أطفال بريئة في سن الزهور، لم يتسن لهم بعد معرفة الدنيا بحلاوتها .. ليجدوا أنفسهم في قفص الاتهام. وليدفعوا ضريبة تفكك أسرهم في ظل ثلاثي الفقر والجهل وأصدقاء السوء. غياب بل انعدام رقابة الآباء على الأبناء وهم في نعومة أظفارهم في ظل تفكك أسري، سبب لضياع الأطفال وذو تأثير كبير على سلوكهم، ونتائج ذلك أوصلت الكثير من الأحداث إلى ارتكاب جرائم عدة من السرقة مروراً بالإدمان إلى ارتكاب أعمال فاضحة ومخلة بالأدب وصولاً إلى القتل... ليعلن بعدها أولياء الأمور البراءة منهم، ومن أفعالهم. مبروك الذماري (15 عاماً) ليس له نصيب من اسمه، وجد نفسه مجرما وهو في سن 12 عاما بتهمة قتل ومطالبا بدفع دية قدرها 6 ملايين ريال بعد أن تم تخفيضها من 26 مليون ريال. قبل ثلاث سنوات كنت وصديقي في منزلهم الكائن في ذمار الذي يعتلق الكلانشنكوف.. يقول مبروك مع صديقي في منزلهم وأثناء لعبنا بالآلي انطلقت رصاصة من داخله لتسكن في رأس زميلي بالخطأ حيث توفي متأثراً بها. ويضيف مبروك: “كبر الموضوع وحكموا علينا بالدية 26 مليوناً، لكن وبعد مراجعات وتحكيمات نزلت إلى 6 ملايين . ويتابع مبروك، الذي يلاقي الحكم بالسجن لمدة خمس سنوات مع دفع الدية،: “ما عاد سدينا (اتفقنا)، بقيت محبوساً في ذمار 3 سنوات وبعدها انتقلت إلى هذه الدار (دار التوجيه الاجتماعي للبنين فرع أمانة العاصمة) أنتظر قضاء محكوميتي”. - مناشدة - ويواجه الدار الذي يقبع داخله مبروك إلى جانب أكثر من 70 حدثاً، عدداً من الصعوبات وشحة الامكانات المادية، حيث ناشد نائب دار التوجيه الاجتماعي للبنين فرع أمانة العاصمة الجهات الحكومية ورجال المال والأعمال، إلى جانب المنظمات الدولية وفاعلي الخير، تقديم يد العون والمساعدة للمركز وتوفير مستلزمات الأحداث من مأكل وملبس وعلاج. وقال نائب مدير “دار الأحداث” محمد الصبري رغم التواصل مع أكثر من منظمة دولية ورجال أعمال لدعم الدار إلا أنه ليس هناك جدوى من ذلك. وأضاف الصبري خلال لقاء صحفي: “رغم تواصلنا مع بعض رجال الأعمال لدعم الدار بالمواد الغذائية أو بأي أشياء أخرى إلا أنهم يتهربون ويرفضون، بحجة أنهم يدعمون أيتاماً وليس أشخاصاً متهمين بجرائم جنائية كالقتل والسرقة”. وتابع قوله: “حتى المنظمات الدولية ترفض تحت مبرر أن الدار تابع للجهات الحكومية”. ويعاني الدار من شحة الموارد المالية ونقص في المواد الغذائية والملابس نظرا لتهرب رجال الأعمال والمنظمات الدولية من دعمه، حسب ما أعلنه نائب دار التوجيه الاجتماعي. وقال الصبري بأن المشاكل التي يواجهونها عديدة أبرزها التغذية ونقص الأدوية والملابس، إلى جانب تعدد النيابات والمحاكم التي تؤدي إلى إرباك لهم في حين أن الأمن غير كافٍ. ونوه الصبري إلى أنه من ضمن المشاكل التي يلاقونها هي الرعاية اللاحقة للحدث، حيث المبنى لم يتم تجهيزه أو تفعيله بعد. كما يحتاج إلى إمكانات و أخصائيين ومشرفين... حسب قوله. وفيما يتعلق بالاعتماد المالي للدار قال: ميزانية الدار في الشهر حوالي 300 ألف ريال فقط ل100 حدث، أي إن مقدار ما يحصل عليه الحدث الواحد في اليوم حوالي 20 ريالاً فقط. - سجن خمسة نجوم - ورغم شحة الإمكانات وقلة الدعم التي يواجهها الدار، إلا انه يقدم خدمات ممتازة للأحداث، حيث غرف النوم أنيقة ومهندمة كما أن الحمامات نظيفة، ومستوى الرعاية جيدة، بعد زيارتنا له. وقال