تتواصل في ربوع العالم الإسلامي الاحتفالات بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، وتتنوع بين تقديم الأكلات المميزة لكل بلد في هذا الشهر الكريم ، وإفطار جماعي في مساجد الجالية اليمنية والإسلامية، وأكلات خاصة وصلاة جماعية في ضيافة رمضان ومحاضرات دينية لعدد من العلماء والمشايخ وأمسيات ثقافية وأدبية.هناك بعيداً في بلاد الصقيع في مدن أقصى الغرب كاردف ليفربول برمنجهام وبريطانيا، وأمريكا وغيرها تلك المدن كانت ومازالت هي المحطة الأولى والأخيرة بالنسبة لطيورنا المهاجرة اليمنية الأصيلة، فرشوا أجنحتهم وتغربوا عن أوطانهم حتى غدت الغربة لهم وطناً، واستوطن الكثيرون منهم وبنى له جيلاً. وفي المملكة المتحدة البريطانية حيث الكثافة السكانية للجالية اليمنية والإسلامية على مستوى المدن وتحديداً العاصمة الصناعية برمنجهام اليمن كما يطلق عليها الانجليز أنفسهم وذلك لكثرة وجود اليمنيين فيها والعادات والتقاليد المتعارف عليها والأسواق اليمنية وغيرها، فالكل يتحدث العربية وليست الجالية اليمنية هي الوحيدة التي تستمتع بكافة الامتيازات في بريطانيا. وفي الحقيقة فإن كافة الجاليات العربية والإسلامية تتمتع بحرية العبادات والمناسبات والشعائر الدينية وخاصة في شهر رمضان المبارك والذي يجتمع فيه أكثر عدد من المسلمين العرب والأجانب، فهم يتقاسمون نفس العامل المشترك ألا وهو الصوم والصلاة، فهذه الأركان الأساسية التي تجمع المسلمين في أي مكان في العام مهما اختلفت أجناسهم وثقافاتهم المتعددة ولغاتهم التي لا تحصى ولا تعد، فجميعهم شركاء في عبادة الله عز وجل رغم اختلاف المكان والزمان وأوقات الصلاة والصيام. فقبل الخوض في العادات والتقاليد الرمضانية لدى مسلمي بريطانيا دعونا أولاً نتحدث عن أهم مراحل انتشار الدعوة الإسلامية في دول الغرب وتحديداً في المملكة المتحدة البريطانية، فقد مرت الجالية الإسلامية في بريطانيا بمراحل عديدة وأطور مختلفة حتى تحقق لها ما وصلت إليه الآن من تواجد وحضور كمي وكيفي ومؤسسات حقوق وواجبات وغير ذلك مما تتمتع به من اعتراف رسمي وسط مجتمع أكثريته غير مسلمة ، فلم يكن لها في البداية الحق في ممارسة الشعائر الدينية بحرية تامة أو حتى تنظيم أمور الجماعة طبقاً للتصور الإسلامي كما حرمت من حق الدعوة إلى الإسلام ونشره؛ بل عانت ضغوطاً في ممارسة هذه الحقوق بسبب التعصب الذي ورثه الغربيون في السابق ضد الإسلام منذ العصور الوسطى وإلى عهد قريب كان القانون الدولي يعتبر الإسلام خارج نطاق العلاقات الدولية ولا يعترف للمسلمين بالحقوق التي يقرها هذا القانون، ولعل الوجود الحقيقي للمسلمين في بريطانيا بدأ في منتصف القرن العشرين إبان الحرب الباردة بين الشرقيين والغربيين .. أي بعدما تغيرت النظرة الغربية العدائية التي كانوا يحملونها تجاه الإسلام.. بعكس مما كان عند الجانب الإسلامي من رغبة مخلصة في التعاون إلا أنها لا تلقى أبداً المعاملة بالمثل، وأما قبل ذلك فقد كان أشبه برحلات وزيارات فردية لا تمثل وجوداً حقيقياً للمسلمين ولا تشكل جالية حقيقية للعرب أو المسلمين. وقد بدأت أوسع الهجرات الإسلامية إلى بريطانيا في الخمسينيات من القرن العشرين حيث أتى أغلبهم من جنوب آسيا خصوصاً من شبه القارة الهندية وجنوباليمن بما كان يعرف باليمنالجنوبي أتى هؤلاء المهاجرون إلى المملكة المتحدة للمساعدة أساساً في ملء النقص في العمالة عقب الحرب العالمية الثانية واستقروا بشكل أساسي في المناطق الداخلية من مدينة لندن وفي المدن الصناعية وسط انجلترا وفي مدن صناعة الأقمشة والحديد.. في الانكشاير وبوركشاير وسترانكلايد، أما الآن فالمسلمون في جميع أنحاء بريطانيا، ويقدر عدد المسلمين واليمنيين في بريطانيا في الوقت الحالي بأكثر من مليونين ونصف المليون أغلبهم من مواليد بريطانيا، أي الذين يطلق عليهم بالجيل الثاني ومعظمهم يعيشون في لندن ومانشستر وبرمنغهام وبراد فورد، وبالرغم من حداثة الوجود الإسلامي في بريطانيا الذي لم يتجاوز أكثر من نصف قرن من الزمان إلا أنه يتمتع بقسط كبير من الحرية ويمارسون مواطنتهم بشكل لا يتوافر لدى الجانب الآخر من دول الغرب، وربما لا يملكها المسلمون في بلدانهم، ويمتلكون من القدرات المادية والفكرية ويتمعون بمستوى ثقافي وتعلمي عالٍ وأتيحت لهم الفرص الدستورية التي من شأنها أن تمنحهم فرص تحسين صورتهم وتغيير أوضاعهم، والمطالبة المستمرة بحقوق أكثر كحق تنظيم الندوات والمؤتمرات وحق التظاهر، وقد نجحت الجالية الإسلامية في بريطانيا بتكريس المفهوم العربي والإسلامي خصوصاً مع تزايد الهجرات الإسلامية إلى بريطانيا ومن ثم طرح البدائل الإسلامية في كثير من الاتجاهات والخيارات والرؤى. فهناك التمثيل الدبلوماسي العربي والإسلامي على كل المستويات.. كما قامت مملكة بريطانيا بافتتاح وحضور حفل إسلامي، وطالب ولي عهد بريطانيا في كثير من محاضراته بأنه يجب دعم ومساندة المسلمين حتى يتسنى فهم الغرب للإسلام عن طريقهم؛ وأنهم كانوا في الماضي سفراء رحمة لأوروبا، وتعلمنا منهم الكثير سواء في الأندلس أم صقلية، فلابد من الاعتراف بمساهمتهم في بناء حضارتنا وتعيين أعضاء مسلمين في مجلس اللوردات، كذلك خصصت الحكومة منحاً ودعماً مستمراً لعدد من المدارس الإسلامية، وبالفعل نجحت الجالية المسلمة في تحقيق عدد من الإنجازات والمؤسسات التي من شأنها ان تضمن لهم حظاً واسعاً من التضامن. فقد قاموا بإنشاء الكثير من الهيئات والمنظمات والأجهزة المختصصة مثل المجلس الإسلامي البريطاني الذي تم تأسيسه عام 1977م ويعد أهم وأشهر الهيئات الإسلامية في بريطانيا، وهو عبارة عن هيئة مستقلة ديمقراطية تمثل «400» هيئة محلية ووطنية تعكس التنوع في الخلفيات الاجتماعية والثقافية التي تشكل مجتمع المسلمين هناك ، ومن أبرز المنظمات التابعة للمجلس المحلي البريطاني: 1 الجمعية الإسلامية في بريطانيا الرابطة الإسلامية المنبر الإسلامي الأوروبي. 2 البعثة الإسلامية البريطانية وغيرها، ومن الهيئات الأخرى منبر مكافحة بغض الإسلام والعنصرية والبرلمان الإسلامي والمركز البريطاني للبحوث الإسلامية، ومن أبرز أهداف المجلس الإسلامي البريطاني التشجيع على التعاون والإجماع والوحدة فيما يتعلق بالشئون الإسلامية في المملكة المتحدة من أجل صالح المسلمين والسعي نحو تحقيق انفتاح أكثر للإسلام والمسلمين في المجتمع البريطاني، وتأسيسي مكانة للمسلمين ضمن المجتمع البريطاني تتسم بالعدل والإنصاف ضمن الحقوق الواجبة لهم، والعمل من أجل منع الأذى وجميع أشكال التمييز التي يواجهها المسلمون هناك. ومن المؤسسات الإسلامية الشهيرة في بريطانيا مركز لندن الإسلامي المعروف بمسجد شرق لندن، وقد تم تأسيسه عام 1910م على يد عدد من الشخصيات الإسلامية. أيضاً المركز الإسلامي اليمني وبما يعرف بمسجد المركز الإسلامي اليمني الذي يقع في مدينة برمنجهام أكثر المناطق حيوية وتعدداً من حيث الحضارات في المملكة المتحدة، حيث يوجد فيها أكثر من «800» ألف مسلم يعيشون في محيط المركز. وحول ما يقدمه المركز الإسلامي اليمني من خدمات لليمنيين والمسلمين في بريطانيا، ولمعرفة كيف يعيش اليمنيون أجواء شهر رمضان في بريطانيا لما له من مكانة خاصة في قلوب اليمنيين في دول المهجر التقيت بعدد من أبناء الجالية اليمنية بمدينتي برمنجهام وكاردف في المملكة المتحدة البريطانية، في البداية تحدث الحاج عباس المهري قائلاً: في البدء اسمح لي أن أنتهزها فرصة وأتقدم بالشكر والامتنان للجهود الجبارة التي يبذلها القائمون على صحيفة الجمهورية من أجل تنمية أواصر الارتباط بين المغتربين وإخوانهم في اليمن، وأملنا بأن يستمر هذا العطاء وتكون صحيفة الجمهورية هي صلة التواصل بين المغترب ووطنه.. وأما بالنسبة لسؤالك عن الأجواء الرمضانية لدى أبناء الجالية اليمنية في بريطانيا؛ فيستبشر اليمنيون والعرب والمسلمون الأجانب في المدن البريطانية بحلول الشهر الكريم الذي يمتاز بنفحته الخاصة كونه شهر الرحمة والمغفرة، وبشكل عام لرمضان مكانته الخاصة في قلوب اليمنيين المغتربين الذين يرونه ضيفاً خفيفاً وأيامه مباركة ورحمة، إنه شهر التواصل والتكافل، فيه صور تتجلى بأبهى صورها، حيث لا يجتمع أبناء الجلاية إلا في أيام عيدية أو مناسبات فرائحية أو دينية، وذلك لأن الكل مشغول في عمله ومنهم من يأخذ إجازته السنوية في شهر رمضان الفضيل استعداداً لصيامه وقيامه، وترى الجميع يغتنم هذا الشهر في ارتياد المساجد وقراءة القرآن ويواظبون على الصيام والصلاة في أوقاتها خاصة أننا نعيش كما تعلمون في مجتمع غربي غير مسلم، فالقابض على دينه كالقابض على الجمر، حيث يبلغ عدد المغتربين في مدينة برمنجهام حوالي (008) ألف نسمة تقريباً، وفي مسجد الجالية اليمنية بمدينة برمنجهام العامر بالخير والذي يعبر عن الشخصية اليمنية المسلمة من حيث تقديم الخدمات والأنشطة المتعددة في شهر رمضان المبارك، مثل تقديم مأدبة إفطار الصائم والتي يحضر هذه المأدبة ما يقارب (0001) شخص يومياً، وتقوم اللجان الخدمية بترتيب مائدة الإفطار والعشاء، حيث