الأطفال ليس أجدر بهم إلا الركون في أحضان آبائهم، وعدم مفارقة أحلامهم الصغيرة، إلا أن سطوة التهريب امتدت من تهريب السلع الغذائية والمخدرات والأسلحة لتطالهم في متاجرة ممنوعة ببراءة أطفال صغار, في عمليات تهريب إلى دول الجوار تحت مبررات واهية الشكل والمضمون، فأصبحوا بحق أطفال شقاء وحرمان زمانهم.. غياب البيانات الدقيقة وفي الوقت الذي لا تتوفر فيه أي بيانات دقيقة عن عدد الأطفال الذين يتم تهريبهم إلى دول الجوار، إلا أن تقارير رسمية ومنظمية تشير إلى وجود عصابات لتهريب الأطفال اليمنيين وخصوصاً إلى السعودية واستخدامهم في أعمال غير مشروعة. وبحسب مدير وحدة شؤون النساء والأحداث بوزارة الداخلية العقيد علي عوض فروة فقد تمكنت قوات الأمن الحدودية من إحباط تهريب نحو 49 طفلاً إلى داخل السعودية منذ بداية العام الجاري 2008م. كما أعلن مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة حجة أنه تمكن خلال الربع الأول من العام الجاري من ضبط واستعادة نحو 206 أطفال يمنيين على الحدود أثناء محاولتهم الهروب إلى المملكة العربية السعودية، منهم 157 طفلاً تم استلامهم بعد أن تمكنوا من التسلل إلى الأراضي السعودية، في حين أحبطت عمليات تهريب ل 49 طفلاً. إلا أن تقريراً أصدرته منظمة اليونيسف مؤخراً أشار إلى أن عدد الأطفال المرحلين خلال شهور فقط عبر منفذ حرض الحدودي بلغ 765 طفلاً وطفلة تتراوح أعمارهم مابين 9-17 عاماً. وكان تقرير رسمي حديث صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قد أظهر أن إجمالي عدد الأطفال اليمنيين المهربين إلى الأراضي السعودية بطريقة غير شرعية انخفض خلال العام الماضي2007 بمقدار 622 طفلاً يمنياً، مقارنة ب 900 طفل يمني تم تهريبهم العام السابق 2006م. من ناحيته مركز حماية الطفولة الاجتماعية الموقتة بمنطقة حرض محافظة حجة أكد أنه استقبل خلال العام المنصرم 622 طفلاً تم إيقافهم في عدد من محاولات التهريب عبر المنافذ الحدودية إلى المملكة العربية السعودية. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن أكثر المناطق فرزاً لتهريب الأطفال هي محافظة حجة، مديرية أفلح الشام وبعض المديريات المجاورة لها مثل أفلح اليمن - كحلان والجميمة، وتتصدر مديرية أفلح الشام المرتبة الأولى على مستوى محافظات الجمهورية تليها محافظة المحويت منطقة سارع بمديرية خميس بني سعد وبعض القرى الأخرى في هذه المديرية، وبعض مناطق محافظة الحديدة كمناطق تهامة مثل باجل والمراوعة. فيما تشدد مصادر في المجلس الأعلى للأمومة والطفولة على أن افتقار الجهات المعنية لمعلومات دقيقة ومهمة يعد عائقاً رئيساً يحول دون تحديد ومعرفة مستوى وحجم المشكلة وبالتالي عدم القدرة في التوصل إلى حل جذري لإنهائها أو على الأقل إعطاء التشخيص الكافي لها. أسباب الظاهرة الدراسات والأبحاث الميدانية تؤكد أن ظاهرة تهريب الأطفال إلى دول الجوار وخصوصاً إلى المملكة العربية السعودية ترتبط بشكل كبير بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها الفقر وسوء الحالة المعيشية ومحدودية الدخول لأسر الأطفال ضحايا التهريب، وكذا ارتفاع نسبة الأمية والبطالة بين أفراد هذه الأسر، إضافة إلى المشاكل الأسرية كالعنف والتفكك