بعض الأضرحة والجوامع كالجند وابن علوان وغير ذلك فأجاب :
المقصود من هذا الحديث أن الصلاة في أي مسجد مقبولة ومستوية أيضاً ولاتشد الرحال إلا إلى الثلاثة المساجد المقدسة وهذا الحديث لايتعارض ولا يتنافى مع مايسلكه الناس من الاجتماع والاحتفال في أي مجلس من مجالس الذكرأو في أي مقام من مقامات الإرشاد والتعليم خاصة إذا كان هذا الاجتماع يوطد العلاقات بين الاخوة ويحسن مساعدة المحتاجين من الفقراء ويتفقد أحوالهم ويدعو إلى إخاء ووحدة حقيقية يجمعها الخير وتشدها أواصر الإخاء التي خلق الإنسان من أجلها ،بل هي الخلافة التي حملها الانسان في هذه الارض ،ولاجتماعاتنا هذه آثار حميدة ،ففي السابق ومنذ القدم أوقف لهذه الاجتماعات الكثير من الصالحين العديد من الأوقاف لإقامة مثل هذه الشعائر التى تجني ثماراً يحبذها العقلاء ويدعو لها الانبياء وكذلك السلطة تدعو إلى تفعيل نتاج التراحم والمساعدة للمحتاجين ،كما أن السالفين كانوا يستغلون هذه الاجتماعات لاستخراج الوقوف وللبحث عن المستحقين للمساعدة ولكتابة المصاحف أيضاً ،إذاً فالغاية والهدف واحد ،ليكن جمع الشمل ووحدة الأمة على خير سلوك وإنسانية قبل أن تكون دينية ،ومن يعارضون اجتماعاتنا هذه يقولون حديثاً ( من زار أخاً في الله شيّعه سبعون ألف ملك .. الحديث) ،يلقاهما في الطريق فيقول: ياهذا إلى أين أنت ذاهب فيقول لي صديق في هذه القرية ،فيقول: هل له من نعمة عليك تردها إليه،فيقول : لا إلا أني أحبه في الله فيقول الملأ: أبشر فإني رسول من الله أبشرك بأن الله يحبك لأنك تحبه ،أي أن الدعوة دعوة إخاء.. دعوة توحد حقيقي ،ونحن لانجد في مثل اجتماعاتنا حجرة عثرة في طريق المسلمين،إن تأخر المسلمين في تمزقهم وتشتتهم وجهالتهم وحمقهم ،لافي مثل هذه الأمور التي نسلكها نحن ! ويقولون في حديث آخر : ( لاتتخذوا قبري مسجداً ) وقالوا في حديث آخر : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد . ونحن نتساءل : هل للنصارى أنبياء غير سيدنا عيسى وهل يعلمون أين قبر سيدنا عيسى ؟ ! فكيف أقحموا هذا الحديث ! ثم كيف يقولون هذا الكلام ورسول الله في المسجد ! وقد قالوا في حديث آخر : لو وُسع مسجدي هذا إلى صنعاء لكان مسجدي ،وقالوا في حديث آخر : مابين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ،فحولوه وقالوا مابين قبري ومنبري .. رواه الترمذي، فرسول الله ماقال كذلك ولكن قال : مابين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة .
تقبيل الأضرحة
مازلت أسأل فضيلة الشيخ محمد يحيى الجنيد عن جوانب وأفعال أخرى يأتي بها الكثيرون من الزوار كتقبيل ضريح ابن علوان والتباكي ومناجاته واللوذ باسمه فأجاب:
أنا شخصياً لم أجد إلى اليوم عاقلاً يقبّل الأضرحة إلا من كان معتوهاً أو فاقد وعي ،وقد يفعل هذه الأشياء من باب قول الشاعر :
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الجدار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
لكن هذه الأشياء ليست هي من سيرة المحبة ولاهي موجودة في الصوفية ولا التمسح بالأضرحة يحبها الصوفية فذلك مرفوض وكذلك لحف التراب ،أما اجتماع المتصوفة والمحبين في مكان أو جامع ما ،له علاقة دوماً بإحياء ذكرى دينية عزيزة على قلوب المسلمين أما تلك التصرفات الفردية فلاعلاقة لها أو صلة باجتماع المسلمين في إحياء ذكرى دينية .
حب آل البيت
كما تحدث السيد الجنيد حول هذا الأمر قائلاً:
إن الاعتراف بآل البيت فضيلة فقط لمن يأتيه أما من لم يفعل ذلك فليس آثما لأنه ليس واجباً ملزماً به المسلمين وهنا أزيد توضيحاً أمام هذه المجاميع: إن من لم يجتمع معنا في مثل هذه التجمعات الدينية وفي مثل هذه الأماكن فليس هذا إلزامٌ على الإطلاق ،من رغب فليأت وله الأجر ومن لم يرغب فله ذلك ولا إثم عليه مطلقاً .
وفي نفس الموضوع الذي أوضحه السيد محمد الجنيد ( شد الرحال ) أبدى الشيخ عدنان أحمد يحيى الجنيد رأيه قائلا:
في الحديث المزعوم لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ....الحديث ،نجد أن المستثنى موجود وأداة الاستثناء موجودة ،لكن المستثنى منه غير موجود وكما هو معلوم أن المستثنى منه لايكون إلا من جنس المستثنى فإذا افترضنا وجود المستثنى منه فالحديث سيكون معناه : إذا أردتم الفضل الكبير ففي الرحيل إلى هذه الثلاثة المساجد أما غيرها فهي متساوية الأجر،فإذا أجزنا صحة الحديث فإن شد الرحال سيقتصر على الثلاث المساجد ,أما إلى غير ذلك من صنعاء وذمار ووو فلا يجوز ،وهذا كلام بالطبع غير معقول !.
إن المتسلقين يستدلون بهذا الحديث بل ويتمسكون به لغرض منع المسلمين من زيارة ضريح قبر المصطفى مع أن الأحاديث طافحة في ذكر فضل زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم كقوله : من زار قبري بعد موتي وجبت له شفاعتي . إذاً فالحديث مكذوب ،وماسنجني من صحة سند الحديث إذا كان متنه يتنافى مع العقل ويناقض مع أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم .
آراء الوافدين من خارج المحافظة
وكنت قد حصدت ما أمكن من مشاعر وانطباعات بعض ممن شدوا رحالهم من صنعاء وإب وبعض المحافظات إلى يفرس ،وبين الأصوات المجلجلة بالذكر والتسابيح وصلت بمشقة إلى واحد من غير ذوي العمائم ،هو الأستاذ / أحمد محمد الحداء مستشار وزارة الشباب والرياضة فسألته عن الذي دفع به لقطع مئآت الكيلومترات من صنعاء إلى يفرس وأسئلة أخرى أجاب عنها بقوله :
_ الدافع الرئيس لوصولي اليوم إلى هنا هو الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج على صاحبها أفضل الصلوات وأجل التسليم ،وبالذات في هذا المكان فلما أكنه وغيري الكثير من اليمنيين لهذا الجامع الروحاني المرتبط بولي من الأولياء الصالحين وعالم من علماء المسلمين وغرة في جبين الفكر والتصوف الاسلامي قدم الكثير لمجتمعه واختط سلوكاً عادلاً في مكافحة الظلم والفساد وتقديم النصح للحكام ،الأمر الذي رفعه إلى مكانة عالية في قلوب اليمنيين ولما أثرى من علمه المكتبة الإسلامية من كتب في مختلف العلوم جعله حياً في قلوب محبيه ومريدي طريقته ،لقد شدّ الناس بأفعاله أولاً قبل أقواله ،وفي زيارتنا له في هذا المسجد نعتبرها تقديراً له وعرفاناً بالجميل ،ففي مصر تجد الكثير يشدون السفر محبة في الشيخ المتوفى أحمد بدوي وفي العراق يمضون إلى جامع المرحوم عبدالقادر الجيلاني ،وقد جئنا في اليوم الذي نظمه ودعانا إليه الشيخ الجليل محمد يحيى عبدالمعطي الجنيد الذي نعتبره تلميذ الباهوت بل هوأحمد بن علوان الثاني لأنه يحمل الخصال الكثيرة التي كانت لأحمد بن علوان والحمدلله أن طريقة الجنيد هي طريقة علوانية محمدية بعيدة عن مظاهر البدع والدراويش ،طريقة نهجها العلم والمعرفة والفكر السليم ،نسأل الله أن يوفقه في إكمال رسالته العلمية الخالصة ونسأل الله أن يجنبه واليمن أجمع دسائس من حاولوا إلصاق نهجه الوضاء بأفكار الحوثيين وفتنهم ،وفي هذا الشأن سبق وأن ألقى الشيخ غير مرة خطباً ومحاضرات وندوات تدين الأفعال القبيحة للحوثي وجماعته في مسجد السعيد وجامعة تعز وأماكن أخرى فالسيد محمد الجنيد هو أول من أدان الحوثية وأورد قصيدة عظيمة ( قبح الله ناعق العصبية ) نشرت في العديد من الصحف سنة 2004م ،ولكن للأسف مايزال هناك من ضعيفي النفوس يحاولون دس السم في الدسم محاولين وضع صلة تجمع بين المتصوفة وآل البيت والحوثيين ،لكن هؤلاء دائما يلاحقهم الفشل ،وهذا أمر عارض ومتوقع فالمسلمون دائماً مستهدفون باختلاف مذاهبهم وأحزابهم ولهذا فالفكر الصوفي يدعو إلى إلغاء الأحزاب والطوائف لتتوحد الأمة على كلمة سواء.