نائب دار التوجيه بأن الدار عبارة عن فندق من خمسة نجوم الهدف منه رعاية الأحداث اجتماعياً ونفسياً وتربوياً ومهنياً بغرض إعادة تربيتهم وتأهيلهم وتنشئتهم تنشئة سليمة. وقدر عدد الأشخاص الموجودين في الدار بحوالي 70 حدثاً، وقال العدد غير ثابت اليوم 70 وقد يكونون غداً 80 حدثاً. وعن الجهات التي تشرف على الدار يقول الصبري بأنه يتبع أكثر من جهة، منها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مالياً وإدارياً، ووزارة التربية والتعليم من حيث التعليم والمناهج، ووزارة الداخلية من حيث الأمن، ووزارة الصحة والسكان من حيث العلاجات. مشيداً بوزارة التربية والتعليم التي تقوم بدورها على أكمل وجه. ويعتبر الدار سجناً احتياطياً للأطفال من سن (7-15 سنة) أما الأشخاص الكبار يتم وضعهم في السجن المركزي، أما الفتيات فيوجد لهن دار خاص في حتارش. وكان مجلس الوزراء قد أقر في عام 2007 برقم 376 بأنه على نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية فصل الأحداث عن الكبار في السجن المركزي والسجون الأخرى، ويتوجب على النائب العام إحالة قضايا الأحداث إلى نيابات الأحداث، وأن على وزير الصحة توفير الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، وخدمة الإسعافات الأولية، أما وزير التربية والتعليم فعليه توفير متطلبات التعليم اللازمة لنزلاء السجون ودور الرعاية”. - الفقر- الفقر دفع رامي ذا الاثني عشر ربيعاً من محافظة صنعاء إلى السرقة فكان مصيره السجن لمدة سنة ودفع غرامة تقدر ب53 ألف ريال. ويقول رامي: “سرقت وأختي، التي تقضي فترتها في دار رعاية الأحداث الخاصة بالبنات في حتارش، مجوهرات “ذهب” وصدر حكم ضدنا بالسجن لمدة سنة ودفع 53 ألف ريال لكن أبي رفض دفع المبلغ بحجة أنه لا يملكه”. وتعهد الطالب رامي الذي لا يزال يدرس في الصف الأول الابتدائي بأن لا يعود مرة أخرى إلى السرقة، قائلا: “قد هي في أذني، لن أعود أبدا إلى السرقة مرة أخرى بس أنتظر حتى أخرج من الدار”. ويضيف: “أهلي ما حاولوا أن يخرجوني من الحبس، ونفسهم أجلس هانا حتى أتأدب”. وعن الخدمات التي تقدم لهم في دار الأحداث، يقول رامي إنها بسيطة وحتى الأكل الذي يقدم لهم بسيط جداً. ويضيف: في الغداء يقدمون لنا مشكلاً ورزاً في وجبة الغداء فقط. - أخصائي اجتماعي - وعن أبرز الجرائم الموجودة في الدار يقول الصبري بأن القتل هو أبشع الجرائم التي ارتكبها الأحداث لكنه رفض الإفصاح عن تفاصيل الجريمة وكيفية ارتكابها. وأوضح نائب دار التوجيه الاجتماعي للبنين أن التفكك الأسري يعد السبب الأول يليه الفقر. وأشار إلى أن السرقة تتربع على رأس قائمة جرائم الأحداث في اليمن يليها اللواط والإدمان. وكانت دراسة أعدتها وزارة الداخلية في 2007م أظهرت أن جرائم السرقة من قبل الأحداث احتلت المرتبة الأولى بنسبة 29 في المائة، فيما جاءت جرائم اللواط في المرتبة الثانية بنسبة 23 في المائة، يليها جرائم شرب الخمر بنسبة 14 في المائة. وانطلاقاً من هذه الجرائم سألنا أخصائي علم اجتماع منصر الصلوي عن الدوافع التي جعلت الأحداث يدخلون الدار حيث قال: إن التفكك الأسري والمشاكل الأسرية وظاهرة الفقر وكذلك إهمال الآباء لأطفالهم وعدم المتابعة لهم، إلى جانب أصدقاء السچوء والجهل هي التي تدفع الأطفال للانحراف ويضيف المختص الاجتماعي :إن المغريات التي يواجهها الأطفال في المدينة ودخولهم محلات الاتاري الامر الذي يدفع بهم إلى الانحراف. وأكد بأن المشكلة الأساسية في انحراف الأطفال هي في الأسرة قبل كل شيء، وقال حتى لو بذلنا جهدا في الحدث وتم تنشئته تنشئة اجتماعية سليمة، إلا انه بعد خروجه من الدار يرجع إلى نفس المشكلة. وأضاف : لدينا في الدار بعض الأطفال دخلوا الدار وعمرهم ثماني سنوات والآن يصل عمرهم حوالي 15 سنة، مشيراً إلى أنهم دخلوا أكثر من خمس مرات. وعزا سبب ذلك إلى إهمال الأسر لهم وعدم الرقابة عليهم. - أبرز المشاكل - عن ابرز المشاكل التي يواجهها الدار يقول المسؤول الاجتماعي إن عدم تجاوب بعض الأسر، وعدم الإسراع في البت في القضايا، وتعدد الجهات المودعة للدار، يشكل عبئاً كبيراً لهم. ويضيف: هناك مشاكل كثيرة، قد يكون الحدث منقطعاً عن أسرته ولا نستطيع التواصل معها، كما قد يكون من محافظة بعيدة يصعب علينا التواصل مع أهله أو أقاربه. وتابع: بعض الأحداث تأتي من محاكم أو أقسام أخرى وغير نيابة الأحداث، الأمر الذي يسبب لنا مشاكل في الدار. مشيراً إلى أن الملابس والعلاجات والتغذية ليست بالشكل الكافي والمطلوب. كما أن عدد الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين غير كافين حيث لايتجاوز عددهم حوالي 6 أخصائيين فقط. كما انه لا يوجد دكتور في الدار. وردا على سؤال حول حجم الفترة الزمنية التي يحتاجها الحدث للتأهيل والإعداد، يقول الصلوي بأنه ليس هناك وقت محدد نظراً لأن الدار عبارة عن سجن احتياطي والحدث في دخول وخروج منه. وأضاف بأنهم لا يستطيعون وضع جدول زمني لكل طفل للتأهيل إلا للذي قد صدر في حقهم حكم قضائي فقط. الصلوي أعرب عن عدم رضاه عما يقدمه بفعل العوائق المادية والكوادر المتخصصة. قائلاً: “ما نقدمه ليس بالشكل الكافي والمطلوب”. ويوافق الصلوي الرأي نائب مدير الدار الاجتماعي للبنين محمد الصبري ويقول إن الدار يعاني من نقص الأخصائيين وقلة الخبرة، قائلا نحن نطالب بأخصائيين نفسيين واجتماعيين . وأضاف: لقد اتفقنا مع مركز التدريب والإرشاد في جامعة صنعاء على أساس تزويدنا بالكوادر المتخصصة لكنه للأسف ليس هناك فائدة. العنف ضد الأطفال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور فؤاد الصلاحي، بدوره أكد أن العنف ضد الأطفال ليس من أساليب التربية. ويقول الصلاحي إنه من الأسباب التي تدفع ببعض الأسر لممارسة العنف إزاء أطفالها هو أن تكون الأسرة متفككة (طلاق أو زواج الأب من أم أخرى وغيرها). ويضيف أستاذ علم الاجتماع :إن الإعلام والمدرسة والمسجد كلها يغيب عنها أساليب التربية الحديثة، “الأمر الذي يجعل المجتمع يعيش وفقا لمنظومة من الأعراف والتقاليد الموروثة تاريخياً. وأوضح الدكتور الصلاحي أن العنف الذي يتعرض له الأطفال (الضرب أم تحرش جنسي أم عنف لفظي)، خطير جداً، قد ينعكس سلبا عليهم حاضراً ومستقبلاً، قد تجعل من الطفل شخصية مضطربة وغير سوية، الأمر الذي يؤثر في نموه العقلي والجسمي”. - أخصائية نفسية - الأخصائية النفسية ذكرى محمد علي البناء تؤكد قول أخصائي علم الاجتماع وتقول: إن التفكك الأسري والطلاق واغتراب الآباء والفقر، من الدوافع لارتكاب الأطفال لمثل هكذا جرائم. وحول استجابة الأحداث للتأهيل تقول البناء: بعض الأحداث التي ولي أمرها يتابعها ويهتم بها فإنها تخرج بسرعة، لكن هناك بعض