تمخض الجبلُ فولد ناراً، نعم، تحرك الجبلُ وزمجر وإنطلقت حممه، لم يعد يقوى على الصمت والسكوت والكل عن مشاكل عالمهم مشغول بلعبة ثقب الأوزون، بلعبة حرب النجوم، حرب القبائل والفيلة وأرباب الصناعات ومجالس إدارت نهب وسرقة الناس، الأعيب وصفقات وتفتيت كيانات وتدمير بيئات وتلويث أنهر وسماوات وتخزين النفايات في بطون الصحاري عبر الليالي المقمرات وجوف محيطات البحار عبر صفقات مشبوهات حتى ضاق الكون ذرعاً بفساد بني الانسان وتجنيه على بيئته وطبيعته وعالمه، ألاعيب، مخدرات، تفجيرات حروب وصراعات وأسلحة فتاكة مما يحيرُ الألباب. وهكذا صارت الأحوال حتى ضاقت الجبال والبحار ذرعاً بالعالم، بنفسها، فزاد غضبها، وقذفت حممها بدءاً من غضبه السونامي الهائج إلى الأعاصير التي قالت للنيرون مافعلته كان قليل وأخيراً وليس آخر ها هي البراكين تتحرك، تنطلق، تطلق عقالها وعقلها وتتحدث بصوتٍ عالٍ.. يا أيها الإنسان ما أظلمك، أكلت وشبعت ونمت ونسيت نعمة الشكر وكنت أقرب إلى ذلك الذي أصابه التبطر على نعمة الرحمن وكان الذي كان من مفاعيل دولة العولمة والفساد من أركان دافوس حتى آخر مخدع لسلطان بيت العلامة خُداد الوردي صاحب البستان ومفصل القمصان. قم من نومك وإحذر أيها الانسان. تلك كانت آخر كلمات جبل الطير قبل اطلاق صواريخه وحممه. تمخض الجبل، جبل الطير، وحدَّث وتحدث حديثاً عالياً صاخباً وقال ما لم تقله الرمال والحجار والأشجار والطير الأبابيل تلك التي قذفت قوافل الفساد يوماً بحجارة من سجيل. تمخض الجبل بعرض البحر فولد ناراً وحمماً ولهيباً وقذف من جوفه حمماً وناراً سعيرا، غضباً ولهيباً زمهرياً، وقال قولاً أليماً بعد صوم طويل رغم أنه كان قانعاً بما قسمه الرحمن، إرتضى قانعاً بالبقعة البحرية التي سكنها مكاناً قصياً موئلاً وموطناً له يتأنس فيه مع موجات البحر وأحشاء أسماكه ومخلوقاتها البديعة، قانعاً بحياة البحر المليئة بعالم الغرابة والاختلاف البديع والقدرة على التعايش البناء رغم انعدام التوازن بين القوى المنتشرة في أحشائه لكنها حياة بحرية ذات طابع تعمقت فيه عوامل التوازن البيئية التي ارتضتها جميع المخلوقات هناك كي تستمر السفينة، سفينة الحياة بالمضي قدماً، بالتجدد والنماء، وكان عالم البحار متعة الخالق التي يبحث عنها عالم الانسان. هذا التكوين الالهي العجيب الغريب، اللوحة الغناء المثيرة للتساؤل والسؤال عن حكمة الباري في خلق هذا التوافق بين متعارضات بين فكٍ مفترس وأخاديد ومنعطفات، الكل في منعرجاتها فارس همام يلتهم الكبير فيهم الصغير من فرسان البحر إلى ذلكم الفك المفترس إلى حكمة الدولفين ملك المرح والضحك على الذين باعوا أنفسهم للشيطان وجعلوا من مملكة الأسعار والأسواق والأرباح أوطاناً لهم يبيعون ويشترون فيها جثث الانسان. هذا الدولفين فر هارباً من شفط النيران وسعيرها التي أطلقها لهيب جبل الطير، حين زمجر وأزبد وأرعد، أطلقت أمه الدلافين عبارات السخرية عن حاله عالم الانسان المطحون بالغلاء والحروب والحروق والسعير وذوبان الجليد وثقب الأوزون، المطحون بعالم العمولات، والمقابل المعلوم وندرة الأخلاق وقلة الذمة والفعل الحرام واختلاط الحلال بالحرام واتساع سوق النفاق والتجمل بالكذب الجميل وخداع الأبصار وكل تلك التفاهمات والتفاهات التي تبرر وتبرز الفعل الخاطىء وتحط من قدر صحيح الفعل وتخطئه. لاحظ الجبل وهو يرقب بصمت تناقض المتناقضات ضحك كثيراً، لكنه ضحك كالبكاء على ماآل إليه حال الانسان لاحظ الجبل مجيء البوارج وحاملات المدافع والصواريخ لم يعد الجبل موئلاً لزرافات وأمواج ومئات الآلاف من الطيور المهاجرة النوارس التي تطوق أرجاء الدنيا، غناءاً