زعموا أن عملاقاً سكن منطقة، فدوّخ العباد من شدة بأسه فكان إذا مشى ارتجّت الأرض تحت قدميه. وإن تكلم كان صوته أشبه بهزيم الرعد، وأصبح الناس بين خاطب لودّه وخائف من غضبه، واستمرت الحالة هكذا دهراً، حتى جاء ذلك اليوم الذي ارتجّت الأرض من جديد بتواتر الأخبار بمقدم عملاق لا يقل بأساً عن صاحبنا الأول. ونظراً لهيبة العملاق الأول وذيوع صيته أنه لا يقهر، وأن كل المنطقة تخافه، فقد أراد العملاق الجديد التقرب من الأول فأرسل له هدية فلما جاءت الهدية للعملاق الأول زمجر بغضب وقال في نفسه إنه يخطب ودّي لأنه ضعيف جبان. سمع العملاق الثاني الخبر فغضب بأشد وقال: ويله إن القوة أفسدته والكبرياء أطارت لبّه ولقد بلغت به الوقاحة أن اعتبر تودّدي ضعفاً وهديتي لينا. ثم إن العملاق الثاني عمد إلى هراوة ضخمة تهد جبلاً وهرع إلى العملاق الأول فسمعت حيوانات الغابة أن العملاق الثاني في طريقه لتأديب العملاق الأول ففرحوا بهذا وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لنرى صراع الجبابرة. ثم إن العملاق الأول بلغته الأخبار أن الأمر خطير وصاحبه في الطريق إليه وفي يده هراوة فتطامن من قوة وعلاه الخوف. نظرت إليه زوجته الحكيمة وقالت له: لا بأس عليك يا زوجي فلكل ضيق مخرجا والعقل يغلب شجاعة الشجعان. قال لها الزوج المرتعب: ويلك ألا تشعرين بارتجاج الأرض وزعيق الرجل من بعيد؟ قالت له الزوجة الحكيمة: أيها المغفل لا عليك. تمدد في هذا الفراش ولتخرج أقدامك من نهايته. انبطح الرجل في الفراش وغطته الزوجة الحكيمة باللحاف ثم جعلت قدميه بارزتين من طرف السرير. وخلال لحظات كان العملاق الثاني الغاضب قد وصل البيت فالتفت يزمجر وهو يصرخ: أين الوقح الذي تحداني؟ ثم لوح بهراوته في الهواء فلم تتحرك المرأة وأشارت إلى قدمي زوجها البارزتين وأشارت بسبابتها إلى العملاق الثائر أن لا توقظ الغلام النائم. نظر العملاق الثائر إلى فراش الغلام فجحظت عيناه من الرعب وقال في نفسه: إن كانت قدمي الغلام بهذا الحجم فكم يكون حجم العملاق الذي أتيت لمبارزته. التفت إلى الزوجة الهادئة وقال: عفواً لإقلاق نوم الطفل وإزعاجي لكم وسلمي على زوجك الغائب فأنا جئت فقط كي أزوره والتمس بركته ونصائحه. ثم التفت وأطلق ساقيه للريح لا يلوي على شيء. هذه القصة تروي علاقة السلوك بالتصور ولكن هل يمكن أن نتصور أن الكثير من مواقفنا في الحياة هي على صورة نكتة أكبر من هذه الرواية وأن الكثير من الأوهام تمسك حياتنا« وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون».