قالت الدكتورة إيرس جيرلاخ مديرة المعهد الألماني للآثار إن مآثر الحضارة اليمنية القديمة تعدّ من المآثر العظيمة والتاريخية الهامة جداً ليس في اليمن فقط .. بل وعلى مستوى الجزيرة العربية وذات قيمة تاريخية على مستوى المنطقة والعالم كونها قد توفرت فيها كل عوامل الحضارة. وأكدت أن فريقها الأثري اكتشف خلال الموسم الأثري الحالي أماكن تسمى «موعد القرابين» إضافة إلى مبنى يعتقد أنه كان معبداً تم التعرف عليه بواسطة «الراديو كربون 41 المشع» يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد. وأوضحت مديرة المعهد الألماني للآثار الكثير من المواضيع والقضايا الهامة في حوار مع «الجمهورية» خلال زيارتنا موقع عمل فريقها الأثري بمدينة صرواح القديمة. أعمال أثرية بدأت مديرة المعهد حديثها بالقول: الحقيقة أن المعهد الألماني للآثار يقوم منذ فترة طويلة بأعمال أثرية في اليمن وقد تركزت معظم هذه الأعمال في الحضارة السبئية .. وقد تركزت هذه الأبحاث والدراسات في مجالات عدة أحدها في مجال الري على سبيل المثال تلك الأعمال الموجودة في سد مأرب بالإضافة إلى الأعمال الأثرية التي نقوم بها في المعابد السبئية ودراسة أوضاعها كيف كانت ودورها في تلك الفترة.. بداية أعمالنا الأثرية كانت في معبد بران والتي استمرت قرابة عشر سنوات متواصلة قمنا خلالها بأعمال التنقيبات،والصيانة والترميم.. إضافة إلى ذلك أعمال التنقيبات الأثرية التي قام بها المعهد في مقبرة أوام وهذه المقبرة مرتبطة بصفة كاملة بالمعبد كما أنه أيضاً من ضمن أعمال التنقيبات الأثرية التي قمنا بها التنقيبات الأثرية للفترة السبئية المبكرة في منطقة الجفينة إلى جانب ذلك قمنا بأعمال المسوحات الأثرية في واحة مأرب.. والحقيقة أن هدفنا من وراء هذه الأعمال «المسوحات والتنقيبات الأثرية» هو توثيق جميع المواقع الأثرية الموجودة حفاظاً عليها كي لاتندثر مستقبلاً نتيجة للزحف العمراني والزراعي.. وأضافت مديرة المعهد الألماني بالقول: هناك في مأرب الكثير من الأعمال الأثرية في مدينة مأرب القديمة التاريخية.. المدينة التي كانت في عصر من العصور عاصمة لمملكة سبأ.. فلقد أجرينا أعمال مسوحات أثرية داخل هذه المدينة وقمنا بعملية التوثيق لماهو موجود على سطح الأرض فقط بمدينة مأرب القديمة. وطبعاً منذ العام 1002م وحتى الآن والعمل يسير بوتيرة عالية دون عوائق بعد فترة انقطاع دامت «7» سنوات.. وكما ترون..ففي هذا الموسم تركزت أعمالنا كلها في عملية الترميم بمعبد إلمقه كما أننا ركزنا أيضاً على عملية إعادة نصب الأعمدة في المواضع التي كانت عليها قواعدها في السابق «منذ القدم».. إضافة إلى ذلك نفذنا عملية تنظيف حول سور مدينة صرواح التاريخية والتنقيب في مناطق «أماكن الجلوس» الموجودة في مقدمة المعبد وسوف تتواصل أعمالنا الأثرية في فبراير القادم حيث سيتم بإذن الله تعالى النصب على الاعمدة وإعادتها إلى وضعها الطبيعي وبحيث تتوازى معه في نفس الوقت وبنفس الفترة الزمنية كما أنه سيتم أيضاً استكمال أعمال التنقيبات الأثرية في مدينة صرواح القديمة.. لاشك أن هذه الأعمال الأثرية التي يقوم بها المعهد الألماني للآثار تتزامن مع الدورات التدريبية التي يقدمها المشروع الألماني«GTZ» لبعض طلبة مأرب في مجالات أخذ القياسات الهندسية وكيفية صناعة القضاض والصيانة وأيضاً عملية قطع الاحجار. اكتشاف أماكن موعد القرابين {.. خلال عمل فريقكم الأثري في معبد المقه الاثري هل عثرتم على أي اكتشافات جديدة؟ كما ذكرت سابقاً فنحن خلال الموسم الأثري الحالي نقوم بأعمال الصيانة ولكن أثناء عملية التنقيبات التي أجريت أمام المعبد «مدخل المعبد» وجدنا أماكن تسمى «موعد القرابين» أي الأماكن التي كانوا يتناوبون فيها الأضاحي أو ما يقدمونه كقرابين يتم أكلها في هذه الأماكن وكنا نعتقد في السابق أنها تتسع لحوالي «09 051شخصاً» فقط ولكننا اكتشفنا في هذا الموسم أنه قد يمكن أن تصل سعتها ما بين «003004شخص» للذين كانوا يتناولون هذه الأضاحي وهي منطقة موجودة خارج المعبد. نصب الأعمدة في موضعها وأضافت الدكتورة إيرس جيرلاخ قائلة: بالنسبة لأعمال الترميمات فلقد قمنا بعملية إعادة نصب الأعمدة في موضعها الأصلي وذلك بوضع الأسياخ الحديدية بالأسفل مثبتة بين القاعدة والعمود نفسه وهذه الطريقة قد تم استخدامها وتنفيذها من قبل البعثة الإيطالية في مدينة براقش وطبعاً لا يمكن رؤيتها بالعين لأنها بتكون من الداخل غير وتكون بذلك غير مرئية وهي طريقة معتمدة دولياً. اكتشافات أثرية تعود للقرن «9» قبل الميلاد {.. هل هناك استنتاجات توصلتم إليها حول تاريخ الحضارة السبئية؟ الحقيقة أنه من خلال الدراسات المتواصلة للحضارة السبئية منذ بدايتها التي قمنا بها أوضحت لنا بعض الخفايا وعرفتنا على المراحل القديمة المختلفة للحضارة السبئية ومراحل تطورها ونموها وازدهارها وما إلى ذلك وهذه الأشياء وغيرها استطعنا التعرف عليها من خلال «التحرير الراديو كربون 41المشع» وكما أوضحت سابقاً فإن من ضمن الاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها بمدينة صرواح مبنى يعتقد أنه كان معبد تعرفنا عليه بواسطة «الراديو كربون 41المشع» وذلك من خلال المواد العضوية التي تم تحليلها وهذه المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى أن المبنى الذي يعتقد أنه كان معبداً يعود إلى القرن ال«9»قبل الميلاد. مآثر هامة توفرت فيها عوامل الحضارة {.. كيف تنظرون إلى مآثر الحضارةاليمنية القديمة؟ لاشك أن المآثر اليمنية المتمثلة بالمدن والمواقع الأثرية وخصوصاً هنا في مأرب بالذات تعتبر من المآثر العظيمة والهامة جداً ليس على مستوى اليمن فقط وإنما في حد اعتقادي على مستوى الجزيرة العربية كون الحضارة اليمنية قد توفر فيها كل شيء «المدينة المعابد السدود القنوات الطرق التجارية كطرق القوافل وطرق البخور والطرق الفرعية وما إلى ذلك من متطلبات الحضارة» وهي أيضاً من المواقع التي تأخذ لُب الموضوع.. والحقيقة كما قلت فإن الحضارة اليمنية ذات قيمة تاريخية عظيمة ليس كما أشرت مسبقاً على مستوى اليمن..بل على مستوى المنطقة والعالم. حينما يسمح لنا {.. هناك الكثير من القطع الأثرية في مخازن محافظة مأرب بحاجة إلى ترميم..لكننا لم نلاحظ أو نسمع حتى الآن عن أي برامج لترميمها؟ نحن دائماً كالعادة يكون لدينا إلى جانب الفريق الأثري الذي يقوم بعمليات التنقيبات فريق خاص يقوم بعملية الترميمات الأثرية وفي حالة أنه أمكننا الدخول إلى هذه المخازن وسُمح لنا من قبل الجهات المعنية بالدخول إليها فنحن مستعدون للقيام بأعمال الصيانة والترميم لهذه القطع. المتحف قضية الصندوق الاجتماعي وليس نحن {.. سمعنا كثيراً عن متحف مأرب ولكننا لم نلاحظ تنفيذه على الواقع فإلى أين وصل موضوعه؟ بالنسبة لقضية المتحف فنحن في المعهد الألماني للأثار قد قمنا بكافة الأعمال المناطة بنا.. فيما العمل المتبقي حالياً هو من اختصاص الصندوق الاجتماعي للتنمية باعتبار أن الصندوق هو من يقوم بالخطوة التالية وأيضاً هي الجهة المسئولة عن المتحف وتمويله فالمعهد الألماني ليس ممولاً لهذا المشروع.. ومن خلالكم نتمنى أن يسارع الصندوق الاجتماعي للتنمية في اختيار المهندس المناسب الذي سيقوم بدوره باختيار التصميم المناسب للمتحف. لا توجد مشاريع سياحية {.. في ضوء زيارة سعادة السفير الألماني لمحافظة مأرب مؤخراً خصوصاً لمعبد المقه بصرواح وباعتبار أن هذا المعبد وغيره من المعابد والآِثار اليمنية الأخرى في مأرب مشاريع أثرية وسياحية في نفس الوقت، فهل لديكم توجه لتمويل مشاريع سياحية؟ بالنسبة لنا في المعهد الألماني للآثار فلقد قمنا سابقاً بتدريب المرشدين السياحيين من أبناء مأرب كما أننا قمنا بإصدار كتيب يحتوي على معلومات سياحية ومواقع ومدن أثرية ومعلومات أخرى عن مأرب وليست لدينا أي مشاريع سياحية في مأرب.. ولكن نتمنى من الدول الأجنبية والعربية والشركات السياحية إعادة تفويج السياح إلى محافظة مأرب وتنشيط الإقبال عليها كون هذه المحافظة تتمتع بوجود حضارة عظيمة تستحق التفكر فيها والاندهاش منها كما أن هذه المحافظة إلى جانب أنها مهد الحضارات اليمنية تتمتع بحياة مستقرة في ظل الأمن والاستقرار اللذين تشهدهما هذه المحافظة بعد أن شهدت خلال الفترة السابقة زوبعة أثرت على عملية التنمية والجانب السياحي بشكل رئيسي وعكست عنها نظرة سيئة وبقيت صورتها قاتمة، ولكنها في الحقيقة على العكس فلقد تحسنت كثيراً وأصبحت قادرة على استيعاب واستقبال السياح الوافدين إليها وكذلك استقبال الاستثمارات وخصوصاً في المجالات السياحية. التشجيع والتأهيل {.. هدفكم من تدريب أبناء مأرب في الإرشاد السياحي؟ إن هدفنا من تدريب المرشدين السياحيين وخصوصاً من أبناء محافظة مأرب لأمرين: الأول تهدف من خلال ذلك على تشجيعهم على عملية الترويج لمحافظتهم كونهم الأكثر معرضة بها، فيما الأمر الثاني نحاول من خلاله إيجاد حرفة أو مهنة لهؤلاء الناس كي يرفعوا ويحسنوا من أوضاعهم المعيشية. المشروع القطري وضرورة الجدية {..يبدو أن مشروع حماية الآثار القطري قد تأخر هل أنتم في المعهد الألماني للآثار إذا سمح لكم في التنقيب في مدينة مأرب القديمة وهي لب المشروع القطري ستبدأون بذلك؟ طبعاً عندما تقوم قطر بخطوات جادة في البدء بأعمال الحفر والتنقيبات الأثرية في مدينة مأرب القديمة التاريخية فبالتالي نحن في المعهد الألماني للآثار سوق نقوم بأعمال التنقيبات فيها ولكن.. للأسف الشديد يبدو أن اليمن لم توافق على البدء في أعمال التنقيبات الأثرية هنا.. ولذلك فإن الفريق وغيره من الفرق والبعثات الأثرية بالمدينة التاريخية ما لم تحصل على تلك المنحة وتلك المبالغ الخاصة بأعمال التنقيبات الأثرية بالمدينةمأرب