تتنوع الموائدة بأصناف الطعام اليمنية والعربية وتشتمل على التمر والسنبوسة والشفوت والبقلاوة والفتة والسلتة وغيرها من الأصناف اليمنية. من جهته يضيف الأخ عبدالودود عبدالنور حمود من ولاية برمنجهام البريطانية قائلاً: الحمد لله العلي القدير أن منّ علينا بحلول الشهر الكريم بالخير والبركات للأمة العربية والإسلامية، فما من شخص في بريطانيا رجلاً كان أو امرأة إلا وأراد السؤال عن الإسلام، وقد تبنت الجالية اليمنية والعربية إقامة العديد من المساجد ونشر الدعوة الإسلامية لكل بيوت الغرب بالرسالة السامية، حيث إن القانون البريطاني يكفل حرية الأديان، ويجد الإنسان حرية حقيقية لدينه الخاص به ولا نجد أية صعوبة إلا في مواعيد الصيام والصلاة وذلك لطول عدد الساعات التي نصومها في اليوم الواحد تصل في فصل الصيف إلى أكثر من 71 ساعة، أيضاً هناك أمسيات رمضانية تقيمها الجالية اليمنية والعربية وتشمل المحاضرات لعدد من العلماء والشيوخ وحلقات الذكر والقرآن الكريم.. وتعمل اللجان الخدمية بإقامة دعوات لغير المسلمين في بريطانيا والجاليات المختلفة وذلك لتعريفهم بمفاهيم الإسلام وتحبيبهم له بالدعوة والإرشاد وحكم الصيام ومنافعه وفضله في هذا الشهر الكريم والكثير من العادات الإسلامية التي يجهلها الغرب. وفي اتصال هاتفي مع الأخ معتصم الشميري المقيم حالياً في مدينة كاردف حدثنا عن كيفية استقبال اليمنيين المغتربين في بريطانيا شهر رمضان هذا العام حيث قال: استبشر اليمنيون والمسلمون الأجانب بحلول شهر رمضان المبارك الذي امتاز بنفحاته الخاصة التي يرتشف المسلمون من خلالها روح الإيمان ويتذوق الصيام والتلذذ بالعبادات وقيام الليل، وفي مدينتي كاردف محل إقامتي استقبل اليمنيون الشهر الفضيل بكل حفاوة وفرح، ولله الحمد لا نجد أية صعوبات، فقانون الدولة البريطانية يكفل حرية الأديان السماوية، ونحن نمارس ديننا الإسلامي بحرية كاملة، وما نعانيه في شهر رمضان هو مواقيت الصيام والإفطار والصلاة وذلك لطول عدد الساعات التي نصومها في اليوم الواحد تصل لكثر من «16» ساعة حيث يبدأ الإمساك في تمام الساعة «4.5» فجراً، والإفطار يكون في تمام الساعة «9» مساءً بتوقيت لندن. أيضاً تقام في هذه الليالي الرمضانية أمسيات رمضانية تقيمها الجالية اليمنية والعربية بالإضافة إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم للشباب والأطفال اليمنيين والعرب، وهناك أشياء كثيرة تختلف بعض الشيء في شهر رمضان المبارك؛ ولكن الوقت والذاكرة لا تسعفني لسردها. وأعتقد أن العادات الرمضانية سواء في اليمن أم في دول المهجر هي نفسها وخاصة عند المغتربين في بريطانيا، والأهم فيها جلسات القات والسمر والتي تبدأ من بعد صلاة العشاء والتراويح وحتى بعد منتصف الليل يتبادل فيها اليمنيون الذكر وتلاوة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة. هذا وكل عام وأنتم بألف خير ورمضان كريم، أعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركات.