فيلم جديد يدور عن العلاقة بين سلفادور دالي ,الاستاذ الغريب الاطوار للحركات الطليعية وزميله الاسباني فيدريكو جارسيا لوركا , الشاعر و الكاتب المسرحي . فيلم “ رماد قليل” أنجز وعرض في بريطانيا عام2007م - عرض في امريكا عام 2009م- من انتاج بريطاني-اسباني مشترك. “ رماد قليل” الذي حمل اسم لوحة لدالي, اخرجه بول موريسون و الذي يضم رصيده فيلمي« سلمان» و “جينور” و الذي رشح لجائزة الاوسكار عام (2000)م. الفيلم تم تصويره في برشلونة بشكل اساسي بميزانية متواضعة تصل الى مليون وربع يورو. الفنان دالي صاحب الفن الخالد رسام النمل والأفيال ذات الأرجل المستدقة وساعات الجيب المائعة و التلفون الذي يشبه الجمبري والهزلي والذي نعرفه فوراً بشاربه المدبب لعب دوره في فيلم “ رماد قليل”روبرت باتنسون,الممثل البريطاني البالغ من العمر 21والذي عرفه جمهور السينما في دور سيدرك ديجوري في سلسلة هاري بوتر.دور لوركا ذهب الى الممثل الاسباني خافيير بلتران بينما أخذ دور لوركا ماثيو ماكنيلتي الذي مثل في فيلم “كونترول”, الفيلم الذي جسد حياة المطرب ايان كارتيس. تدور أحداث الفيلم في البيئة الثقافية و السياسية لمدريد العشرينيات و يتتبع الصداقة العميقة لثلاثة من الفنانين الثوريين الشباب دالي ولوركا ومخرج الافلام السوريالي الملهم لويس بونويل . في عام 1922م يصل الشاب سلفادور دالي ذو الثامنة عشر ربيعا الى جامعة مدريد و في السكن الطلابي الذي مثل بيئة حديثة أغنت أبهى العقول الأسبانية الشابة , سيتعرف دالي, الفنان الغريب الذي كان يميل آنذاك إلى التكعيبية والمصمم على أن يكون فنانا عالمياً,على الشاعر لوركا و صانع الافلام لويس بونويل ليشكلوا معاً نواة جماعة حداثية في مدريد. واصبح هناك صديقاً لبونويل و لوركا,والذي وصفه لاحقا ب«الظاهرة الشعرية المجسدة”والشخص الوحيد الذي جعله يشعر بالغيرة . لوركا سيستمر في كتابة المسرحيات و منها «عرس الدم» و« منزل بيرناردا البا» قبل أن يقتله الوطنيون في عمر38 سنة خلال الحرب الاهلية الاسبانية.وبالنسبة لعلاقة دالي مع بونويل فقد عاشا لاحقا في باريس وتعاونا في صنع الفيلم السوريالي “ كلب اندلسي “ و الذي يدور عن قصة حياة لوركا. اثناء مكوثهم في السكن الجامعي, أصبحت حياتهم الخاصة معقدة بشكل متنام بعدما تجاهل لوركا محاولات صديقته المخلصة ماجدولينا للتقرب منه , وفي المقابل شعر دالي بنجذاب لوركا نحوه . بونويل , شعر بانه معزول بشكل كبير بسبب التقارب القائم بين الاثنتين لذا يقرر الانتقال إلى باريس لتحقيق طموحاته الفنية . في نفس الوقت,غادر لوركا ودالي الى مدريد ليقضيا الصيف في قرية كاديكامس الساحلية حيث يقع منزل عائلة دالي.هناك يشعر لوركا بتقبل عائلة دالي لعلاقتهما الحميمية , وذات ليلة بدت صداقتهما اكثر قرباً عن ذي قبل. في الجامعة زارهما بونويل و قد أصبح اكثر شكا و توجساً من تقاربهما الطافح. لاحقاً وجد دالي هوس لوركا به اكثر مما كان يحتمل, فانتقل الى باريس و انهمك هناك مع المجتمع المخملي وانحلاله وعلى الفور وقع دالي في غرام جالا وهي امرأة متزوجة و ولوعة بالمشاهير , وعندما زاره لوركا وجد صديقه رجلاً متغيراً في حياته و خططه. في يناير 1986م كان ايان جبسون الذي يقوم بالبحث في سيرة لوركا و التي صدرت في 1989م قد استدعاه صديق دالي القنان انتونيو بيكستوت ليلتقي به في فيجيريس. يقول جبسون:« وفي لحظة كنت في مدريد و التقطت الطائرة التالية ». ويستمر قائلا:كان دالي يرشح عرقاً و هو يحاول يائساً اقناعي بأن صديقه الكبير فيدريكو لوركا قد أحبه جنسياً, وليس مجرد حب «افلاطوني», ومحاولا التأكد من أني سأوضح ذلك في المجلد الثاني من سيرتي عن الشاعر .