القديمة.. كما أنه على ما يبدوا لا توجد هناك أي خطوات جادة أو اتفاقيات تظهر بأننا سوف نبدأ أعمال التفتيت في هذه المدينة التاريخية العظيمة. ويؤسفنا أن نوضح هنا أن الأخوة القطريون يقومون حالياً بأعمال التنقيبات الأثرية في السودان.. وهذا ما نخشاه فنأمل أن تدخل اليمنوقطر في عمل جدي كون هذا المشروع الأثري هاماً جداً لليمنيين ولكنه يحتاج إلى الجدية كما قلت وحتى نتمكن نحن من العمل في هذا المشروع والبدء فيه. {.. أي أنكم مرتبطون بالمشروع القطري.. وما سيقدمه؟ نعم فنحن لدينا علاقات جيدة مع الإخوة القطريين كما نتمنى أن تكون هذه المنحة وهذا المشروع لليمن فقط وليس لأي مكان آخر. مشروع كبير {.. ما الذي تمثله مأرب القديمة بالنسبة لكم؟ مشروع كبير وعظيم ويستحق العناء.. أضف إلى ذلك المعهد الألماني للآثار جديرٌ بها وقادر على أعمال التنقيبات فيها فنحن لدينا الخبرة العلمية الكبيرة من خلال فترات أعمالنا السابقة في هذا الجانب كما أنه لدينا الأكفاء القادرون على التنقيب وإجراء الدراسات كاملة في هذه المدينة. جريمة وعلى الدولة حمايتها {.. بين حين وآخر هناك الكثير من المواقع والمدن الأثرية تتعرض لعمليات النبش والنهب.. وجهة نظركم؟ وهل لديكم رؤية نطرحها كمقترح لحماية هذه الآثار من الضياع؟ إن نبش المواقع والمدن الأثرية جريمة بما تعنيه الكلمة وخاصة مأرب القديمة.. وفي الحقيقة قد تكون إحدى الوسائل العملية لحماية الآثار اليمنية هي التشبيك ولكنها ليست كافية لذلك لأنه من الممكن أن تشبك أي منطقة ولكن لا يمكنك بذاك الشبك.. ومن هذا المنطلق أرى بأنه يجب على اليمن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هذه الآثار من الضياع والاندثار والاعتداء عليها. بروتوكولات واتفاقيات محددة عمل المعهد في اليمن يسير وفق آلية محددة ويرتبط باتفاقيات معينة بين الجهات المعنية في اليمن والمعهد ولكن هل هناك تاريخ أو مدة زمنية محددة توضح بداية ونهاية هذه الأعمال؟ نحن نمر باتفاقيات وبروتوكولات.. وهذه الاتفاقيات تمر بثلاثة مراحل بداية من البروتوكول الثقافي الموجود بين البلدين «اليمن وألمانيا» تأتي بعدها الاتفاقية الخاصة بهذه الأعمال بين كلٍ من المعهد الألماني للأثار والهيئة العامة للآثار وهذه الاتفاقية مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد وفي حالة أننا أردنا القيام بعمل مايكون هناك ترخيص رسمي لمزاولة هذا العمل في هذا الموقع أو ذاك ودائماً الاتفاقيات تسير وفق هذا النظام. صرواح والأهمية التاريخية {.. كيف تنظرين إلى صرواح الماضي والمعاصر التاريخ والإنسان؟ تكمن الأهمية العظيمة لصرواح نفسها بالجانب التاريخي القديم رغم مساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز «8.3هكتاراً» إلا أن فيها الكثير من المعابد التي تتجاوز ما بين «6-7معابد» وهي مهمة جداً كمنطقة دينية لفترات سابقة وأيضاً المدينة نفسها كانت مهمة جداً خلال تلك الفترة كمركز لمملكة سبأ واستمرت كذلك فيما بعد. والحقيقة أن صرواح كمديرية قد تطورت تطوراً كبيراً وشهدت نقلة نوعية وواقعها يثبت ذلك كما أن أبناء هذه المنطقة أناس طيبون وكرماء جداً يقابلونك ببشاشة وجوههم وفيهم كل السمات الطيبة والحلوة