تحدد المفهوم المعاصر (للآخر) تجاه (الأنا) في جدلية العلاقة بين طرفين تتنوع مصالح أفراد كل منهما، تتكامل وتتناغم، أو تتضارب وتتناقض، بما يعني التفاعل الخلاق، أو التنافر الحاد، وقامت الآداب بتصوير تلك العلاقات المتبادلة بين (الأنا والآخر)، في مواقع متعددة الوجوه، حيث تكون (الأنا) بمثابة (الآخر) وتنوعت الصور في دلالات تتعدد بين المشاركة الإنسانية، والانضواء تحت الهم الإنساني. والتشابه في الواقع بتوظيف الآليات الفنية من: الإسقاط، أو الرمز والرمزية من: التلميح، والإيماء، والتصوير، وتعدد الأقوال، النقد أو التهكم، أو الاحتجاج، أو المقاومة والرفض وتوظيف فن الرسالة الأدبية التراثية. ومن هنا رأينا ملامح متعددة للشخصيات، والعنوان، ومن ذلك ما رأينا لدى: عبدالرحمن الشرقاوي في (رسالة من أب مصري إلى الرئيس الأمريكي ترومان)، وله أيضاً، (رسالة إلى جونسون)، ولدى فاروق جويدة في (رسالة إلى بوش من طفلة مسلمة بالبوسنة). ولدى فاروق شوشة في (من مواطن مصري إلى الرئيس بوش). يمكن حصر الصور في المحاور الآتية: أولاً: استلهام النموذج الإنساني العالمي، على مستوى الأديب، أو الفنان، أو الموسيقار، أو المفكر أمثال: 1 - (شكسبير) الذي خصص له أحمد شوقي قصيدته (في ذكرى شكسبير) منوها بقيمة آثاره الأدبية. وفي الزمن نفسه كان العنوان ذاته الذي اختاره حافظ إبراهيم. 2 - (لافونتين) الذي يسافر إليه إبداع خليل مطران في بيتين مستوحيا فيهما الآخر في نقد الفساد. 3 - (شتراوس)، وكما وجه عبدالوهاب البياتي خطابه إلى ألبير كامي، ولوركا، وهمنجواي، وناظم حكمت، وجه خطابه المركز المكثّف إلى شتراوس، وإرنست همنجواي، والقصيدة بعنوان (إلى إرنست همنجواي)، ناعياً الشاعر في كل عصر، مسقطًاً واقعه على مضامين إنتاج أولئك الأدباء، وفي قصيدة (أغنية وداع.. إلى همنجواي) لحسن فتح الباب. 4 - فيكتور هوجو، الذي كتب فيه مطران أبياتاً مقدمة لأحد الكتب، منوها بدور الكلمة والرأي. وحافظ إبراهيم الذي جعله عنواناً لقصيدته منوها بقيمته الأدبية والإنسانية. وألبير كامي، ولوركا الشاعر الإسباني الذي جذب كثيراً من الشعراء العرب إلى استدعائه، واستيحاء دلالاته، حيث يعنون عبدالوهاب البياتي قصيدته (إلى لوركا) مجسداً الغربة والإحساس بالقيد، لتتضافر مفردات وتراكيب في توصيل الدلالة. وناظم حكمت، حيث يفرد له عبدالوهاب البياتي نصاً مطولاً كتبه سنة 1962 بعنوان (مرثية إلى ناظم حكمت)، يتصدره نص موازٍ، كذلك حسن فتح الباب في قصيدة (مرثية إلى ناظم حكمت)، أما كافافيس فقد حمل ديوان (أحلام.. عانسات! بكائية.. عند قبر.. كافافيس) لعلي الباز قصائد من بينها تلك القصيدة بالعربية واليونانية. ثانياً: استلهام نماذج المقاومة والبحث عن الحرية والتحرر لدى نماذج العالمية: أمثال (جيفارا) الذي يعنون به حسن فتح الباب قصيدته مستهلاً خطابه الشعري المازج بين الخاص والعام، والماضي في أفق إنساني عام، مسقطًا كفاح (جيفارا) على كفاحنا في فلسطين. ثالثا: استحضار النموذج العدواني الرامز