الأسري الناجم عن الطلاق. هذا ما أوحت به دراسة ميدانية نفذتها إدارة الدفاع الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتي بينت أن 59 حالة ممن شملتهم الدراسة يوجد 66 % ينتمون إلى عائلات لا يتجاوز دخلها السنوي 20 ألف ريال، مشيرة إلى أن عملية تهريب الأطفال غالباً ما تتم بعلم ومعرفة الأهل بحسب اعترافات 84 % من سكان المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية. فيما تتمثل العوامل المساعدة على انتشار هذه الظاهرة وتوسعها حسب الدراسة في ضعف الوعي لدى أسر وأهالي الأطفال حول المخاطر التي قد تحدق بأطفالهم أثناء وبعد عمليات التهريب، وعدم وجود نظام رقابة وموافقة الأهل وتواطئهم في عمليات التهريب، والنظرة إلى عمل الأطفال نظرة مقبولة لدى ذويهم، واعتبارها مصدراً رئيساً لدخل الأسرة، إضافة إلى عدم وجود نصوص قانونية جريئة تجرم تهريب الأطفال وتحدد عقوبات رادعة ضد المهربين ومن يتعاون معهم. إلا أن دراسة أخرى أعدها صندوق الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة "اليونيسف" بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أكدت أن عصابات تهريب الأطفال صارت منظمة, ولدى المهربين قدرة على تجاوز الدوريات الحدودية, ويستطيعون التسلل إلى مدن بعيدة جداً عن الحدود اليمنية السعودية.. لافتة إلى وجود مجموعة من الأشخاص يشكلون عصابات يطلق عليهم "المشلحون" يعيشون على جزء من طول المنطقة الحدودية بين بلادنا والسعودية، ويقومون باعتراض ونهب المتسللين والمهربين أو العائدين إليها من الكبار والصغار ويسلبونهم كل ما لديهم. السير نحو المجهول هذا وتنطوي ظاهرة تهريب الأطفال على العديد من المخاطر الجسيمة التي تؤثر على سلامة الطفل وصحته ونموه ونفسيته وسلوكه كفرد وعلى الأسرة والمجتمع حاضراً ومستقبلاً، جراء التباسات ظروف عمليات التهريب وما قد يتعرضون له أثناءها من الحجز والحبس في المعتقلات حين يتم القبض عليهم من قبل سلطات الأمن الحدودية، مع الإشارة إلى وجود حالات تعذيب وإساءة جسدية كالضرب، ناهيك عن ما قد يتعرضون له من تحرشات جنسية من قبل المهربين أنفسهم أو من قبل قطّاع الطرق، أو إصابتهم أثناء عمليات التهريب بإصابات قد تصل إلى فقدن حياتهم، وانتهاءً بخطورة المهن التي يمتهنونها في حال نجاح عمليات التهريب والتي لا تتناسب مع أعمارهم. جهود وطنية لمواجهة الظاهرة ولأن ظاهرة تهريب الأطفال تعد آفة ومعضلة إنسانية تهدد حاضر ومستقبل أجيالنا، فقد تظافرت الجهود الوطنية نحو التعامل الإيجابي مع هذه الظاهرة، وتم اتخاذ مجموعة من الخطوات والقرارات والبرامج والمشاريع الهادفة إلى الحد منها. حيث أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مؤخراً عن اعتمادها أول مشروع لخطة عمل وطنية شاملة للطفولة تتصدى لظاهرة تهريب الأطفال والإتجار بهم، مؤكدة أنها بصدد المعالجة الجذرية لهذه المشكلة عبر البحث الدقيق والبرامج الهادفة التي تعتبر الأولى من نوعها في البلاد. وقد قام المجلس الأعلى للأمومة والطفولة بإعداد الخطة الوطنية لمكافحة تهريب الأطفال، وذلك بتمويل من منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "اليونيسيف" وتمت مناقشتها خلال ورشة عمل خاصة