القمح.. سلعة استراتيجية، تعمل دول العالم على تشجيعها والتوسع في زراعتها من خلال توفير مستلزمات الإنتاج كالبذور المحسنة وأدوات الزراعة والإنتاج، وكذا شراء ناتج القمح من المزارعين بأسعار تشجيعية، وهو ما من شأنه توفير الأمن الغذائي لشعوبها، والابتعاد بها عن شبح الاحتكار والغلاء ولا يضعها بأي حال من الأحوال تحت وطأة تقلبات أسعار السوق. ومن هذا المنطلق.. ما هو واقع ومستقبل هذه السلعة الاستراتيجية على الصعيد المحلي، وما الجهود الحكومية المبذولة في سبيل تعزيز الأمن الغذائي الوطني، وماهي المقومات التي تمتلكها الأرض الزراعية اليمنية في هذا المضمار؟ بداية يؤكد عديد من الأكاديميين وخبراء الاقتصاد أن بلادنا تمتلك مقومات وقدرات هائلة تمكنها من التوسع في زراعة الحبوب بشكل عام، والقمح بوجه خاص، وبما يضمن تحقيق النسبة الأكبر من الاكتفاء الذاتي.. مشيدين بقرارات وجهود القيادة السياسية بزعامة رئيس الجمهورية وتوجيهاته المتكررة للجهات المعنية بدعم المزارعين بما يمكنهم من التوسع في زراعة القمح من خلال توفير الآليات الزراعية والبذور المحسنة والقروض الميسرة. تطوير قدرات المزارع وفي هذا السياق يؤكد الدكتور خليل الشرجبي أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة صنعاء أن التوسع في زراعة الحبوب يمكن تحقيقه على الصعيد المحلي، باعتباره أحد الحلول الضرورية التي تستدعي الاهتمام بها لضمان تحقيق الأمن الغذائي الوطني على الأقل عند مستوى معين، وذلك كون التوسع في زراعة الحبوب يتوقف على مجموعة من العوامل أهمها أهلية الأرض الزراعية أو محدوديتها ومشكلة المياه. ويضيف الدكتور الشرجبي: إنه يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال تطوير وتعزيز قدرات المزارع اليمني على إنتاج البذور المحسنة مباشرة أو عن طريق مجموعات مزارعين محليين، إضافة إلى تفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية للإسهام في نجاح هذا الجانب وكذا توفير مستلزمات العمل إلارشادي الحقلي الميداني على مستوى المديريات بالمحافظات ويستطيع خلاله المرشد الزراعي من تقديم خدماته التوعوية والتعليمية للمزارعين بصورة فاعلة ومجدية، بالإضافة إلى توفير القروض البيضاء والميسرة التي تمكن المزارعين أو مجموعاتهم من شراء بعض المدخلات والمستلزمات والآليات الزراعية كالحصادات والحراثات وغيرها . الاهتمام بالمحاصيل الاستراتيجية ويشدد الدكتور الشرجبي على ضرورة الاهتمام بالمحاصيل الزراعية الاستراتيجية التي اشتهر بها المزارع اليمني منذ القدم كالذرة الرفيعة والدخن والشعير والعدس وغيرها، والتي أثبتت الأبحاث الزراعية إمكانية استخدامها كبدائل تحل محل نسبة معينة من القمح واستخداماته الاستهلاكية، ومن أبرزها في صناعة الدقيق المركب الذي أصبح يستخدم الزاميًا في كثير من الدول. إمكانية التوسع في زراعة القمح من ناحيته يوضح المهندس الزراعي طلال محمود النهمي: إنه يجب الأخذ في الاعتبار جملة من العوامل التي يمكن اعتبارها كمحددات رئيسية تقف وراء إمكانية حدوث هذا التوسع من عدمه على الصعيد المحلي، ومن أبرزها مشكلة المياه، وضرورة إجراء