تشكل ثقافة الإنسان، العامل الأكبر في رسم حركته في الحياة.. وفي وعيه للقضايا والمسائل التي يعيشها وهي تشمل مجموعة القيم والمبادئ والأخلاق التي يؤمن بها والتي قد تكون ظاهرة أوخفية أو مغروسة في عقله الباطن.. والاسلام كدين سماوي خالد عمل على بناء ثقافة الوحدة عند الانسان فهي أصل ثابت من أصول مقاصده.. وهدف أساسي للأمة الاسلامية التي أرادها الله أمة واحدة.. «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون». والاختلاف والنزاع والفرقة حالة مضادة ومناقضة لأساس الدين وغايته وهناك كثير من الآيات القرآنية التي تنهى عن الفرقة والتنازع وتشد المسلم باتجاه مفهوم الوحدة والتعاون. قال تعالى: « وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» وقال تعالى: «وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». ثقافة مضادة على الرغم من هذه الأهمية تقدمت ثقافة التفرقة وبقيت الوحدة مجرد شعارات ترفع من قبل كل مسلم دون استثناء كل بحسب رؤيته ومفهومه ولكن دون تطبيق والتزام. كما احتلت ثقافة الفرقة والتنازع والاختلاف الساحة العملية والتطبيقية.. رغم ذلك جاءت الوحدة اليمنية كنواة متأصلة لوحدة عربية واسلامية شاملة وهي «أقصد الوحدة» رغم ثبوتها في قلب كل يمني غيور كثبوت الجبال الرواسي لم تسلم من ثقافة «التفرقة» المضادة«والمغذاة» أصلاً من أيادٍ خفية لاتريد للوطن بل للأمة أي خير. في هذا الاستطلاع نحاول سبرأغوار هذه القضية ولكن من وجهة نظر دينية بحتة. سباقون البداية كانت مع الشيخ يحيى النجار رئيس دائرة التوجيه والارشاد بالمؤتمر الشعبي العام الذي تحدث باسهاب عن هذا الموضوع مشيراً أن اليمنيين وعلى مر التاريخ كانواهم السباقين في تثبيت أواصر المحبة والاخاء ولعل أروع تجسيد.. ذاك الذي حدث في المدينةالمنورة حين توحد الأوس والخزرج وصاروا و«أنصاراً» فتآخوا مع «المهاجرين» وتقاسموا لقمة العيش والبيوت بل وصل الأمر أن أحدهم خير أخاه المهاجر بإحدى زوجاته كي يطلقها ويزوجها إياه. كما تطرق الشيخ النجار خلال حديثه إلى المرحلة المظلمة التي عاشها اليمن خلال عهد الأئمة البائد حيث كانت التفرقة والطائفية متفشية.. حتى جاءت الثورة المباركة ولمت الشمل وبعدها جاءت الوحدة المباركة والتقى اليمنيون جميعهم على المحبة والاخاء.. فهم بالأساس اخوة بالدين يجمعهم وطن واحد اسمه اليمن. جاهليه جديدة وأضاف الشيخ/النجار مانسمعه اليوم من نغمة مناطقية يسيء للوحدة.. وأن من يقومون باثارة النعرات جهلاء سفهاء ومعادون للدين خارجون عن اجماع الأمة.. فرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.. قال: دعوها فإنها منتنة وقال للمُتسبب بالقول: «إنك امرؤ فيك جاهلية» إذاً فإن هؤلاء الدعاة للتشرذم والشتات قد استوطنتهم الجاهلية ولكنها جاهلية من طراز جديد. وأردف الشيخ/النجار: نسمع هذه الألفاظ التي تدعو إلى التفرقة مثل«يادحباشي يابرغلي يازيدي ياشافعي» وهذه الألفاظ لاتخرج إلا من انسان سفيه لايُقدر مشاعر الناس يقول تعالى: «ويل لكل همزة لمزة» وهذا يعني أن مجرد اللمز والاشارة يكلف صاحبه الذنب الكبير وقد توعده الله تعالى بالويل والثبور. وأكد الشيخ/النجار أن تلك الألفاظ سواء وردت على لسان صاحبها بالمزاح أوالجد يبقى من يقولها من سفهاء القوم فهي بالأساس لاتنبع إلا من نفس شريرة تعشق الضعف وتتمنى التفرقة.. يقول الرسول«صلى الله عليه وسلم»: «المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة» وقال «صلى الله عليه وسلم» أيضاً: «لاتختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» وقال أيضاً: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة». وأشار الشيخ النجار أن حياة المسلم ينبغي أن تكون قائمة على المودة والاخاء ومن سعى لغير ذلك فهو بعيد كل البعد عن تعاليم هذا الدين الحنيف.. جسد واحد الشيخ عبدالحميد الطيب مدير مكتب الوعظ والإرشاد بأوقاف محافظة تعز وصف من يسعون إلى إثارة النعرات المناطقية بين أبناء الوطن الواحد بأنهم يملكون نفوساً معقدة تسعى إلى إيقاد نار الفرقة والانقسام وإحياء الباطل وإماتة الحق وتشويه الحقائق وافتراء والكذب بجدال بغيض وعبارات ملفقة «تتنطن» بها ألسنتهم وتتشدق بها أفواههم يحاولون من خلالها تضليل البسطاء باسم المناطقية والقبلية والطائفية والمذهبية وغرس الأحقاد ويزرعون الضغائن ويشعلون الفتن هدفهم تمزيق وحدة الصف بعد ان حقق الله لشعبنا أملاً عظيماً كان يترقبه من زمن بعيد حتى وفق الله المخلصين بقيادة الرئيس الصالح الأخ علي عبدالله صالح إلى جمع الكلمة وتوحيد الشمل وتنظيم الصف فانعم الله علينا وحقق أمنيتنا بالوحدة المباركة التي هي أمنية كل يمني. وأضاف الشيخ عبدالحميد: الوحدة ليست غريبة على أحفاد الأنصار وإنما الغريب عليهم هو الانقسام والفرقة.. فالإيمان يمان وأصدق مثل نستشهد به هو ماضربه لنا نبينا ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». نقطة تحول وأردف الشيخ عبدالحميد: من منطلق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن كيس فطن» ويجب على أبناء يمن الايمان أن يعوا ويعرفوا أن أعداء اليمن لماأدركوا قيمة الوحدة جندوا أنفسهم ويعملون التأمرية الهادفة تمزيق الوحدة باساليب متعددة ومايحدث اليوم شبيه بالأمس فقد تنكر للوحدة قديماً «شاس بن قيس» فقد أوقد نار الفرقة والانقسام بين المهاجرين والأنصار.. فنزل القرآن الكريم بالدعوة إلى الوحدة ويحث على المحبة والألفة وينهى عن الشقاق والفرقة يقول تبارك وتعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» صدق الله العظيم. وأشار الشيخ عبدالحميد أن الوحدة اليمنية المباركة مثلت نقطة التحول الإستراتيجي في تاريخ يمننا الحبيب وذلك بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام.. وهنا أقول لكل من يحلم العودة باليمن الموحد إلى الوراء بأنه هو المنبوذ في هذا الشعب وهو الخاسر الوحيد ولايوهم إلا نفسه الامارة بالسوء.. ولن يستطيع بإذن الله تعالى ثم بارادة هذا الشعب العظيم الوصول إلى مراده. وختم الشيخ عبدالحميد حديثه بأن الواجب على جميع فئات هذا الشعب الحفاظ على وحدته المجيدة والتصدي لمن يحاول المساس بها أو بمكتسباتها وبأمنها واستقرارها تحت أي مبرر أو مسمى انطلاقاً من قوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان» صدق الله العظيم. التفرقة من الشيطان قال صلى الله عليه وسلم «من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولايتحاشى من مؤمنها، ولايفي بعهد ذي عهد فليس مني ولست منه..» بهذا الحديث النبوي الشريف ابتدأ الاستاذ محمود عبدالوهاب وهو إمام وخطيب مسجد - حديثه مضيفاً: إن جرثومة الشقاق والفرقة لاتولد حتى يولد معها كل مايهدد عاقبة الأمة بالانهيار.. وفي الناس طباع سيئة قد تموت في ظل الوحدة الكاملة فإذا ظهرت بوادر الفرقة رأيت المتربصين والمنتهزين يلتفون ظاهر أمرهم التجمع حول مبدأ وباطنه دون ذلك. ويضيف الشيخ محمود: والرسول صلى الله عليه وسلم شدد في