فنُّ آلكتابة و آلخطابَةُ(6) مراحل إنتاج ألكتاب: كانتْ ألكتبُ تُؤلّف على شكلِ لفافاتٍ من آلبرديّ(صفائح ألبرديّ) أو من آلجلود ألّتي كانتْ تُقطّع عادةً بأشكالٍ مستطيلةٍ ثُمّ تُطوى على شكل لفافات لنقلها كرسائل و بيانات للأمصار أو لحفظها في آلمكتبات و آلبعض منها كانت تُصنع من الكتان و تلف بنفس آلطريقة. لقد ظهرت بعض ألنّسخ ألقرآنيّة مكتوبة على لفافاتٍ من جلود ألغزلان و آلأغنام يعود تأريخها إلى صدر ألاسلام ألأوّل, حيث شاهدتُ مجموعة منها معروضة في المتحف ألرّضوي بمشهد ألمقدسة في إيران, و لم يعرف العَالَم ألكتابَ إلّا شائعاً في آلتأليف أليوناني ألرّوماني و آلفارسي أوّل آلأمر(1) و سميّ آلعرب ألكتاب ألمُنجز بآل (مصحف) و هي كلمة مشتقة من "صحيفة" و أطلق العرب كلمة "مصحف" على آلقرآن و كذلك كلمة "الكتاب"(2). ثمّ تطورتْ صناعة الكتاب بعد ما كان يحفظ بين دفتين خشبيتين بادئ آلأمر, لتكون غلافاً حقيقياً كما هو عليه اليوم, و كان يُشار للقرآن في صدر الأسلام ب " ما بين ألدفتين" أو "اللوحين". بعدها بدأت مرحلة ألتغليف أو آلطلاء بآلذهب و آلزّخارف و تزيين الجلد بآلأحجار الكريمة و سميّتْ بآلمُذهّب و آلقاطع! ينقل ألمقريزي في خططه عن أنواع مختلفة من تجليدات أنيقة ضمّتها مكتبة "الفاطميين" في آلقاهرة بمصر(3) حيث بُعثرتْ في آلرّياح بعد هجوم "صلاح الدين الأيوبي" على القاهرة, و بعضها طرحت في كومة كبيرة خارج المدينة بعد أن تمّ تجريدها من أغلفتها ألجلديّة ألتي إستعملتْ لصناعة النِّعال و الأحزمة و أغلفة للخناجر و السيوف من قبل صلاح الدّين و جنوده الأتراك الأرهابيين و لم يبق منها شيئ اليوم .. لا آلكتب و لا آلجلود بسبب آلجهل و العقيدة الفاسدة ألتي كان يحملها الغزاة المتوحشين(4). و يضم معرض برلين بألمانيا غلافاً إسلامياً مرصّعاً بآلفسيفساء و آلموزائيك المصنوع من العاج و العظم و آلخشب مُتعدد الألوان يعود تأريخه إلى آلقرن التاسع عشر الميلادي. بعد زمن الدّفة الخشبية إستبدلت بدفة(غلاف) من آلورق المقوى لجمع الصحائف مع بعضها و كانت من البردي ثم الورق و تمّ تزئينها بآلخطوط و الزّخارف و الصور خلال اعوام آلقرن الخامس عشر الميلادي, ثم بآلمناظر و الرّسوم المختلفة, كما أدخل الطلاء "الورنيش" على الأغلفة لتلميعها و تثبيتها فيما بعد, و يوجد كتبٌ كثيرة في آلجمهورية الاسلاميّة الأيرانية يعود تأريخها إلى زمن آلأئمة الميامين و الصّوفيين نهاية القرن الأول و آلثاني تُعبّر عن إصالة الفن و الذوق الأسلاميّ الأيراني. ألمكتبات: برزت أوّل مكتبة في الاسلام زمن الفاطميين و بعدها في زمن العباسيين بآلأقتران مع جامعة الحكمة في بغداد ألذي أنشأه المأمون(831-833م) و كانتْ مهمتها تأمين الحماية و آلترجمة للكتب الأجنبية في الفلسفة الهيلينية – الأغريقية, و إنّ ألامام الصادق(ع) قد سبقهم بتأسيس أوّل مكتبة كبيرة في المدينةالمنورة لدعم آلجامعة العلميّة التي أنشأها عام 700م و التي كانت تضم بحدود 4000 طالب علم من مختلف الأمصار الأسلاميّة, و بسبب الوضع السياسي المضطرب