وبرغم حالته الصحية المتدهورة وصعوبة النطق و يأسه الواضح فقد زودني ببعض التفاصيل المدهشة عن تلك العلاقة , وفي مزيج مرتبك من اللهجة الكاتالونية و القشتالية, حاول الفنان ان يظهر لجبسون كم احب لوركا بعمق و كيف انهما شعرا بكونهما شريكا روح و رغم أن الرغبة بينهما كانت مشتركة , فان محاولة اكمال العلاقة بالمعاشرة كانت مؤلمة جداً و مؤذية ان استمرت , لذا قررا ان يضاجع لوركا صديقة لهما بينما يشاهدهما دالي ويمارس الاستمناء اثناء ذلك – كنوع من المضاجعة بالوكالة – ويشير دالي الى ان ذلك مثل بداية غرابة سلوكه و نزوعه للاشباع الجنسي بطرق مماثلة .حتمياً , تداعت الأمور فيما بينهما لأن دالي ببساطة كان “ مرعوباً جداً ” , لذا فر إلى باريس حيث بونويل و جالا.يضيف جبسون : لم يكن الامر مجرد عاطفة , لقد توصلت إلى حقيقة ان صداقة دالي مع الشاعر تعد واحدة من التجارب الاعمق في حياته. ان ذلك محزن وبسيط وقصة انسانية جدا ًرواها هو , وهي بإختصار القصة التي تم تقديمها في الفيلم , كل التفاصيل التي نعرفها عن العلاقة أتت مباشرة من فم دالي . التفسير الذي قدمته كاتبة السيناريو فيليبا جوسليت, يبدو أنه سبب جدلاً بين أوساط كتاب السير و المؤرخين.على رغم ما اشيع طويلاً عن العلاقة الجسدية الحميمة بين الرجلين.كان دالي قد حدث صحفيين عن انه رفض اكثر من مرة محاولات لوركا المثلية للايقاع به.وصفه منتجوه بأنه “مثير”و”لاذع” فالفيلم سيعرض مشاعر لوركا ودالي والتي تعمقت إلى علاقة حب و التي فشل الفنان المكبوت جنسياً في اتمامها.وبدلاً عن ذلك ضاجع لوركا صديقتهما. قالت جوسليت: ان علاقة الحب استبدلت بطرف ثالث.”نام لوركا مع امراة كانت صديقة لثلاثتهم ,والتي عدها دالي تضحية مطلقة. شاهدهما دالي وكان ذلك بداية غرابة أطواره و أساساً للقناع الذي وضعه على شخصيته و أصبحنا معتادين عليه الآن. بالنسبة لي هذه هي المأساة الحقيقية بالنسبة لدالي.لقد أصبح بحق مسكوناً بلوركا بقية حياته وظل يتحدث عنه باستمرار- اكثر من حديثه عن زوجته جالا(كانت آخر كلمة قالها دالي : أواه , صديقي لوركا). ثمة رد فعل تهكمي من قبل ايان جيبسون,كاتب السيرة الذاتية لدالي ولوركا ويعمل الآن على كتابة سيرة بونويل,يقول:يعتمد الامر على كيفية تعريفك للعلاقة ,كان دالي يصاب بالذعر من ملامسة أي شخص, لذا لا أعتقد أن لوركا ذهب بعيداً. في لغة فصيحة غنية ,نفى دالي , الذي تزوج عام 1934م,ان تكون علاقتهما قد اصبحت جسدية و وفقاً لحواراته مع الآن بوسكيه في 1969م يقول دالي : “لقد كان لوركا مثليا كما يعلم الجميع, وكان يحبني بجنون حتى إنه حاول ايقاعي مرتين.كنت متذمراً بشدة لأني لم أكن مثلياً ولم أكن مهتما بتعاطي ذلك الى جانب ان ذلك يؤلم .لذا لم يحدث شىء لكني شعرت بشكل كبير, لكن جوسليت تدافع عن تجسيد الفيلم لعلاقة الحب بينهما. تقول:”بعد جهد هائل في البحث,يتضح أن شيئاً ما حدث,لا جدال في ذلك,”عندما تطالع في الرسائل يظهر واضحاً ان شيئا ما اكثر مما يبدو قد حدث هناك.بدأت العلاقة كصداقة ثم اصبحت اكثر حميمية و تحولت الى المستوى الجسدي لكن دالي وجد ذلك صعباً ولم يستطع الاستمرار.قال انهما حاولا ممارسة الجنس لكن ذلك مؤلم.لذلك لم تكتمل العلاقة جسدياً.” المصدر: صحيفة الجارديان البريطانية –عدد الأحد 28 اكتوبر2007م.