ان الجمال الذي نتعامل معه في الحياة، هو جمال نسبي يختلف باختلاف الناس والأماكن والأزمنة، وقد يرى البعض الجمال في الأشياء القبيحة.. لذا قد اختلف الناس من عصر لآخر في نظرتهم للجمال ،وأين يكمن؟ هل فيما فيه فائدة ومنفعة؟ أم في الأخلاق؟ أم في كل ما يسلي ويمتع؟ وهنا سنناقش رؤية العرب القدماء للجمال. وعندما نبحث عن هذه اللفظة في المعاجم اللغوية القديمة نجد أنها اشتقت من الجميل أي فعيل بمعنى فاعل في الدلالة المعنوية، وبمعنى مفعول في الدلالة الحسية مشتق من الجمال وفعله جمل. أي أن الجميل له دلالتان، الأولى:حسية بمعنى الشحم المذاب، والثانية معنوية وهي أنه ضد القبح. فالعربي القديم لم يفكر في الجمال، وإن كان قد انفعل ببعض صوره وهو لم ينفعل بكل صوره، بل انفعل بصوره الحسية بخاصة ما استقبل بالعين فكان رائقاً،أو بالفم فكان لذيذاً، أو باليد فكان ناعماً وهذا يجعلنا ننتبه إلى أن العرب منذ اللحظة الأولى كانت نزعتهم حسية في تذوق الجمال، ومن هنا نعرف بأن الجمال كان عند العرب القدماء يتكون من شقين: شق حسي وهو الأكثر طغياناً، وشق معنوي أو أخلاقي والدليل ما سنسوقه من شواهد، ولكن خلاصة مفهومه في الحالين هو ما أمتع وسر، ولذلك سنقسم رؤية الجاهليين للجمال مجسداً في المرأة إلى قسمين: الجانب الجسدي، والجانب الروحي أو الأخلاقي أو الجمالي. الجانب الأول:هندسة الجسد أول ما يلفت النظر في جمالية المرأة عند شعراء الجاهلية، هوالشغف الشديد بهندسة الشكل واتخاذ الجسد محوراً أولاً للتذوق الجمالي لكن على نحو تفصيلي تجزيئي كالآتي: 1 القامة والهيكل: يقول الأعشى: بقوامها الحسن الذي جمع المدادة والجهارة فهذا هو ما يحبه العربي القديم من المرأة أن تكون ضخمة وطويلة، ولكن قد يكون قسوة العظام وضخامتها من آيات القبح يقول علقمة في وصف محبوبته وبأنها لطيفة: صفر الوشاحين ملء الدرع خرعبة كأنها رشأ في البيت ملزوم أي أنها ضامرة البطن ممتلئة الصدر غير خشنة العظام. 2 البشرة: أحب العرب أن تكون البشرة بيضاء، وإذا كانت بيضاء مشربة بصفرة،فذلك أجمل وأبهى ، وفي كل الأحوال يجمل بالبشرة أن تكون صافية لا يكدرها اغبرار أو غبرة يقول سلامة بن جندل: يطالعنا من كل حدجٍ مخدرٍ أوانس بيض مثلهن قليلُ ويقول آخر: أشربت لون صفرة في بياض وهي في ذاك لدنة بيضاء 3 الشعر: جماله يكمن في سواده وتموجه وكثافته، يقول طرفة: وعلى المتنين منها وارد حسن النبت أثيث مسبكر. 4 الوجه: أن يكون جميلاً ووضيئاً مشرقاً، ناعم الخدين منجرداً من الشعر لامعاً يقول أحدهم وأبلج مشرق الخدين أفخم يسن على مراغمه القسام وقال آخر: إذ تستبيك بأصلتي ناعم قامت لتفتنه بغير قناع والأصلتي صفة للوجه المنجرد من الشعر 5 العين : يحبون الحوراء ذات الفتور يقول أحدهم: وإذا تنازعك الحديث رأيتها حسناً تبسمها لذيذ المكرع 6 البطن والنهدان: وقد اعجبوا بالبطن الرقيقة غير المنتفخة أو المتورمة المزدانة بطيات لطيفة تدل على رغد العيش، ويطل عليها ثديان كاعبان ناهدان، حسنا الاستدارة، لطيفا التكوير بعيدان عن الابتذال يقول النابغة: والبطن ذو عكن خميص طيه والصدر تنفجه بثدي مقعد لذا نجد الجاهلي معجباً بالخصر والعجز الدقيق: لطيفة طي الكشح غير مفاضة إذا انفلتت مرتجة غير متفال ونستنتج من هذه المعايير والسمات الجمالية المسرودة وغيرها الكثير من مقاييس الجمال العربي القديم، أنها كلها قائمة على اللذة والمتعة وإحداث السرور. الجانب الثاني: العلاقة الجمالية إذ لم تكن المرأة في الرؤية الجمالية للعرب مجرد شكل جميل فقط بل كانت تمثل أيضاً علاقة جميلة وموقفاً جميلاً، وإن أفرط الشعراء الجاهليون في الاهتمام بحماية الشكل بيد أنهم كانوا في الوقت نفسه يتذوقون جمالية المعنى تذوقاً رفيعاً، يدل على رهافة الشعور ورقة الإحساس، ويعبر عن أهمية البعد الروحي في صياغة الرؤية الجمالية العربية إذ أحب في المرأة أخلاقاً عدة منها: أن تكون خفيضة الصوت ،مهذبة، بعيدة عن الصخب والبذاءة والافساد يقول ابن الأسلت: خفيضة أعلى الصوت ليست بسلفع ولانمة خراجة حين تظهر إذ السلفع: الجريئة البذيئة، والنمة النمامة، والخراجة كثيرة الخروج والدخول. ومن جمال المرأة أن تكون وفية لزوجها، شديدة الإخلاص له لاتفشي سره، ولا تخون عهده، كذلك أحبوا المرأة أن تكون ذات مزاج لطيف يعبق أنساً، ويلتهب حركة: فيهم لعوب العشاء آنسة الد ل عروب يسوؤها الخلفُ الجمال وغريزة الجنس اهتم معظم الشعراء بإبراز الجوانب الحسية والمعنوية، التي تناسب المتعة الحسية وبرع في ذلك فريق لاه عابث، يمكن أن نسميهم الشعراء الشهوانيين وأبرزهم: امرؤ القيس والأعشى. وجمال المرأة عند هؤلاء في أنوثتها الصارخة، فهي عندهم جسد شبق يتأجج فيه سعار الشهوة مثل قول امرئ القيس: لطيفة طي الكشح غير مفاضة إذا انفتلت مرتجة غير متفال ومن هنا نرى بأن مقياس الجمال مرتكز على الشكل أكثر وإن رأينا عدم إغفال الجاهلي للجانب الأخلاقي، وإن كانت الغاية هي اللذة والمتعة، ولكنها لذة عاطفية محببة إلى النفوس، فهذا هو مفهوم الجمال عند العربي الأول، كل ما أمتع وأشاع السرور في النفس البشرية.