(9) تشارلز داروين (1809- 1882): ابن يسار، وطالب غير بارز، وثب تشارلز داروين إلى الفرصة السانحة للخدمة بصفة عالِم طبيعي من غير مرتّب، على متن السفينة "بيغل" سنة 1831م. وفي سياق مغامرته، التي دامت سنوات خمسًا، حقق عبقريته: رغم أنه عاد شبه مريض، عمد إلى تربية عشرة أولاد، وحل مسألة التضمينات التي شاهدها في جزر غالاباغوس والجزر المرجانية (الحلقية الشكل المحيطة بجسم مائي ضحل متصل بالبحر) في المحيط الهادئ (الباسيفكي). وما تفتأ نظرياته في التطور والانتقاء الطبيعي، المنشورة سنة 1859م، تثيرنا اليوم.. في سنّ السادسة عشرة التحق داروين بجامعة أدنبره لدراسة الطب، إلاّ أنه أكتشف أن الطب وعلم التشريح موضوع مملّ، وعقب فترة من الوقت انتقل إلى جامعة كيمبردج لدراسة اللاهوت كي يصبح قسًّا. وقد أكتشف هناك أن الرماية والفروسية هما مستساغان أكثر من دروسه. مع ذلك، تدبّر أمر التأثير في أحد أساتذته، بما فيه الكفاية، لكي يوصي بأن يشغل وظيفة ذات علاقة بعلم النبات على متن سفينة "بيغل" التي تقوم برحلة استكشافية في جزر المحيط الهادئ. فعارض والده هذا التعيين ظنًا منه أن مثل هذه الرحلة سوف تكون مجرد حجة بُعد يتذرع بها ابنه الشاب لكي يؤجل حسم مسألة الانصراف إلى عمل جدّي. ولحسن الطالع، أن داروين الأب أُقنع بمنح موافقته على هذه الرحلة، ذلك بأنها ستدلل على أنها واحدة من أكثر الرحلات المحيطية مكافأة وأهمية في تاريخ العلم الغربي. لم يكن داروين أول من بدأ أو أنشأ هذه النظرية التي طلع بها عن أصل الأنواع بوساطة الانتقاء الطبيعي، فقد سبقه إلى افتراض تلك النظرية كثيرون قبله، بمن فيهم العالِم النباتي الفرنسي لامارك، وجدّه تشارلز إرازموس داروين. غير أن هذه الافتراضات لم تحرز قط قبول العالم العلمي لأن مقدّميها عجزوا عن تقديم تفسيرات مقنعة حول الوسائل التي يحدث بها التطور. وكان اسهام داروين الكبير هو أنه كان قادرًا على تقديم لا آلية، الانتقاء الطبيعي وحسب، وبها يمكن حدوث التطور، بل كذلك قدرًا كبيرًا من البراهين المقنعة لدعم فرضيته. لقد أحدثت كتابات تشارلز داروين ثورة في علميّ الأحياء (البيولوجيا) والإنسان (الانثربولوجيا).