الحضارة هي مركب من إبداع المجتمع وحركة سعيهم دوماً للابتكار والجدة عبر آليات متقنة وسبل واضحة دون قيود من رغبات تسلطية أو مصالح سلطوية فالحرية مقدسة ما دامت لم تفض إلى فساد في الأرض أو علو كبير بغير وجه حق، إن الحرية هي تقديم الأفضل والأنفع للإنسان في شتى احتياجاته عبر مسارب الحياة المختلفة فالحضارة هي ناتج الإبداع وثمرة السعي ولن يتمكن الناس من صنع حضارة أو تأسيس مدنية ما لم يتمتعوا بالقدر الكافي من حرية التفكير والعمل إذ إنه من غير المنطقي أو الواقعي وجود إنسان - لم يتمتع بعد بحرية التفكير والسير في الأرض للنظر والاستدلال- يستطيع أن يملك حساً إبداعياً يصنع به عملاً ذا مردود استراتيجي ولو على المستوى المحيط أو المدى القريب والمنظور يؤسس ويمنهج حركة نماء واستمرارية تقدم. لذا و في ظل مناخات الحرية الواسعة الطيف العميقة التأصيل في ثقافة وسلوكيات المجتمع يستطيع الناس بكافة أطيافهم وتنوع أعراقهم الحصول على فرص متكافئة تؤهلهم لاستغلال الطاقة العقلية التي أودعها الله فيهم فيكون نتاجاً خالصاً من الإبداع في شتى مجالات النهوض البشري لعمارة الأرض والاستخلاف فيها لتحقيق الاستعمار الذي انتدب الله إليه بني آدم أجمعين، قال تعالى: (هو استعمركم فيها) والاستعمار هنا هو عمارة الأرض ولن يتأتى هذا الأمر إلا وفق مقدمات ونتائج إبداعية تبرز في حياة الأمة والمجتمع على تلك النتائج يتوقف صنع حضارة ذات إشعاع ووجود يمتد لأطول مسافة ممكنة للحضارات عبر سنة التداول التي تحكم صيرورة المسيرة البشرية قال الله تعالى (وتلك الأيام نداولها بين الناس). إن إبداع الناس يمكنه أن يتوقف فقط في ظل غياب الحرية الذي سيكون من أهم انعكاسات غيابها عدم حضور روح المسئولية الخلاقة أو المبادرة الذاتية اليانعة والنافعة، إن كل محاولات خلق إبداع أي كان دون العمل على تخصيب بيئة الحرية ووفضائها المتسع هو مجرد استمرار لإنتاج سيطرة بقاء الحال وترسيخ السكون المتخلف وتخليق واقع صيرورته إلى مزيد من التراجع مع ظهور تخلف مقنع يحسبه أربابه دخولاً في الحضارة وصنعاً للمستقبل وزراعة للمجد وهو في حقيقته سراب ذلك كله، علينا التفكير بصورة أكثر جدية في طرق تحرر حياتنا من كل ما يعوق صنع إنسان مبدع إنسان قادر على تحمل تبعات استخلاف الله له في الأرض قادر دوماً على قول الحقيقة وإنضاج الفكرة وعمل اللازم ليكون أمة وجوده حياة وفقده مصيبة . إن الحرية تخلق الإبداع وتتيح فرص النمو بما تصنعه من استقرار كونها تحقق الرضا الذاتي بسبب إتاحتها فرص تحقق الأهداف والوصول للغايات وعندها يصبح كل من جد وجد ولكل مجتهد نصيب ولا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى وكل من سعي لقي، عند وجود أمة أو شعب حر توجد امة أو شعب مبدع هنا يمكن القول أعطني أمة حرة أعطك أمة مبدعة، إن العبيد والمضطهدرن لن يصنعوا غير التخلف والذل وفي أحسن الأحوال بإمكانهم أن يصنعوا الموت والدمار أما عمارة الأرض والاستخلاف فيها فلا يحققه إلا الأحرار والأمم الحرة لذا كانت أول مهام الأنبياء والرسل عليهم السلام وكذا المصلحون عبر التاريخ هو تحرير الإنسان إيجاد الإنسان المسئول الملتزم بعهد الله ليكون صالحاً في الأرض مسخراً قدراته العقلية والبدنية في تحقيق الهدف (إني جاعل في الأرض خليفة) .