ومتعة، صار الكون بحراً وبراً مجالاً حربياً، بات الانسان عرضة للنهب والاستغلال، باتت الأسواق مكاناً للنفايات وليست متاعاً لصنع أفضل القرارات لصالح الانسان، كل شيء حاصر الانسان ونظر شمالاً يميناً فرأى بحاراً تموج وأسواقاً تفور ورؤوساً تطير ورأى جبالاً تتحرك وكانت حكاية جبل الطير. ويا أيها الطير المسافر إلى مكان بعيد فل عنا، قد توحش الانسان وهو يخطط بعد أن ضرب الأرض يزمع في ترتيب رحلات المتعة والسكن في الفضاء من أولئك الذين نهبوا ودمروا خيرات الأرض. جبل الطير.. وما أدراك ما جبل الطير، ولماذا وكيف ومتى ياترى دُعى وسمى بجبل الطير، هل كانت التسمية من وحي زيارة ملك الطير ومحدث الطيور الملك سليمان الحكيم أم لأن الطيور المهاجرة استطاب لها المقام فيه خلال رحلاتها مع تقلبات المواسم، كل شىء يجوز في عالم لم يعد فيه أبواب موصدة أمام رغبة الانسان. تكلم أيها الجبل، فنحن معشر البشر أصابتنا غيمة الشك من كل الأشياء التي نراها تتحرك في الاتجاه المعاكس لصالحنا، وكما يقال أيها الجبل الهمام فقد حدثتنا حين تفجرت حممك حديث الصدق وقلت لنا إفهموا جيداً بأن مصائب قوم عند قومٍ فوائد، فإن كانت أحياء عالم البحار قد أصابها الخوف والفناء والهلع فإنها بالنسبة لكم فرصة كي تخرجوا من سباتكم الطويل، كي تعجلوا باتخاذ احتياطاتكم اللازمة لمواجهة الأزمات، استعدوا جيداً كي تحموا أنفسكم وشعوبكم من ويلات الكوارث وقبل هذا الفساد وطوابير البطالة وغول الغلاء القاتل عبر العمل الصادق الصائب، بعيداً من تبديد الموارد وحسن إدارتها عبر البحث العلمي والادارة العلمية السليمة لشئونكم وشئون من تحكمون، افصح قليلاً فأنا لا أسمعك جيداً، ارفع صوتك أيها الجبل المزمجر، ماذا تقول!!؟ البحر أمامنا والعدو من خلفنا!!؟ ياهول الله أي عدو أيها الجبل الجليل.. فنحن بلد مسالم لانروم الحروب والتوسع، نحن محاطون بآلاف المشاكل!.. ذلك ما أروم أيها الانسان المخادع!!؟ أنت، أنتم.. يابقايا عرب الأندلس وبيت الشام وأمجاد رحلة الشتاء والصيف، أنتم محاطون بأعداء فتاكين من أمراض الفساد والبطالة والفقر.. أنتم محاطون بالجهل والأمية والأمراض وسرقة أموال الفقراء، أنتم أيها اليمانيون تمرون بمرحلة حرجة تحتاجون فيها إلى قوة الفعل بدلاً من لغة الاتهام والقدح وقذف القنابل والرصاص.. أنتم بحاجة لراحة تظلل الجميع ويبني عرشها وعروشها الجميع ويا أيها الجبل الساكت المتكلم حدثنا وقل شيئاً عن كل الأشياء قولاً حميداً. قل عن الماء قل عنه هو جواهر بين أياديكم فكيف بكم لاتحافظون على قطراته على ماتبقى منها في زراعة تنتج لكم لأبنائكم لأحفادكم الغذاء بدلاً من شجيرات القات التي باتت توسع مملكتها مملكة الشيطان والدولار والغلاء والتضخم والفساد. تكلم أيها الجبل الهمام واخطب فينا خطبة الوداع قل فينا قولاً جميلاً كما قال الإمام الشافعي: نعيب زماننا والعيب فينا ومالزماننا عيب سوانا ونهجوا لزمان بغير ذنبٍ ولو نظق الزمان لكان هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانا قل.. تكلم.. أيها الجبل الهمام، قل لهم، لنا، لكل الناس لاتحسبوا حقوق الانسان تأتي بالمجان، إرحلوا فارقوا بقع الخوف والتردد وإدمان اللامبالاة إشفقوا عن صمتكم بالحجة والفعل الصائب والعمل الصادق فارقوا فقط ميادين التظاهر والخداع. ومن كان منكم فليرم شيطان الكذب والزيف والفساد بحجار الصدق كما فعل جبل الطير حين عبر غضبه مما صار من خراب ودمار تمارسه قوى الشر والعدوان على الطبيعة واستقرارها وكان هياجه وهيجانه قوياً لدرجة نبهت العالم أن ثمة خطأً وخطايا ينبغي على الجميع التصدي لها. فهل نحن فاعلون؟.. سؤال على الطريق!