الأطفال يدخلون الدار وأسرهم ترفض استلامهم الأمر الذي يشكل مشكلة. وتضيف: إذا خرجوا إلى الشارع عادوا بمشكلة أخرى وهذا دليل على أن الأسرة هي المنبع الأساسي لانحراف الحدث. منوهة إلى أنه لا يمكن معالجتهم. وتقول: “كلما أخرجناهم عادوا بقضية اكبر”. الأخصائية النفسية توضح بأن انحراف الأطفال لا يعود بالدرجة الأولى إلى سبب نفسي، بل إلى الأسرة نفسها. وتقول: “ليس كل الأحداث تعاني من المشاكل النفسية البعض منهم، مثلاً يعاني من جنون السرقة بأي طريقة رغم أن حالتهم المادية جيدة جدا. وفي هذه الحالة لدينا مستشفى الأمل يعالجهم كما نعمل معهم جلسات إرشادية في دار الأحداث لكنها ليست بالشكل المطلوب”. وتضيف :”إذا كانت البيئة الخارجية غير صالحة فنحن لا نستطيع أن نفعل للأحداث أي شيء”. وتقول الأخصائية النفسية ذكرى: نكتشف أن بعض الأسر تدفع بأطفالها إلى الانحراف، لذا من الضروري معالجة وتوعية الأسرة نفسها. - الحاجة إلى التأهيل - وعن أهم مشكلة تواجهها ذكرى تقول: “تنقصنا في الدار الدورات والخبرات، لكن إذا خرج الحدث بعد معالجتها له وعاد مرة أخرى إلى الدار فهذا اكبر مشكلة لها”. يشار إلى انه يوجد في الدار تعليم أساسي، وآخر مهني، كتعليم اللحام والكهرباء والنجارة والكمبيوتر، إلى جانب ملعب لكرة القدم. ويعد فصل الأطفال عن الكبار أحد المتطلبات الأساسية في القانون الدولي وأقدم وأكثر معايير الأممالمتحدة الأساسية. فقد وضع لأول مرة من قبل الأممالمتحدة في 1957 ثم أصبح جزءا من معاهدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1966 ثم تكرر في قواعد بكين 1983 ثم في القواعد الدنيا لحماية الأحداث المجردين من حريتهم في 1990، وأدرج في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 1989، حيث تلزم المادة 37 من الاتفاقية الدولية، الدول الأعضاء بفصل الأطفال عن الكبار في أماكن الحجز. 154 اتفاقية وأنشأت اليمن محاكم للأحداث وشرطة متخصصة، وقامت بتدريب القضاة والنيابات ورجال الشرطة والاخصائيين الاجتماعيين، كما أصدرت قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002، وعدلت القانون الجنائي لتلغي عقوبة الإعدام على الأطفال أقل من 18 عاماً، وهو ما يتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل كاستجابة لتوصية لجنة حقوق الطفل رقم 20 للعام 1999 . تجدر الإشارة إلى أن اليمن قد وقعت أكثر من 54 اتفاقية حول حقوق الإنسان معظمها عن حقوق الطفل والأحداث. وقد عرف القانون اليمني الحدث بأنه “كل شخص يرتكب فعلاً أو جرماً قانونياً ما بين السابعة والخامسة عشرة”. وتنص المادة 125 من القانون بأنه إذا ارتكب الحدث الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات جريمة فلا يلاحق بأي عقوبة واردة في قانون العقوبات وإنما يحكم عليه بأحد التدابير الواردة في قانون الأحداث. وقدم إلى مجلس النواب العام الماضي مشروع قانون بتعديل بعض مواد القرار الجمهوري بالقانون رقم (24) لسنة 1992م بشأن رعاية الأحداث وتعديلاته إلا أنه لم يتم بعد اقراره. وتضمنت التعديلات (38)مادة إضافة لمواد أخرى أحدها تحصر عمر الحدث بين السابعة والثامنة عشرة. وفيما اعتبرت التعديلات قضايا الأحداث مستعجلة حرمت حبس الحدث لأي سبب، وفي حال ضرورة التحفظ عليه ألزم مشروع التعديل بإيداعه في إحدى دور التأهيل والرعاية.