و عدم إستقرار الأوضاع ألتي كان يتعرض فيها أهل البيت(ع) للتنكيل و الملاحقة فقد تعرضت تلك المكتبة كما المكتبة الفاطمية في مصر إلى الضياع و الفقدان و المصادرة من قبل آلخلفاء العباسيين الظلمة! و يذكر المؤرخون بأنّ إبن الخليفة الأموي يزيد الأول"خالد بن يزيد بن معاوية" الذي توفى 704م قد سبق العباسيين أللذين أسسوا المدرسة المستنصرية عام 1234م في إيجاد مكتبة ضمّتْ بحدود مائة ألف مجلّد! لكن المكتبة الفاطميّة في آلقاهرة التي تأسست قبل ألف عام تقريباً فاقت جميع المكتبات بآلشهرة و آلنوعية و آلكميّة و سميّتْ بآلبيت الفاطمي نسبة إلى بضعة الرسول(ص) فاطمة الزهراء(ع) بعد ما أسسّ الفاطميون مدينة القاهرة و أقاموا الأمبراطورية الأسلامية ألتي إمتدّت حتى دول شمال أفريقيا ما بين(967-1171م) حيث أسسوا فيها أيضاً مكتبات فرعية عديدة. لكنّ صلاح الدّين و من معه من الأتراك على العرب و الاسلام قد دمّروا تلك آلحضارة ألكبيرة بعد ما أتلفوا جميع مواد و كتب دار العلم و توابعه حتى مكتبة القصر التي كانت مناراً بارزاً للعلم و الدرس و البحث, و بدأ السُّنة أصحاب المُعتقد ألصّارم ألجّاف بآلبزوغ حسب تعبير "بيتر هنس"(5). و إختلف المؤرخون حول حجم تلك آلمكتبة, حيث أحصى "المقريزي" ثلاثة أرقام لها؛ 120 ألف مجلد؛ 200 ألف مجلد؛ 601 ألف مجلد, بل إنّ "أبو شامة" ذكر بأنها كانتْ تضمّ 2000000 مُجلّد, بضمنها 1200نسخة من كتاب الطبري! و ينقل "أبو شامة" في الخطط(6) بأنّ دلّال ألكتب قسم المكتبة في رُزمٍ عشوائيّة يتألف كلّ منها على عشرة كتب لبيعها على الناس, و كان وزير "صلاح الدين" و إسمهُ "المثقف" قد إشترى معظم الكتب و نقلها إلى إستنبول, لكن طلاب المدرسة "الفاضلية" ألذين حازوا على تلك الكتب قد باعوها عام 1284م ليحصلوا بثمنها على آلخبز في أيام المجاعة التي ضربت العالم أنذاك! كما ذهبت بحدود 100 ألف مُجلّد منها إلى مكتبة مستشفى"قلوون" في إستنبول سنة 1284م. و من المكتبات الأخرى: * مكتبة "ألفتح بن خاقان"(ت861م), قال عنه إبن النديم كان حكيماً عليماً بآلثقافة إحتفظ ببيت مفتوح لرجال العلم و الأدب, بعد ما أسس مكتبة كبيرة قرب بغداد. * مكتبة "بهاء الدين" ألذي أسسه الوزير البويهي الثالث"سابو بن أردشير" في شارع معروف "ببيت السّوريين" في بغداد عام993م , حيث ضمّتْ سلطته ألعراق و جنوبإيران(خوزستان) المجاورة للعراق و كانت مركزاً للعلماء و الدارسين حتى غزو بغداد من قبل السلجوقيين سنة 1005م حيث أحرقت و نهبتْ من قبل الغزاة. * مكتبة"شيراز" ألتي كانت تضم أيضاً بنايات و ممرات جميلة تحاط بها الحدائق و البساتين و آلأنهار و كانت القباب تغكي أبنيتها الأنيقة ألمؤلفة من طابقين, و إحتوت على 370 غرفة للمطالعة و التحقيق و الأستراحة. * مكتبة "دار العلم" في البصرة و ضمّت مؤلّفات كثيرة و كبيرة, و كان ألمشرفين على الدار يعطون منحة مالية لكلّ طالب علم للدراسة أو نسخ الكتب, كما أنشأت مكتبة أخرى أصغر منها في "رام هرمز" في المنطقة المجاورة لفارس. * مكتبة "الموصل" ألتي أسسها