المجاذيب
انتقلت من الأخ مستشار الوزارة إلى الشيخ عبدالله عبدالواسع سعيد البناء الذي جاء من محافظة اب وبشأن المجاذيب والتصوف وشد الرحال يقول :
في التراث الفكري الإسلامي الكثير من الامور والتصرفات ،فهناك أفعال صادرة عن عاطفة في النفس وتحمس زائد لدى البعض في حضرة الذكر ،مايسمونه بالوجد وهي شدة العشق فانجر غيرهم لمحاكاة أفعالهم تلك كالطعن في الجسد وفي حقيقة الأمر أنا عن نفسي لا أحبها فالجميع يعلم أن معظم المجاذيب اتخذوا المسألة وسيلة لكسب الرزق فكنا نجدهم يجوبون القرى لأجل ذلك حتى انعدمت نيتهم الخالصة في الوجد ومن المعلوم أن هذه الأفعال دخلت على المسلمين من عدة ديانات عالمية كالبوذية والهندوسية وغيرها فلا صلة لها بالصوفيه أوبالإسلام أصلاً ،وهذا الدخيل ماهو إلا شىء يسير في خضم الدخائل والدسائس على المسلمين نتيجة تفككهم سنة وشيعة وتصوف ،وإن كان الأخير لايعد مذهباً فالتصوف في الحقيقة سلوك والانسان المسلم في غنى عن التعصب والمذهبية والحزبية ،لأن بمثل هذا أمكن لأعداء الإسلام تشتيت الإمة.
أما رأيي في من يستغيثون قائلين : ياباهوت .. يابن علوان فإذا مارجعنا إلى تراث ابن علوان وجدنا أنه كان في أيامه ملجأً وملاذاً للمظلومين من المشائخ والولاة والسلاطين ولما عرف العامة عنه ذلك راحوا يلوذون باسمه كل ما حلت بهم مظلمة فتطور الأمر بعد مماته بجهالة ليتوارث العامة مناجاته والاستغاثة به كل ماحلت مصيبة ،وأنا بصراحة لاأعتبر ذلك حراماً لأن قصدهم من المناداة التبرك وتمني عودة ابن علوان ليزيل الظيم أو العلاج الروحي لمقاومة المصيبة ،إلا أن المبالغة في ذلك مكروه ،فينبغي علينا إذا مارأينا أحداً يفعل ذلك بأن نعرف قصده أولاً ،فإذا كان ظنه في أن المنفعة المرجوة ستأتي من ابن علوان نفسه فنرشده بأن ابن علوان لن ينفعه بدون الله ،إن الله تعالى أمرنا بأن لانسمي من ماتوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ،وابن علوان له بركة في حياته وبعد مماته ،وأحرى بنا أن نخلد ذكراهم بعد مماتهم ،وأمثال أحمد بن علوان يعتبرون في مقام أرقى من الشهداء لأنهم خاطروا بأنفسهم ومنحوا علمهم لمنفعة الجميع ،لذا لانرى أن من قال : يابن علوان أنه أشرك أو خرج عن الإسلام وفي المقابل لايعد قول ذلك ضرورة على المسلم ،فالأمر مباح إلا على من كان يعتقد أن هذا المعبود يعبد من دون الله.