عقدت في ال 7 من شهر أبريل 2008م الماضي قبيل عرضها على الحكومة لإقرارها. وتتمثل الخطوة الأولى من هذه المبادرة في إجراء تقييم شامل ودقيق للموضوع بهدف الوصول إلى إحصاءات موثوقة يمكن العمل بناء عليها، وستقوم الجهات المعنية بالتنسيق مع نظيراتها بالجارة السعودية بإجراء دراسة مشتركة تحاول من خلالها الوصول إلى الحيثيات الجوهرية التي تقف وراء تنامي الظاهرة وبالتالي وضع السبل الكفيلة لمعالجتها. حيث تقضي الخطة بدراسة الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأسر القابلة للسماح أو التغاضي عن تهريب أطفالها، وذلك بهدف معالجة الموضوع من جذوره, يسبق ذلك تجميع ما يكفي من المعلومات الموثوقة حول قضية تهريب الأطفال، ليتم على غراره وضع إطار عمل تركز الحكومة من خلاله على مكافحة التهريب عبر تحديد الإجراءات اللازمة للحد من عمليات اختطاف الأطفال وبيعهم والإتجار بهم، إضافة إلى مراجعة القوانين والتعديلات القانونية لضمان معاقبة المهرّبين وتعويض الأطفال الذين يتم تهريبهم، على أن يتم تمويل البرامج والأنشطة التابعة للخطة من الميزانية الوطنية. وتعرّف الخطة الإتجار بالبشر بأنه "توظيف أو نقل أو إيواء أو استقبال أشخاص إما عن طريق التهديد أو استعمال القوة أو أي شكل من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال الضعف أو تسليم واستلام أموال أو مزايا للحصول على موافقة شخص ما على الخضوع لسيطرة شخص آخر بهدف الاستغلال". مساندة منظمات إنسانية على ذات الاتجاه شرعت العديد من المنظمات الإنسانية الدولية وفي مقدمتها منظمة الهجرة الدولية (I.O O.M) والمنظمة الدولية لرعاية الأمومة والطفولة "اليونيسيف" شرعت إلى مساعدة الجهود المحلية الرامية إلى إيجاد معالجة جذرية لظاهرة تهريب الأطفال إلى دول الجوار، وخاصة المملكة العربية السعودية. فقد أعلنت المنظمة الدولية للطفولة "اليونسيف" عن مواصلتها لدعم الجهود التي تبذلها الجهات اليمنية للقضاء على مشكلات الأطفال في العمالة والتهريب إلى دول الجوار. وقالت المديرة الإقليمية لمنظمة اليونسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (سيجريد كاج) إن المنظمة ستواصل دعمها لليمن لعلاج المشاكل التي تواجه الأطفال ومحو الأمية. مشيدة بالجهود اليمنية المبذولة في سبيل معالجة هذه المشاكل التي تعترض حياة الأطفال اليمنيين كمخاطر التهريب والعمالة إلى جانب جهودها في التعليم ومحو الأمية ومعالجة سوء التغذية. وعلى نفس الصعيد كشفت وحدة مكافحة عمالة الأطفال عن إعداد جائزة بدعم من الولايات المتحدة بمبلغ 8 ملايين دولار جائزة لأفضل بحث أو دراسة عن عمالة وتهريب الأطفال، والتي حظيت بتنافس ثلاث منظمات دولية لنيل الجائزة المرصودة، وطلبت تزويدها بالمعلومات التي أعدتها الوزارة. تنسيق يمني - سعودي يشار إلى أن مجلس التنسيق اليمني - السعودي يعقد اجتماعات دورية كل 6 أشهر لبحث العديد من القضايا ومجالات التعاون المشترك، وتقع مشكلة تهريب الأطفال عبر الحدود بين البلدين ضمن أبرز القضايا في مباحثات واهتمامات المجلس، كان آخرها مصادقة البلدين على مذكرة التفاهم واتفاقية أمنية بشأن إيقاف أية عملية تهريب أسلحة وضمان أمن واستقرار الحدود بين البلدين الشقيقين.