ألبحاثة"جعفر بن حمدون"(ت935ه), و كانت ضمن آلمعهد ألذي كان على شكل مؤسسة وقفيّة. * مكتبة "دار العلم" في سوريا و ضمّتْ ما يقرب من 3 ملايين كتاب و مجلد أحرقها الصليبيون بعد سيطرتهم على شمال سوريا و آسيا آلصغرى. * مكتبة "ألمدرسة النظاميّة" التي كانتْ تضمّ كتباً كثيرة و قد أسسها "نظام الملك" في بغداد و كان عميدها "الأصفرايني". * ألمكتبات العشرة, في مرو ببلاد فارس تأسست بين سنة 1216م – 1218م بحسب رواية "ياقوت الحموي" صاحب معجم البلدان. * مكتبة "ألمدرسة المستنصرية" في بغداد ألتي تأسست عام 1234م و كانت أشهر واحدة من 30 مدرسة ضمّت كلّ منها مكتبة غنيّة بآلكتب و المخطوطات و قد دمّرها آلمغول أيضاً عام1258م كما مرّ ذكره. عزيز الخزرجي (1يذكر المؤرّخون بأنّ القائد الأسلاميّ "سعد بن أبي وقاص" بعد أنْ تمَّ لهُ آلقضاء على آلأمبراطوريّة ألسّاسانيّة و فتح بلاد فارس عام23ه (644م) قد أرسل إلى الخليفة "عمر بن آلخطاب" كتاباً يستفتيه بشأن مصير مكتبة ضخمة تمّ ضبطها في البلاط الملكي ألسّاساني كانت تضم تأريخ العلوم و آلحضارة الأنسانيّة!؟ فأرسل الخليفة "عمر" جواباً قاطعاً على ذلك آلكتاب نصّهُ: [إمّا أنْ تكون الكتب مخالفة أو موافقه لرأينا؛ فأن كانت مخالفة فما حاجتنا بها, وإن كانت موافقه لرأينا فلا حاجة لنا بها حسبنا كتاب الله يكفينا, لذلك لا نحتاجها في آلحالتين و عليك بإحراقها و من الله التسديد]! و بفقدنا لتلك المكتبة العظيمة تكون الأنسانية قد فقدتْ الكثير من مبادئ العلوم و آلآداب و تأريخ الحضارة الأنسانية ألتي كانت تحتويها تلك المكتبة العظيمة, حيث أشارتْ الأحصائيات إلى أنّها كانت تضمُّ ملايين المؤلفات و الوثائق و الخرائط و آلبحوث المتنوعة و التي كانت يمكن أن تكون طفرة كبيرة للأنسانيّة في طريق العلم و التكنولوجيا و الآداب و الفنون و آلتأريخ فيما لو كان المسلمون قد إستفادوا منها! و بفقدنا لتلك المكتبة العظيمة تكون الأنسانية قد فقدتْ الكثير من مبادئ العلوم و آلآداب و تأريخ الحضارة الأنسانية ألتي كانت تحتويها تلك المكتبة العظيمة, حيث أشارتْ الأحصائيات إلى أنّها كانت تضمُّ ملايين المؤلفات و الوثائق و الخرائط و آلبحوث المتنوعة و التي كانت يمكن أن تكون طفرة كبيرة للأنسانيّة في طريق العلم و التكنولوجيا و الآداب و الفنون و آلتأريخ فيما لو كان المسلمون قد إستفادوا منها! (2) لكتاب الله تعالى خمسة أسماء هي: القرآن و آلمصحف و آلفرقان و آلذكر و آلكتاب. (3) و هي أوّل مكتبة إسلامية أسسها المواليين لأهل البيت في مصر بجانب جامعة ألزّهراء التي سميّت فيما بعد بجامعة الأزهر و التي تُعد مركزاً إسلامياً كبيراً في العالم العربي إلى يومنا هذا. (4) أشارت التقديرات التي نقلها المؤرخون بأن عدد الكتب و المجلّدات التي كانت تضمها المكتبة الفاطمية كانت بحدود مليوني مؤلف و كتاب و بحث, و بذلك نكون قد خسرنا جانباً كبيراً من تراث الأسلام الأصيل الذي حمله الفاطميون معهم بأمانة للأسف الشديد! (5) مصدر سابق. (6) أبو شامة, بدون. خطط المقريزي – ج2 ص 253م.