حسابات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية واتخاذ القرار المناسب إزاء ذلك.. لافتاً إلى أن ضمان تحقيق الاهداف الحكومية وما تقدمه من دعم للمزارعين يتطلب أو يتوجب أن يتم التعامل مع إدارة كفؤة وشفافة تتسم بالشفافية والمصداقية في عملها حتى يصل هذا الدعم إلى المزارعين المستهدفين. ويؤكد أن ضمان إنتاجنا المحلي من القمح هو ضمان استقرار لأمننا الغذائي والعكس صحيح، كلما اعتمدنا على الاستيراد من الخارج كان أمننا الغذائي هشاً وعرضة للتغيرات العالمية وما تشهده أسعار القمح من ارتفاعات سعرية مفاجأة بين الحين والآخر. جهود حكومية بدورها الجهات الحكومية المعنية تؤكد أنها لا تألو جهداً أو وقتاً في سبيل دعم التوسع في زراعة الحبوب وفي مقدمتها محصول القمح، وأنها تمضي بخطى حثيثة في تنفيذ الاستراتيجية الحكومية الخاصة بتشجيع التوسع في إنتاجية المحاصيل الزراعية وزيادة إنتاجية وحدة المساحة من الحبوب، ودعم الإرشاد الزراعي والبحوث الميدانية وإنتاج البذور المحسنة، وكذا الميكنة الزراعية المتمثلة في توزيع الحراثات والدراسات والحصادات. دعم إنتاج البذور المحسنة وفي هذا الاتجاه يؤكد مدير عام المؤسسة العامة لإنتاج البذور المحسنة المهندس عبدالباسط الأغبري أنه وفي إطار توجيهات فخامة رئيس الجمهورية المستمرة بتشجيع زراعة القمح والتوسع فيها فإن بلادنا بدأت في تنفيذ برنامج وطني لدعم وتحسين وإنتاج البذور المحسنة للحبوب بشكل عام والقمح بشكل خاص. ويوضح الاغبري أن البرنامج يتكفل بتوفير البذور المحسنة للمزارعين وكذا تقديم الدعم المادي لهم كالقروض الميسرة.. موضحاً أن المؤسسة العامة لإنتاج البذور المحسنة بدأت منذ أكتوبر 2007م بالمشاركة مع بقية المؤسسات الوطنية العاملة في ذات المجال بدأت بإنتاج البذور المحسنة من خلال عمليات التوزيع للبذور، حيث تم خلال هذه الفترة وحتى يوليو 2008م توزيع نحو 2250 طناً بذور محسنة لمحصول القمح و1500 طن للبذور المحسنة لمحاصيل أخرى. ويشير مدير عام المؤسسة العامة لإنتاج البذور المحسنة إلى أن المؤسسة بدأت بالتعاقدات مع قطاعات مختلفة لإنتاج البذور المحسنة للمحاصيل الزراعية والقمح بشكل خاص، حيث تم توظيف ورصد 262 طناً بذور محسنة وزراعتها في 1753 هتكاراً، نتج عن زراعتها 2506 أطنان من البذور المحسنة خلال العام الجاري. السعي لتخفيض فاتورة الاستيراد من ناحيته يرى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لتطوير تهامة الدكتور محمد الغشم أن توجيهات القيادة السياسية بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بشأن التوسع في زراعة الحبوب وفي مقدمها محصول القمح بأنها تهدف إلى تخفيض فاتورة الاستيراد لهذه المحاصيل، والقمح على وجه الخصوص.. منوهاً إلى أن الأرقام تشير إلى أن ما بين 90- 95 % من الاستهلاك المحلي للقمح يتم تغطيتها من الخارج، الامر الذي يؤكد على حد تعبيره، ضرورة تكاتف الجهود الرسمية والشعبية في سبيل تنمية وزيادة الاستثمار في القطاع الزراعي، وزراعة الحبوب خاصة في ظل الارتفاعات العالمية المستمرة في أسعار القمح. وفيما يخص زراعة القمح في تهامة، يوضح الدكتور الغشم أن الهيئة تواصل اختباراتها