العناية بالقرآن الكريم مفتاح الصلة بالله تعالى، وأسلوب مدارسته مع آخرين طريق لتدبره وفهم معانيه، وهي من باب التعاون على البر والتقوى وقد اختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم جبريل ليكون رفيقه في مدارسة القرآن في شهر الصيام. وقد جاءت بذلك نصوص عدة، منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه : «وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن»، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إلى إلى ابنته فاطمة رضي الله عنها : «إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي» البخاري. قال ابن حجر: «فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين » فتح الباري. والمستفاد من قوله صلى الله وعليه وسلم «يعارضني» وقول ابن عباس رضي الله عنهما في الرواية الأخرى «فيدارسه»: أن كلا منهما كان يقرأ تارة والآخر يستمع، لأن صيغة المفاعلة تفيد وقوع الشيء من الجانبين. وهذا بين في أثر الرفقة الصالحة، وأن المرء إذا أراد أن يستفيد من الشعر فليحسن اختيار من يخالط ويجالس. وكم رأينا من هو في أوحال المنكرات في هذا الشهر المبارك بسبب الجليس السوء! ممن يقرب إليه المعصية في شاشة أو ملعب أو مطعم أو مشرب، ويبعد عنه الطاعة ويثقلها عليه، فليتق العبد ربه في هذا الجانب، فإن المرء على دين خليله، فلينظر أحدنا من يخالل. والحديث يدل على استحباب مدارسة القرآن، وعلى مزية القراءة بالليل على النهار، وعلى استحباب الإكثار من القراءة في رمضان، وأن زيادتها توجب زيادة الخير، وأن الجليس الصالح ينتفع المرء بمجالسته. وقال ابن حجر: «المقصود من التلاوة: الحضور والفهم». وقال ابن بطال: «وما كانت مدارسته للقرآن إلا لتزيده رغبة في الآخرة وتزهداً في الدنيا». وقد صرنا في أيامنا بفضل الله تعالى نرى حرص كثيرين على ختم القرآن في رمضان مرة أو أكثر، وهذا من الخير العميم، ولكن الإشكال في الإخلال الحاصل بآداب التلاوة وسننها، إذ يهذ بعض القراء في التراويح وغيرها القرآن الكريم كهذ الشعر، من غير تدبر لمعانيه، وتفهم لأحكامه وخشوع عند تلاوته، والله عز وجل يقول: «كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب» «ص:92».