وهكذا وعلى مدى سنتين...ظل «ابن الجيران» يعاملني بقسوة وجفاء،وكانت هذه المدة كافية لأن تجعل جسدي الطفولي ذا الملامح «الأنوثية» يتأقلم وينسجم ويتقبل برضى شقاوته وتحرشاته لدرجة أنني في اليوم الذي لا ألقاه فيه...أشعر بأن هناك شيئاً ينقصني وأفتقده. وذات مرة وعندما كنت في سن التاسعة ذهبت كالعادة إلى دكان الحاج صالح لشراء الحلوى وفي أثناء عودتي مسرعة إلى المنزل إذ بي أتعثر بحجرة أسقطتني أرضاً.. حينها كان «ابن الجيران» يراقب سقوطي العفوي فهرول نحوي مسرعاً وقام برفع جسدي وازال التراب من على فستاني الوردي ويمسح بحنان ورقة شافية الدماء التي كانت ملتصقة بجبيني ودموع الألم التي ذرفتها عيوني..وعندما سكتت عن البكاء لم أصدق ما رأته عيناي فابن الجيران الذي كان بالأمس القريب يعاملني بقسوة ويغتصب كل ماتحمله يداي، أصبح اليوم يعاملني بكل لطف وحب وأدب...؟!!! وبعدما انتهيت من لحظات الاستغراب إذ بابن الجيران يمسك بيدي ويسير بي متجهاً صوب منزلي.. وعلى هذا الحال ولمدة سنتين ظل إبن الجيران يتعامل معي وهكذا كانت الأربع سنوات التي عشتها معه منقسمة إلى نصفين فالنصف الأول كان قسوة وجفاء والنصف الثاني كان حباً وصفاء ..فامتزجا النصفان معاً ليشكلا من قلبي فيما بعد، بركان ثائر يقذف حمماً ملتهبة من الحب العذري الصامت.. أجل أحببت «ابن الجيران» وأنا طفلة وبعدما كبرت اكتشفت أن هذا الحب مازال في قلبي باقياً ونبضاته العذرية تؤكد لي دائماً بأنني سأظل أحبه إلى مالا نهاية ومهما ابتعد عني كياناً وجسداً فإنني أشعر بقرب روحه العطرة مني.. فكيف لي لا أحبه وهو من علمني أن الحب.. هو ذلك الشعور الخفي الذي يتجول في كل مكان ويطوف الدنيا بحثاً عن فرصته المنتظرة ليداعب الإحساس ..وليسحر الأعين..ليتسلل بهدوء...ويستقر في غفلة من العقل ورغماً عنا...ومن دون أن يشعر به يتنقل داخل تجاويف القلب...ليمتلك الروح والوجدان...ليسيطر بإحكام على كياننا الإنساني وبدون الحب لن تستمر الحياة على أي كوكب.. لذا فلست نادمة على قلب عشقته حتى لو أصبح ذكرى تختلط فيها الآلام والسعادة ويكفيني أن «ابن الجيران» أعطاني أجمل عطر في حياتي..