على مريض السكر التقيد بوصايا طبيبه وتجنب كل مايؤدي إلى هبوط أو ارتفاع مستوى السكر في الدم لديهما أشد المشكلات والنكبات التي تلحق ببعض مرضى السكر في شهر رمضان المبارك، لتهاونهم بضوابط الغذاء والحمية الغذائية التي تعد الأساس المتين للتعايش والتكيف مع هذا المرض المزمن، ماينم عن جهل مطبق وعدم فهم لحقيقة المرض ومايتطلبه من متابعة طبية وفحص دوري ونظام غذائي صارم وتناول للدواء وفق ضوابط وشروط معينة. في اللقاء الذي أجريناه مع الدكتور/ عبدالواسع المجاهد استشاري أمراض الباطنية، توضيح وبيان ما التبس على الكثيرين من مرضى السكر فهمه حول حقيقة هذا المرض بنوعيه ومايتعين على القادرين منهم على الصيام لتلافي مشكلاته وأزماته في الشهر الكريم، مع بيان شروط ومعايير الغذاء لحفظ توازن السكر في الدم.. داء مزمن {.. السكر حقيقة مرض مزمن يعاني منه الكثيرون في مجتمعنا.. فهل من توضيح لأصل وأسباب هذه المشكلة المرضية؟ هناك من يعانون أشد العناء من مرض السكر ويرفضون بشدة فكرة الذهاب إلى الطبيب ولايتورعون عن تناول ماتشتهيه الانفس وتلذ له الأعين. ومرض السكر حقيقة هو خلل في استقلاب مادة السكر نتيجة انخفاض نسبي أو مطلق في مادة الانسولين، مما يؤدي إلى اضطراب في استقلاب الدهون والبروتينات وظهور الاعراض المعروفة لهذا المرض. والاصابة بهذا الداء المزمن لاتقتصر على فئة بعينها، فهو يصيب الرجال والنساء، كباراً وهم الأغلبية أم صغاراً؛ فضلاً عن التباين والاختلاف في أنواعه ودرجاته بين المصابين،فهناك من يمكنه السيطرة على مرضه عبر تنظيم الوجبات والانضباط الغذائي فقط، وآخرون يلزمهم إلى جانب ذلك لتنظيم السكر تناول دواء عن طريق الفم، وقسم آخر لاتتم السيطرة على نسبة السكر عنده إلا من خلال الحمية وحقن الأنسولين. من جهة أخرى توجد عوامل متعددة من شأنها بالتوافق مع الاستعداد الوراثي للإنسان، التسبب في إحداث المرض، معظمها مرتبط إلى حد كبير بأنماط السلوك الشخصي وتغير أنماط الحياة، وتشمل هذه العوامل:- البداية «السمنة» وإفراط الشخص في تناول المأكولات،لاسيما الغنية منها بالمواد الدهنية.. إذ من الممكن للبدانة احداث مقاومة لتأثير الأنسولين. قلة النشاط الحركي وخمول الجسم ومايقود إليه من بدانة وخزن زائد للدهون والسكريات. القلق النفسي والتوتر والاجهاد الشديد المرافق لبعض الحالات المرضية، كاحتشاء عضلة القلب وأمراض الكلى. بعض أمراض الغدد أو استعمالات بعض الهرمونات وما قد يلحق جرائها من اضطراب استقلاب السكريات أو عمل الأنسولين. اصابات البنكرياس المؤثرة سلباًَ على الخلايا التي تفرز الانسولين وبالتالي نقص أو انعدام افراز الأنسولين «كالالتهابات الرضوض الاورام». التأثيرات المتلفة والمخربة لخلايا الكبد «العضو الذي يتم فيه عادة خزن واستقلاب السكريات». شروط الصيام {.. متى يسمح أو لايسمح لمرضى السكر بالصيام؟ وما الذي يتعين للقادرين على الصيام لمواجهة أي طارئ؟ إذا أتينا إلى ذكر الصيام وتقرير متى يسمح أو لايسمح بالصيام لمرضى السكر على عامتهم، فأولاً وقبل كل شيء يجب ملاحظة المريض الذي يرى أن بمقدوره الصيام وذلك في اليوم الأول من رمضان مع قياس مستوى السكر لديه عدة مرات،فمن الضروري عمل مريض السكر لهذا الفحص ليحافظ على ثبات نسبته في دمه ضمن المستوى الطبيعي، من «70 120» لكل سم مكعب فلو ظهرت عليه لاسمح الله أعراض هبوط السكر «جوع شديد رعشة في اليدين والجسم رجفة في القلب وهن وضعف تعرق»،عندها يتم إجباره على الافطار بإعطائه نصف ملعقة من السكر مذاب في كوب ماء أو أية مادة تحتوي على السكر، ومن ثم عرضه على الطبيب. وعلى العموم لاتوجد قاعدة واحدة يتقرر بموجبها صيام مرضى السكر على اختلاف تصنيف مرضهم وظروف حالاتهم المرضية، باستثناء حالات معينة