التحذير من عواقب الانعزال والفرقة في حله وترحاله يوصي بالتجمع والاتحاد وقد رأى في سفره ان القافلة عندما تستريح يتفرق أهلها هنا وهناك كأنما ليس بينهم رباط فكره هذا المنظر ونفر منه. فعن أبي ثعلبة كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إن تفرقكم هذا من الشيطان. فلم ينزلوا بعد إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال : لو بسط عليهم ثوبه لعمهم» وذلك اثر امتزاج المشاعر وتبادل الحب وانسجام الصفوف. يدالله مع الجماعة وأكد الشيخ محمود أن الشتات يضعف الأمم القوية ويميت الأمم الضعيفة.. ولذلك جعل الله أول عظته للمسلمين بعدما انتصروا في بدر أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا أمرهم. قال تعالى : «واطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» ثم تلقى المسلمون في أحد لطمة موجعة.. قال تعالى « ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ماأراكم ماتحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم» صدق الله العظيم. وأضاف الشيخ محمود: إن الهجوم الصليبي المعاصر والهجوم الصهيوني لم ينجحا في إضعاف المسلمين والسيطرة عليهم ونهب خيراتهم الا عقب ما مهد لذلك بتقسيم المسلمين شيعاً ودويلات متدابرة يثور فيها النزاع وتتسع شقته لغير سبب والاسلام حريص على سلامة الأمة وحفظ كيانها وهو بذلك يطفىء بقوة بوادر الخلاف ويهيب بالأفراد كافة أن يتكاتفوا على إخراج الأمة من ورطات الشتات والفرقة قال صلى الله عليه وسلم «يدالله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار». واتقوا الله وأوضح الشيخ محمود أن الواجب على العلماء والدعاة وفي ظل ظهور هكذا أصوات شاذة تدعو إلى التفرقة والشتات.. واجبهم ومهمتهم التعريف بأهمية الوحدة في ظل منهاج الاسلام الداعي إلى تعميق الاخوة وجمع الكلمة ولم الصف مع التعريف بمخاطر دعوات الفرقة والحث على تجنبها وعدم الانسياق وراءها لأنها طامة كبرى تقود إلى التهلكة. فحينما يتعمق الإسلام في قلوب متبعيه يجعلهم أمة قوية متحدة متماسكة ويبعدها عن معاول الفرقة والتشرذم لقوله تعالى «إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله.. ». الدعوة إلى الفرقة من عمل الشيطان سألت الشيخ يحيى النجار عن الحكم الشرعي في هؤلاء الذين يثيرون الفتن ويسيئون للوحدة الوطنية فجاءت إجابته ان الاسلام وحد الأمة ومن يفرق الأمة بعد توحدها يعتبر مجرماً. ومن يثير النعرات الجاهلية سواء كانت سلالية أو مناطقية يعتبر أيضاً مجرماً لا خير فيه وكل هؤلاء مشكوك في دينهم وقد توعدهم الله بالعذاب العظيم. والحل من وجهة نظر الشيخ النجار يتمثل بالعودة السليمة والصحيحة إلى الايمان الراسخ والاخوة الراسخة التي تجعل الأخ يفتدي أخاه وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالدين النصيحة وهذه مهمة علماء الأمة والمرشدين والخطباء.. كما يجب على وزارة الأوقاف والإرشاد ان تكثف من حملاتها الدعوية في هذا الجانب. وأضاف الشيخ النجار : وهي أيضاً المهمة موصولة إلى وسائل الاعلام المختلفة وجميع الكتاب والأدباء والشعراء والمثقفين وكل الجهات المعنية وأصحاب الشأن فالقضية خطيرة جداً ولابد من تكاتف الجهود «كل الجهود» من أجل تعرية تلك الدعوات النتنة التي ماأنزل الله بها من سلطان. والواجب أيضاً على الجهات الأمنية والقضائية اتخاذ إجراءات صارمة وعقوبات رادعة فيمن تثبت إدانته بإثارة هذه النعرات حتى يكون عبرة لآخرين قد أضلهم الشيطان.