تجاه إمكانية إنتاج القمح في تهامة، حيث إنها تقوم في الوقت الراهن بإجراء تجارب في هذا الاتجاه وتشير أدبياتها وأرقامها إلى التوصل لحوالي 70 صنفاً اختير منها نحو 20 صنفاً، ومنها تم اختيار 3 أصناف.. مشيراً إلى وجود بعض الإشكالات التي تواجه زراعة وإنتاج محصول القمح في تهامة، ومن أهمها الرطوبة العالية التي تساعد على انتشار الأمراض والآفات الزراعية كالصدأ "صدأ القمح" وغيره من الأمراض والآفات الزراعية التي يخشى من انتشارها وانتقالها إلى المحاصيل الزراعية الاخرى.. موضحاً أن تهامة تهتم بشكل أساسي بزراعة الذرة الرفيعة والذرة الشامية الدخن إضافة إلى البقوليات بأنواعها. الاستثمار الواعد يشار إلى أن بلادنا احتفلت في ال15 من أكتوبر الجاري باليوم العالمي للغذاء، واليوم العالمي للمرأة الريفية من خلال حفل نظمته وزارة الزراعة والري بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) تحت شعار "الأمن الغذائي العالمي واليوم العالمي للمرأة الريفية".. أكد وزير الزراعة والري الدكتور منصور الحوشبي أهمية الاستثمار في القطاع الزراعي باعتباره من القطاعات الواعدة والحيوية.. داعياً القطاع الخاص إلى الاستثمار في هذا القطاع لما له من مردودات كبيرة تأتي ثمارها على مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية وهي استثمارات مضمونة.. لافتاً إلى أن التوسع في المنشآت من سدود وخزانات وحواجز مائية ساهم في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية واستمراريته. ونوه الوزير الحوشبي بجهود الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والري في تطوير وتنمية القطاع الزراعي وتعزيز دوره في توفير الغذاء، والتدخل في برنامج التوسع في زراعة الحبوب الغذائية وتكثيف الإرشاد الزراعي وتوفير قروض ميسرة وتنشيط بحوث الحبوب لإيجاد أصناف محسنة عالية الإنتاجية ومقاومة للجفاف والآفات. وبحسب الوزير الحوشبي فإن الوزارة قامت بتوزيع نحو 224 حراثة زراعية، ونحو مليار ريال على المزارعين كقروض ميسرة، كما أنها ستقوم خلال الفترة القليلة القادمة بتوزيع 500 حراثة، و300 حصادة، بالإضافة إلى مضاعفة إنتاج البذور المحسنة بنسبة 100% خلال الموسم المقبل. تشجيع المزارعين على رفع الانتاجية كما أنه تم توزيع بذور محسنة على المزارعين هذا العام بنسبة زيادة بلغت 70 % عما تم توزيعه في العام الماضي 2007م، وأن حقول الإرشاد الزراعي دخلت عموم مديرات محافظات الجمهورية، إلى جانب قيام الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي بتقديم أصناف جديدة من البذور تساعد المزارعين على رفع إنتاجيتهم، وفي نفس الوقت تم توزيع مليار ريال كقروض ميسرة للمزارعين في عموم محافظات الجمهورية بواسطة بنك التسليف الزراعي.. مشيرا إلى أن إنتاجية بلادنا من الحبوب وصل العام الماضي إلى قرابة المليون طن.. متوقعاً في الوقت نفسه تراجعه خلال العام الجاري بسبب الجفاف والتغيرات المناخية. جدير بالذكر أن إنتاجية بلادنا من القمح قد ارتفعت الى 218 ألف طن في العام الماضي مقارنة ب147 ألف طن للعام 2006م، وبنسبة زيادة 49 % في إنتاج محصول القمح، و29% في إجمالي الحبوب.