لنصغي إلى عقولنا ونتدارك بالامتناع عن تعاطي التبغ مايمكن تداركه من صحتنا. فالصحة مكسب كبير لايعرف قيمته الحقيقية إلا من قوضت الأمراض والأوجاع عافيته، وتزداد معها الحسرة والندم إذا كان الإدمان على التبغ السبب فيما آلت إليه الصحة من تدهور واضمحلال. الخطاب أوجهه إلى الشباب المدمن على التدخين ومن يتعاطون منتجات التبغ الأخرى «الشمة - التنبل - البردقان» على حد سواء. وقوفاً على هذا الإشكال وتزامناً مع اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الذي اتخذ شعاره لهذا العام : «شباب بلاتبغ»، كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور محمد الخولاني - مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين بوزارة الصحة العامة والسكان، الذي بدوره أطلعنا على مشكلة التدخين الشائكة والخطيرة، ومايمكن اعتباره حلولاً لتخفيف الإدمان على التدخين ومنتجات التبغ الأخرى المتداولة محلياً وخاصة بين فئة الشباب. فإلى ماورد في هذا اللقاء.. قضية العام }.. مافحوى قضية اليوم العالمي للامتناع عن التدخين لهذا العام «2008م»؟ - قضية هذا العام ركزت على التسويق والترويج للتبغ بكافة أنواعه ومايجرى من استهداف للشباب وصغار السن وإغرائهم باستعمال منتج خطير يقتل أكثر من «%50» من المدمنين عليه. لذلك فإن الحظر الشامل والمنع الكلي لجميع أشكال الإعلان والدعاية المباشرة وغير المباشرة للتبغ بمافي ذلك رعاية الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية يعد من الوسائل الأكثر فاعلية لحماية الشباب من التورط في البدء باستعمال التبغ، والهدف من ذلك «شباب بلا تبغ»، وهو شعار اليوم العالمي للامتناع عن التدخين. وقائع وإحصاءات }.. ماذا عن مشكلة التدخين محلياً وعالمياً معززة بالأرقام والإحصاءات؟ - ثلث سكان العالم تقريباً من المدخنين، أي أن هناك «1.3 مليار» مدخن، ثلثهم يعيشون في البلدان النامية. وبينما يوجد في العالم نحو مليار شاب، فإن «%85» منهم يعيشون في البلدان النامية ويتعرضون للتأثير الدعائي المضلل وإلى الأساليب التسويقية الملتوية لشركات التبغ العالمية من أجل إغوائهم وقيادتهم إلى التجربة، ثم الإدمان طيلة حياتهم على التبغ بكافة أنواعه. ومحلياً بينت مؤشرات مسح صحة الأسرة عام 2003م أن نسبة المدخنين من بين البالغين «15 سنة فأكثر» تمثل «%23.7»، ونسبة تعاطي الشمة من «10 سنوات فأكثر» هي «%1.15» ذكور، و «%6.2» إناث. بينما يحتوي التبغ على أكثر من «4 آلاف» مادة كيميائية، منها نحو «50 مادة » تسبب الإصابة بالسرطان «مواد مسرطنة»، ويؤدي إلى وفاة شخص واحد كل «8 ثوان» ووفاة مايربو على «13 ألف » شخص في اليوم، أي أكثر من «5 ملايين» شخص في العام الواحد. التشجيع على الإدمان }.. كيف تفسر تنامي مشكلة الإدمان على التبغ بين المراهقين والشباب عموماً ؟ - الاعتقاد الخاطئ لدى الشباب بأن تدخين السجائر أو الشيشة سلوك حضاري وجذاب لافت للآخرين، وخاصة المراهقين، ومن يمثلون لهم القدوة السيئة، بمايقدم عليه المدخنون من أعيان المجتمع والممثلون والشخصيات وذوو التأثير في الأسرة والمجتمع كالآباء والأقارب، من التدخين - دون تورع - أمام المراهقين.. أمور تجتذب هذه الفئة إلى التدخين، فيتأثرون بمايفعله الكبار. عامل آخر هام، هو سلوك تعاطي القات لدى المجتمع اليمني في الأفراح والأتراح وجميع المناسبات المختلفة في أماكن مغلقة. والقات معروف عنه أنه يزيد المدخن رغبة في التدخين، ولاتقف حدود هذه المشكلة فقط عند تعرض غير المدخنين واستنشاقهم لدخان التبغ، ويستدرج الكثير منهم من قبل الجلساء المدخنين ليحملوهم على التجربة حتى يصبحوا مثلهم مدمنين على التدخين. مشاكل واعتلالات }.. ماطبيعة المشاكل المرضية التي يسببها الإدمان على التبغ بكافة أشكاله، بمافي ذلك أضرار التعرض القسري لدخان التبغ ؟ - أكدت الدراسات والأبحاث العلمية بمالايدع مجالاً للشك الارتباط الوثيق بين تعاطي كافة أشكال التبغ «من سجائر ومداعة وشيشة وشمة ومضغة وبردقان وتنبل وغيره» والإصابة بالأمراض السرطانية بمختلف أنواعها.. حيث وجد أن «%90» من سرطان الرئتين سببه التدخين، ويعزى إلى التبغ التسبب بسرطان المثانة نتيجة مايحتويه من سموم ومواد كيميائية ضارة تفرز عن طريق البول. كما ثبت أن تناول «الشمة - البردقان - التنبل» وغيرها يسبب سرطان الفم واللثة والحنجرة والبلعوم. إضافة إلى تسبب التدخين ومنتجات التبغ بتضييق شرايين القلب والمخ المؤدي إلى انسدادها، وبالتالي الإصابة بالذبحة الصدرية واحتشاء عضلات القلب والجلطة الدماغية وغيرها من الأمراض المزمنة والمستعصية. وبالنسبة للدخان المنبعث من احتراق التبغ بكافة أشكاله، وهي مايسمى بالتدخين القسري، فقد صنفته منظمة الصحة العالمية أحد الأسباب المؤدية للسرطان عند الإنسان وله تأثيرات فورية, مثل هيجان الأنسجة المبطنة لتجويف الأنف والسعال والغثيان وكتمة النفس والصداع وغيرها. أما التأثيرات بعيدة المدى، فهي زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، مثل الجلطة القلبية، وكذا جلطات المخ ومختلف أنواع السرطانات حيث تزيد بسببه الإصابة بسرطان الرئة بنسبة «20-30 %» كذلك النسبة ذاتها في زيادة القابلية للإصابة بقصور الشرايين التاجية. وأيضاً تأثيره خطير على الأطفال حديثي الولادة، منها أنه يؤدي إلى وزن منخفض للمولود والقابلية الأكثر لهم للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو والتهاب الأذن بالإضافة إلى كونه يجعل الرضيع عرضة أكثر لخطر الموت المفاجئ. برنامج المكافحة }.. أين تتحدد مسؤوليات البرنامج الوطني لمكافحة التدخين ؟ - من مسؤوليات البرنامج الوطني لمكافحة التدخين - كماورد في قانون مكافحة التدخين - في بعض أهدافه : - توحيد وتنسيق الجهود الرسمية والشعبية لتخفيض نسبة المدخنين والحد من الزيادة المتناسية في أعدادهم . - توعية المجتمع بالأضرار الناتجة عن التدخين وحماية أفراد المجتمع من تعاطيه، وتشجيع الأنماط السلوكية المناهضة له. - حماية المجتمع من أخطار التدخين القسري، وحفظ حقوق أفراده من غير المدخنين في العيش في بيئة صحية خالية من الدخان. - مساعدة المدخنين في الإقلاع عن التدخين. - تحجيم الخسائر الاقتصادية والصحية والاجتماعية الناتجة عنه. - إجراء المسوح والدراسات الوطنية، شاملة التعاون والتنسيق مع الجهات الرسمية ذات العلاقة والمنظمات والمؤسسات المدنية والشعبية العاملة في المجتمع. معالجة الإدمان }.. لماذا لاتتبنون مشروع إقامة عيادات متخصصة في معالجة الإدمان على التبغ ؟ - من أهداف وسياسة البرنامج الوطني لمكافحة التدخين العمل على فتح مثل هذه العيادات لمساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين وكافة أنواع التبغ لكننا بحاجة إلى تأهيل الكوادر اللازمة لذلك واعتماد الميزانية المكلفة لإنشاء هذا العيادات وتأثيثها وشراء الاجهزة المطلوبة والعلاجات اللازمة. قانون التدخين }.. أما من سبيل لتفعيل قانون مكافحة التدخين لمنع التدخين في أماكن العمل ووسائل المواصلات ؟ - جار تفعيل قانون منع التدخين في ديوان وزارة الصحة العامة والسكان ابتداءً من اليوم «31مايو 2008م» تزامناً مع اليوم العالمي للامتناع عن التدخين وذلك بشكل صارم، إن شاء الله تعالى. وبالنسبة لوزارات ومؤسسات الدولة، فهناك العديد منها، كوزارات، «الصناعة -التجارة - وزارة التخطيط - الخارجية» وقطاع المناهج في وزارة التربية والتعليم، قد بدأت بالفعل بمنع التدخين في أماكن العمل، سابقة بذلك وزارة الصحة العامة والسكان. كذلك حظر التدخين قائم في بعض المؤسسات، مثل المحاكم والنيابة وطيران اليمنية وصندوق التنمية الاجتماعي، وغيرها كالمؤسسات الخيرية والخاصة، مثل المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان ومكاتب مجموعة العالمية وجهات كثيرة مختلفة. الجانب الآخر، منع التدخين في وسائل المواصلات الذي فعل منذ سنوات في وسائل النقل الجماعي الحكومي والخاص بين المدن لكن الإشكالية في وسائل المواصلات داخل المدن وخارجها لاتزال باقية إلى حد كبير، بينما هناك التزام بعدم التدخين في الحافلات والباصات في مدينة عدن والمكلا وتعز. بالتالي نحن بحاجة إلى تعاون الجهات المختصة مثل وزارة الداخلية والإدارة العامة للمرور لتنفيذ إجراءات منع التدخين وعقاب المخالفين. حظر الترويج }.. ماالرسالة التي تحب أن توجهها بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين ؟ - أدعو كافة مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني إلى التكاتف والتعاون والتنسيق فيما بينها للعمل من أجل الحد من مخاطر التبغ بكافة أنواعه، وذلك عبر التوعية المستمرة، والسعي نحو الحظر الكامل والشامل للإعلانات والترويج للتبغ أو عدم السماح لشركات التبغ بالقيام بدور الراعي لأي من الأنشطة الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية، سواء بالطرق المباشرة أو بالاساليب الملتوية.