كانت محاولة طفولية ليرقات قصيدة سرعان ماقتلتها أيدي النور.. دسستها بين أوراق إحدى الكتب في مكتبة والدي.. بعد الانتهاء من كتابتها مباشرة.. وحرصاً مني أن لايطلع عليها أحد حتى والدي الذي قرر اليوم الإسراف في القراءة فاختار ذلك الكتاب بالذات ليطالعه.. طافت على شفتي ابتسامة خائفة حينما لمحت أصابعه تتقافز بين الأوراق فتقبض صدفة على ورقة مدسوسة بينها .. كتبت عليها عبارات مكسورة.. كان والدي كريماً ليبحلق فيها باهتمام فيقرأ ماتحتويه فاكاً رموزها بصعوبة بالغة..وكعادتي توقعت أن لا أسمع شيئاً.. أو بالأحرى تمنيت ذلك.. مثل أي طفل طمعت بنصف التفاتة إعجاب بما أبدعت.. جرجرت حلمي ودفنت ناظري في الأرض.. هرولت مسرعاً بينما انهار شيئ ما بداخلي فور انتهاء والدي لقراءة ماكتبت.. تضاحك مستهزئاً ثم قال ساخراً:- من شخبط هذا؟! لم أجرؤ على الرد .. وتظاهرت أن لاشيء يخصني.. بلا مبالاة وضعها والدي جانباً وانكفأ يقلب أوراق كتابه بهدوء ويقرأ بتمعن .. هذه المرة .. تركت كتابة الشعر نهائياً.. اقنعني تشجيع والدي وحبور والدتي بي أني لا أصلح للكتابة فاحترفت فناً آخر.. بدأت أرسم ماتخيله عقلي. اخترت المكان والتوقيت المناسبين .. فأبي غير موجود الآن ونادراً مايُغلق باب غرفة مكتبه في مثل هذا الوقت.. فهذا من اختصاص أمي التي تقوم بالتنظيف.. تقرفصت بجانب ورقة صفراء مقواة وبدأت أرسم وأشخبط وألون بشغف .. تناهى إلى مسمعي صوت يشبه صوت والدي الذي لن يعود الآن من عمله بدأ قريباً مني .. خرم طبلة أذني الصغيرة بصراخه.. من مزق غلاف المجلد..؟! ثم سكت فجأة بينما عيناه تجوسان في اللوحة وقد أربد وجهه .. مد يده، التقط «لوحتي» من الأرض بعصبية ومضى يعيد الصقاها على المجلد ثم وضعه في رف المكتب.. أشرأب عنقي نحوه ورفعت إليه عيني كدرتين في حين كان ممسكاً ذراعي بقوة ساحباً إياي خارج غرفة المكتب.. ألقى بي في حضن والدتي وهو يهمهم بكلام لم أفهمه ثم صفق الباب في وجهينا..