للاستعمار والتسلط: منذ كانت قصيدة شوقي (وداع اللورد كرومر)، ولدى حافظ إبراهيم، فهي أكبر حجماًَ، وأكثر عدداً، فإلى جانب قصيدة حافظ (حادثة دنشواي) ينشر (شكوى مصر من الاحتلال)، ونشر (وداع اللورد كرومر)، ونشر (الحرب العظمى) شاكياً ويلات تلك الحرب، كما نشر قصيدته (إلى الإنجليز) في التاسع من مارس 1932، و (إلى المندوب السامي) بعدها بيومين، ومرة ثانية (إلى الإنجليز)، إلى جانب قصائد أخرى عن الجلاء، والامتيازات الأجنبية، وغيرها. أما (رادوفان/ البوسنة والصرب) فهو عنوان قصيدة محمد إبراهيم أبوسنة مع عنوان جانبي (الذئب الصربي الوالغ في الدم) مع استعراض تاريخ العدوان على الإنسانية منذ مطلع النص في رموزها: (هتلر)، و(هولاكو)، و (نيرون). أما (نيرون)، رمز الطغيان والفساد فيأتي عنوانًا لمطولة رائية موحدة الروي في 329 بيتاً لخليل مطران. أما (كندي) فيقف الشاعر حسن فتح الباب (على مقبرة كندي)، أما (ساروويوا)، وهو كاتب نيجيري أعدمته السلطات النيجيرية فقد جعله أبوالفضل بدران عنوانا لقصيدته. رابعاً: التناجي الوجداني العاطفي: وتكثر تلك الظاهرة لدى شعراء الغزل عند كثير من الشعراء أمثال نزار قباني، وسلطان العويس. خامساً: السفر إلى التاريخ، واللجوء إلى الماضي: ومن أبرز شخصيات ذلك الماضي (رمسيس الثاني)، أو الأكبر، في قصيدة شوقي المطولة (كبار الحوادث في وادي النيل)، و(كليوباترة)، وإلى جانب مسرحيته (مصرع كليوباترة) يستحضر شوقي في شعره الغنائي شخصية كليوباترة في صورتين مختلفتين، تبعاً لسياق النص. ويذكرها حسن فتح الباب عنواناً لقصيدته. سادساً: الهروب، أو السفر إلى الأسطورة والميثولوجي: حيث يتوارى المبدعون خلف شخصيات الأساطير؛ تعبيراً عن آرائهم ورؤاهم، وهم بمنجاة من المحاسبة والمؤاخذة من تلك الشخصيات الأسطورية: (إيزيس)، و(أورفيوس)، و(ديانا)، و(آفلون)، إله الفنون عند الإغريق، و(بيجماليون)، الملك القبرصي الذي قاطع الزواج بسبب ما رأى من عيوب النساء. سابعاً: مواجهة الآخر الصهيوني: وهو مجال يطول الحديث فيه، وحصره يفوق قدرة هذا البحث. ثامناً: استعارة فن الرسالة التراثي، في الخطاب الندي: وذلك فيما كتبه كل من: الشرقاوي، وفاروق جويدة، وفاروق شوشة فيما أثبتناه سابقًا. والهدف الفني المنشود من تلك النصوص، وما ماثلها، يكمن في مناشدة الجانب الإنساني في الإنسان مهما كان موقعه ونفوذه وسلطانه، بما في ذلك من نبذ الظلم والاستبداد والتسلط والعنصرية البغيضة، والتخلي عن طمع الإنسان في أخيه الإنسان في صورتيه: القديمة، والحديثة، أو الاستعمار: القديم والجديد، كما أنه يمثل مخاطبة روح المشاركة البناءة في الحياة من أجل مستقبل أفضل، وغد أكثر إشراقا؛ طموحاً إلى واقع إيجابي متبادل بين (الأنا) و(الآخر)، بعيداً عن آفات العصر، ومظالمه. * ملخص البحث الذي قدمه الباحث في ملتقى (الشعر من أجل التعايش السلمي) الذي نظمته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في دبي 16 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011.