يمنع معها الصوم، مثل: مرضى النوع الأول لمرض السكر المعتمدين على الأنسولين. الذي لايتمكن من تنظيم السكر لديه. من يحتاج إلى أكثر من «40 وحدة» من الأنسولين في اليوم. من تم تشخيص مرضه قرب رمضان ولم يعرف بعد جرعة الدواء المناسبة له الحوامل المصابات بهذا المرض. مريض السكر الذي لديه مرض آخر، كمرض القلب وانسداد الشريان. ولمزيد من التوضيح فإن داء السكر على نوعين، على أساسهما يتعين تقرير صوم مرضاه أو منعهم منه مع الأخذ بمقتضى الظروف والمتغيرات وخصوصية كل حالة:- القسم أو النوع الأول «المرضى المعتمدون على حقن الأنسولين». هذا النوع يظهر عادة في سن مبكرة «الطفولة الشباب»،وأعراضه غالباً ماتظهر بشكل فجائي، وتتميز بعدم وجود إفراز للأنسولين من البنكرياس، وهذا النوع يتطلب حقن المريض «بالانسولين» واتباعه لنمط مناسب في التغذية. من المهم الأخذ بمعيار عدد الوحدات اليومية من حقنة الأنسولين. وعلى هذا الاساس لا أنصح بصيام مرضى السكر من النوع الأول، تلافياً للأضرار، إلى جانب ذلك يتعين عليه وعلى من يتولى شؤون رعايته الإلمام بعلامات ومضاعفات المرض بمظاهرها المختلفة، فالنقص الشديد والحاد لسكر الدم مثلاً أكثر مايلاحظ لدى مستخدمي الأنسولين للعلاج، إما نتيجة الحصول على جرعة زائدة من الانسولين أو أخذ الجرعة دون تناول طعام، أو نتيجة ممارسة مجهود بدني شاق يستنزف طاقة الجسم. ومن هنا ينصح مريض السكر لاسيما المعتمد على ي«الأنسولين» بحمل بعض السكريات معه دائماً تلافياً لحالة هبوط السكر. القسم الثاني «المرضى المعتمدون على الحمية أو الحبوب»:- يشيع حدوثه بعد سن الاربعين من العمر؛والبدناء هنا يشكلون الأكثرية، كما لايعتمد علاجه لهم، مع مراعاة الالتزام بالحمية. ويندرج المعتمدون على تناول حبة أو حبتين من حبات الدواء المنظم للبنكرياس لإفراز الأنسولين تحت هذا التصنيف، ويمكنهم أيضاً الصيام، شرط ألا يكون الافطار دفعة واحدة، وأن تتوزع كمية الطعام الذي يتناوله على وجبتي الفطور والسحور بالتساوي، ذلك أن الأكل دفعة واحدة بعد فترة صيام وانقطاع طويل عن الاكل والشراب يعمل على رفع سكر الدم كثيراً وله مردود سيء جداً على الصحة. واؤكد وأشدد على ضرورة التزام مريض السكر المسموح له بالصيام بتأخير وجبة السحور إلى ماقبل الفجر، والاقلال من النشاط الجسماني في فترة مابعد الظهر لتجنب الانخفاض الحاد لنسبة السكر في الدم، مع الاكثار من شرب الماء خلال الليل لتجنب الجفاف. ويكون تناول الحبة أو القرص الأول بالنسبة لهؤلاء عند أذان المغرب، قبل الافطار مباشرة. وأحب أن أنوه إلى أن هناك نوعاً معيناً من خافضات السكر تناسب هؤلاء المرضى المعتمدين على الحبوب، وماعليهم إلا مراجعة الطبيب المختص لوصفها ولتحديد معيار الاستخدام. ارتفاع مستوى السكر {.. متى يُسمح أو لايُسمح لمرضى السكر بالصيام؟ وما الذي يتعين للقادرين على الصيام لمواجهة أي طارئ؟ أغلب المظاهر المرضية لدى مرضى السكر شيوعاً تلك التي تنتج عن ارتفاع مستوى السكر بالدم، مثل «العطش الشديد كثرة إدرار البول ألم وتنمل بالاطراف تعب شديد جفاف الفم تكرر حصول الالتهابات الجرثومية وخاصة الجلدية والتناسلية تأخر التئام الجروح». فإذا كان مريض السكر ممن لاتشمله تلك المجموعة التي ذكرتها قادراً على الصيام لزم عليه التقيد بوصايا طبيبه في المحافظة على كمية ونوعية الغذاء الذي يصفه له وتجنب كل مامن شأنه أن يؤدي إلى هبوط أو ارتفاع مستوى السكر في الدم. الحمية واعتباراتها {.. ما الشروط والاعتبارات الواجب توافرها في مجموعة الاغذية اللازم اتباعها من قبل مرضى السكر، خاصة في الشهر الفضيل؟ أولاً، لابد لقائمة الأغذية المسموح بتناولها في شهر رمضان المبارك من قبل مرضى السكر أن تحدد من قبل الطبيب المختص أو اختصاصي التغذية؛ويراعى فيها مقدار ما على المريض تناوله من أغذية الطاقة «السكريات النشويات الكربوهيدرات» بالقدر الذي لاتزيد معه نسبة السكر في الدم، وبما يحد أيضاً من انخفاضه في الجسم، بالاستناد إلى عوامل عدة، منها «العمر الوزن الحالة الصحية العامة للمريض النشاط البدني». ولو نظرنا إلى الحمية الغذائية لوجدنا اشكالاً متعددة منها، إلا أن الأنسب منها لمعظم الحالات وخصوصاً للقادرين على الصيام وليس للمريض الاكتفاء بما يقرأه حول هذا الجانب في المجلات أو الكتب، بل يجب عليه استشارة طبيب مختص ليقرر له الحمية المناسبة. وعلى كلٍ هناك سكريات ذات تركيز عالٍ سريعة الامتصاص، كالسكر والعنب والمربيات وغيرها، وصنوف أطعمة وحلويات يضاف إليها مادة السكر، وعلى مريض السكر تجنبها، واحذر عند شعور المريض بالسكر أثناء الصيام بأعراض انخفاض السكر في الدم،أحذره من التهاون في هذه المسألة حتى لايقع في مشكلة خطيرة، إذ يجب عليه أن يسارع من فوره إلى تناول سكر مذاب في كوب ماء بمقدار نصف ملعقة، أو أي مادة حلوة كقطعة «ملّيم» صغيرة. إن الاندفاع دون روية والتهافت على الطعام والاكثار منه قد يعمل على رفع السكر في الدم لدى المرضى وذلك له أثر سيء جداً على صحتهم. وعند الافطار لايسمح لمريض السكر الصائم بتناول التمر، إلا إذا كانت تمرة واحدة فقط للفطور، وله ماشاء تناوله من أصناف الخضراوات دون تحفظ باستثناء البطاط يتم تناولها بقدر محدد. بينما الحبوب، مثل «الرز الاسمر البر الاحمر الشعير الدخن الغرب» فيجب أن تكون بقشورها. ويراعى في الفواكه أن تكون بمقدار محدد يقره الطبيب بحسب مستوى السكر لدى المريض ،أما اللحوم،فإما أن تكون مسلوقة أو مشوية على النار، ويفضل منها الاسماك بالدرجة الأولى، ما عدا الجمبري؛ويختار من لحم الدجاج صدرها. ولابد أن تكون لحوم الابقار والاغنام والماعز من الانواع صغيرة السن ومن أجزاء الاطراف فقط «الارجل». أما المقليات فهي بجميع أنواعها ممنوعة. والعسل يندرج تحت قائمة الطعام المحظور على مريض السكر تناوله، أيضاً الدهون الحيوانية ممنوعة؛ وتعد الزيوت النباتية بديلاً مناسباً عنها، مثل زيت الزيتون، زيت السمسم، وزيت الذرة. الحركة والنشاط {.. ما الممارسات المكملة للحمية الغذائية المعنية لمرضى السكر على التعايش مع مرضهم؟ يجب على مرضى السكر الابتعاد عن الكسل والخمول وممارسة قدر مناسب من الرياضة عقب الوجبة وفقاً للسن والحالة الصحية العامة، كالمشي والجري الخفيف وغيرها، لما فيها من فائدة في احراق السكر الزائد بالجسم وتحسين مستواه بالدم، مقللة من مخاطر حصول مضاعفات، ولما من شأنه. العمل على تحسين نفسية المريض، ولابد لهم أن يحرصوا على أداء الصلاة في المساجد مشياً على الاقدام، بما فيها صلاة التراويح والقيام. يتوجب عليهم أيضاً تناول العلاج بالجرعات المحددة الموصوفة من قبل الطبيب المعالج المختص،فليس في المسألة رأي أو احساس شخصي؛إلى جانب مراجعة الطبيب لزاماً عند كل عارض أو إذا ما واجهتهم مشكلة ما، والابتعاد عن الممارسات والسلوكيات الضارة بصحتهم، كالتدخين. بالاضافة إلى الابتعاد عن القلق والتوتر النفسي والتأقلم والتعايش مع المرض والاقبال على الحياة بتفاؤل وكل ثقة. النظافة الشخصية كذلك مطلوبة.. مرضى السكر مطالبون، بل وملزمون بأن يهتموا بها، حيث أن مواضع في أجسامهم يمكن أن تتعرض للالتهابات المتكررة، كمناطق الثنايات بالجلد والقدمين والفم والاسنان والجهاز التناسلي. مع مزيد من العناية عند حصول الالتهابات وانطلاقاً من حتمية وضرورة الاستمرار في ضبط ضغط الدم يتعين على مريض السكر للحد من ارتفاعه أن يواظب على زيارة المرفق الصحي لقياس ضغط الدم، وعليهم أيضاً إجراء تحاليل دورية لفحص مستوى السكر للحفاظ على توازنه في الجسم.