أوشكت الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك على الانقضاء.. مع وداع هذا الشهر دعونا نقف لحظات لمراجعة الحصيلة التي سنخرج بها طيلة شهر كامل مارسنا خلاله كل أنواع العبادات من صيام وزكاة وقراءة القرآن.. نحن هنا لانحاسب المرء على العبادات فذلك أمر مفروغ منه ومتروك بين العبد وربه. إذن لنكون أكثر صراحة ووضوحاً.. كما رمضان شهر للروحانيات وأداء الطقوس الدينية فهو شهر لمشاهدة القنوات الفضائية ولا أحد يستطيع الانكار أنه لم يشاهد ولو أي مسلسل من مسلسلات شهر رمضان، فهي محشورة حشراً في جميع القنوات الفضائية لايكاد ينتهي مسلسل حتى يبدأ آخر وهكذا. نحن هنا لسنا بصدد أن نلقي بالعتاب واللوم على الشباب لترك العبادات ومشاهدة تلك المسلسلات .. فلا أجد أي مانع أن يجلس بعض من شبابنا أمام شاشة التلفاز لمشاهدة حلقات مسلسل معين كل تركيزهم وحواسهم منصب على مشاهد الحلقة حتى أن البعض يستمتع كثيراً في إعادة مشاهدة الحلقات من قناة أخرى.. كل ذلك لاغبار عليه فربما ذلك المسلسل قدم شيئاً جديداً استطاع جذب الانتباه إليه وابعاد حالات الشعور بالملل والرتابة في إعادة مشاهدته مرة ثانية.. الآن لنقف لحظة صدق وتقييم لم تقدمه القنوات الفضائية من مسلسلات «المفروض» أنها تحاكي قطاعاً واسعاً من الشباب العربي وتسهم بشكل أو بآخر في تشكيل ثقافة واعية تساعدهم على استيعاب طبيعة الحياة والعالم المعاصر وبنفس الوقت تعمق الشعور بالانتماء للدين والوطن. أنا ماعرض ويعرض من المسلسلات لاتناقش أية قضية من قضايا مجتمعاتنا بشكل جدي.. فلم الحظ مسلسلاً استطاع أن يقدم مادة يؤكد خصوصية ثقافتنا وتعزيزها أمام طغيان الغزو الغربي خاصة لدى فئات الشباب والمراهقين.. المسلسلات لايزال الكثير منها رديئاً ولايرتقي إلى حجم مانعانيه في وقتنا الحاضر فبعضها لن يخرج عن التعلق بالماضي والبكاء والنواح على ماحل بنا في التاريخ الحديث متناسيين تاريخنا المعاصر وضرورة إيجاد وسيلة لتشكيله قبل أن يضيع هو أيضاً من بين أيدينا. صار الإعلام العربي هو المتهم الأول إلى ماوصل إليه شبابنا اليوم من سطحية التفكير وحالة الكسل والخمول والتخبط والتشاؤم والاغتراب الثقافي ذلك بما يقدمه من برامج أقل ما نستطيع القول عنها أنها الأكثر تفاهة ومعظمها مسابقات على نمط «اتصل واربح» لاهم لها سوى استدراج المشاهد للمزيد من الاستهلاك عبر الإعلانات التجارية وتسطيح مستواه الأخلاقي والفكري، لتكون بذلك شريكة في هذا الغزو بشكل أو بآخر. ومع حالة الشتات انقسم إعلامنا العربي إلى قسمين:- الأول هو الإعلام المحافظ الذي أصبح دافعاً على إبقاء الجمود الاجتماعي من خلال رداءة مايقدمه من برامج مما سبب عند الكثير من الشباب حالة نفور بكل مايربطهم بتراثهم وعقيدتهم ووطنيتهم .. من منطلق أن هذه المفاهيم «تقليدية» تناقض التوجه العالمي التي يدعو للانفتاح. القسم الثاني هو الإعلام المنفتح واعتماده على التقليد والسطحية مما ساهم في ضياع الهوية الثقافية لهذه الفئات الشابة. بدلاً أن يبحث إعلامنا العربي عبر برامجه ومسلسلاته عن وسيلة عصرية لربط الشباب بهويته الثقافية والدينية والاجتماعية مما يعزز أصالته ويحفظ كرامته وبين الكف عن التقليد الأعمى وإعداد نفسه لمواجهة التحديات معتمداً على ذاته بعيداً عن استيراد الأفكار الغربية.. نجده يتخبط هنا وهناك بلاهدف محدد أو خطة مرسومة، هو إعلام للتسلية وإضاعة الوقت. لا أعلم ماهي الحصيلة الأخيرة التي سيخرج بها المشاهد الرمضاني من مسلسلات لاتغني ولاتسمن، صُرف عليها مبالغ طائلة ومع ذلك لم تؤدي الدور المفترض تأديته في هذه المرحلة عن جدّ.. ألم تصابون بعد بالتخمة الإعلامية ؟!