وفي موضوع تقبيل الأضرحة يضيف الشيخ عبدالله البناءالتوضيح :
المحب لصاحب الضريح معذور فيقول الشاعر: أحب لحبها السودان حتى أحب لحبه سود الكلاب . وآخر يقول :
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
فبالطبع هذه الأشياء توارثها الناس ولانجد فيها ضرراً فالإسلام لايحرم إلا ماكان منه ضرر ،وهذه الأضرحة ليست أصناماً ليفتتن الناس بعبادتها ،ولقد تجنى الشاعر زيد الموشكي على ضريح ابن علوان عندما أطلق أبياتاً لولي العهد في تعز أحمد حميد الدين تستنكر قيام البعض من الجهلاء بعبادة الضريح العلواني هنا في يفرس فقام ولي العهد بهدم الضريح ونقل الجثمان في تابوته إلى مدينة تعز في العام 1944 وإن كان ولي العهد يعلم أن كلام الموشكي قد بالغ في نقل الحقيقة لكن الدوافع السياسية ساقته لإرضاء الموشكي ومن سار في فلك التنوير آنذاك كالزبيري وبعض الأحرار ،ولم يقام التابوت الحالي ويعود الجثمان الطاهر إلى يفرس إلا بعد قيام الثورة في عهد السلال ،أما موضوع شد الرحال إلى مثل هذه الأماكن فهو أمر طيب دوافعه ذكر الله وإحياء الذكرى النبوية أو مناسبات دينية ولتقوي هذه الاجتماعات أواصر إلاخاء والتوحد والمحبة بين المسلمين وإحياء لما قام به الأسلاف من الصالحين والأولياء ليقتدي بهم الزائر ويسلك طريقهم .
تلبية للجنيد
وإلى زاوية أخرى من المسجد نحتُ لي مجلساً ضيقاً بجوار أحد الوافدين من محافظة صنعاء وهو الأخ طاهر محمد ناشر ( موظف ) وبعد أن عرف مقصدي أجاب :
هذا الجمع هو جمع مبارك ولايرتبط بالضرورة بليلة 27 من ذكرى الإسراء والمعراج ،إننا نهدف إلى اجتماع الأحباب من مختلف القرى والمحافظات على محبة الله ورسوله الكريم وتثمين المكنوز العلمي الذي تركه لنا الشيخ ابن علوان ونحن نستجيب أيضاً في اجتماعنا هذا لدعوة شيخنا الفاضل السيد محمد الجنيد هذا الذي حببنا إلى بعض ونشر مفاهيم الإخاء وحب الغير وتقدير العلم والعلماء .
في الأخير
أنهيت لقاءاتي بمن تحدثوا في داخل المسجد وخلتني أنهيت مهمتي الصحفية فإذا ببعض من أهالي يفرس ينتظرونني خارج المسجد .. قالوا شاكيين وكأني مدير عام مجلسهم المحلي أو مدير أوقاف تعز : حمران العيون حرموا المسجد من الماء لسقي القات والبن والمزروعات .. إنهم يبيعونه بيعاً تماماً كما يستغلون ضريحه الطاهر في ابتزاز المرضى الجاهلين الوافدين إلى يفرس ،وعدتهم أن أنقل شكواهم هذا ولممت أوراقي ونظرت خلفي مودعاً أتذكر تلك الأبيات التي حفضتها فرشاتي البارحة للشيخ محمد يحيى الجنيد :
إرحل إليه وفارق المألوفا
تلقى الرضا والعز والتشريفا
من قال ياباهوت يفرس غارة
إلا وجدنا ضره مكشوفا
يا بهت يا باهوت نرجو نظرة
تجلو الفؤاد وترفع التخويفا
ومررت بمنزل الشيخ جميل مهيوب قيم ابن علوان الذي استضافني لأخذ أمتعتي فوجدته منهمكاً في علاج مرضاه الوافدين اليه لانتزاع الأرواح الشريرة وهلم جراً بعد أن أنهك منذ الصباح هو وأهل بيته في الاشتراك باستضافة تلك المجاميع ،وما تزال رائحة الطهي تنبعث من منزله عند الأصيل لإعداد وجبة الافطار للصائمين من بين مجاميع المحبين للباهوت والمتداويين والقادمين للعلاج،تركتهم وابتعدت عن مسجد ابن علوان في الثامنة مساًء أرمقه من خلفي متلاشياً لكن نصاعة بياضه ارهقت الظلام في تلك الليلة الزاهدة أنواره من هلال حنون تشاطر الضوء مناصفة مع قباب المسجد الباهوتي .. هذا مقامُك “يابن علوان” السلامُ عليك، وجداً فرّ من لغة المشاع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.